التوجه نحو تعليم ريادة الأعمال.. ضرورة حتمية

أ.د. علاء أيوب| أستاذ تربية الموهوبين | جامعة الخليج العربي

     يشهد العالم اليوم تحولات متسارعة من أهمها التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة Knowledge-based Economy، حيث تؤدي فيه الموارد المعرفية دورًا أكثر أهمية وأعمق بعداً من الموارد الاقتصادية، وأصبح رأس المال الفكري يساهم إلى حد كبير في إحداث تغيير إيجابي في كافة المجالات. وقد أدى ذلك إلى قيام الاقتصاد العالمي الحالي على تثمين القيمة الناتجة عن التجديد والابتكار اللذين أساسهما المعرفة، وأصبحت الحاجة إلى حيازة المعرفة واستخدامها وتقاسمها، بل إنتاجها حاجة أساسية تتزايد أهميتها على المستوى العالمي.

     ويتطلب تحول الاقتصاد العالمي من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد معرفي مجموعة مختلفة تمامًا من المهارات والكفاءات التي على الطلاب اكتسابها، في ظل عدم تمكن نظم التعليم من مواكبة المتغيرات التي طرأت على العالم. ومن هذا المنطلق، لا بد من إعادة صياغة نظم التعليم والتدريب ضمن مفاهيم ومبادئ الاقتصاد المعرفي، وذلك لتجاوز التراكم المعرفي وإكساب الطلاب مهارات القرن الحادي والعشرين والتي لا تمكنهم من اكتساب المعرفة فحسب، ولكنها تمنحهم القدرة على تطبيق تلك المعرفة أيضًا. وهذا ما أشارت إليه العديد من الدراسات الحديثة بأن مع تزايد الاقتصاد المعرفي تتزايد حاجة المجتمع إلى طلاب مؤهلين ومسلحين بالمهارات العلمية والعملية والحياتية حتى يستطيعوا أن يساعدوا المجتمع في نموه وازدهاره والمحافظة على تنافسيته في ظل هذا الاقتصاد العالمي.

وفي البيئة العربية نصت استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول مجلس التعاون لأعوام (2000-2025) على أنَّ غايتها المحورية هي تحقيق مسيرة تنموية مستدامة ومتكاملة في كافة المجالات للارتقاء الدائم بجودة الحياة فيها، وتمكين الأفراد للتكيف مع مستجدات وتحديات القرن الحادي والعشرين. ولا شك أنَّ تحقيق هذا الهدف لا يتأتى بدون بناء أجيال تمتلك قدرات ريادية وقادرة على التعامل مع التحديات والمشكلات المعاصرة والمستقبلية وقيادة مجتمعاتها للمنافسة العالمية.

ومما لا شك فيه أن لريادة الأعمال دورًا في التنمية المستدامة، حيث إنها تمثل القوة التي تقف خلف الإبداع والابتكار. وتعتبر محركًا للنمو الاقتصادي لأى مجتمع، لذا أصبحت ريادة الأعمال عاملًا حاسمًا في ظل اقتصاد المعرفة الذي أصبح السمة المميزة لكثير من الاقتصاديات العالمية في وقتنا الراهن. ولم تعد ريادة الأعمال قاصرة على القيام بدورها بوصفها قوة دافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية وخلق الفرص الوظيفية فحسب، وإنما تعدت ذلك إلى الإسهام في التنمية الشخصية والاجتماعية لأفراد المجتمع، وزيادة القدرة الابتكارية والتنافسية للأفراد. وترتب على ذلك أن أصبح رواد الأعمال قادة العهد الجديد وصناعه، بل المصدر الرئيسي لميلاد أفكار المشروعات الجديدة، وترجمة هذه الأفكار إلى كيانات اقتصادية ناجحة.

وقد أضحى هناك اهتمام واسع لدى صناع السياسات العامة والأكاديميين نحو التعليم لريادة الأعمال، وهناك احتياج لها في كل مستويات التعليم. وأن تعليم ريادة الأعمال يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاتجاه وكفاءة الريادة، وذلك من منطلق أن التعرض لمقررات أو تدريبات في الريادة والإبداع من المحتمل أن تؤدي وبشكل كبير إلى أن يغدو الطلاب في محطات مهنية نوعية ومتميزة عند أي نقطة في المستقبل.

وفي هذا الصدد أشار تقرير المفوضية الأوربية European Commission الصادر عام (2012) إلى أن النظرة الضيقة للريادة – والتي تدور حول إعداد المتعلمين لعالم الأعمال – قد تضع قيودًا على المتعلمين والمعلمين، والأولى أن يتم النظر إلى الريادة في التعليم كعملية شاملة يتم من خلالها اكتساب المتعلمين مجموعة واسعة من الكفايات لتحقيق قدر أكبر من الفوائد الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، حيث إن الكفايات المكتسبة تصبح صالحة للتطبيق في كافة مناحي الحياة.

لذا فإنه من المفترض أن يكون هدف المؤسسات التعليمية باختلاف مراحلها ليس تقديم المعرفة فحسب، بل مساعدة الطلاب على اكتساب أدواتها وصناعتها وإعادة تشكيلها أيضًا من خلال استخدام قدراتهم وتطوير إمكاناتهم العقلية لمواجهة المواقف المختلفة في الحياة والتعامل معها بإيجابية وبفكر ريادي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى