أخبار

استرونج اندبندنت وومان

خالد رمضان| كاتب مصري
للمرأة طبيعة فسيولوجية خاصة تميزها عن فسيولوجية الرجل، وسيكولوجيته.ونعني بسيكولوجية المرأة ما يتعلق بها نفسيّا من حيث السلوك الصادر عنها، طبيعة التفكير، كمية المشاعر والأحاسيس المفعمة لديها، فيضان قلبها بالحب أو البغض، التجاذب أو النفور، الإقبال على شئ، أو الإدبار عنه، كذلك كل ما يتعلق بالصحة العقلية، أو العلاقات الاجتماعية، أو الاضطرابات النفسية، أو التقلبات المزاجية. ونعني بالناحية الفسيولوجية البنية الجسمية والعضوية.
ورغم وجود قواسم مشتركة بين الرجل والمرأة باعتبارهما ينتميان إلى جنس بشري واحد إلا أن هناك فروقا جوهرية بين الاثنين، ويرجع ذلك لطبيعة المهمة التي وجد كل منهما لها.
ما يعنيني هنا هو وجود بعض الصيحات الثقافية المزعومة التي استشرت في الٱونة الأخيرة، وسرت في مجتمعنا الشرقي سريان النار في الهشيم، فأصبحت تتردد على ألسنة الفتيات الصغيرات البريئات، فأشربنها واقتنعن بها، وأصبح فخرا لها أن تقول على نفسها: أنا استرونج اندبندنت وومان. وأصبحت هذه المقولة مادة دسمة لإعلام جاهل، وتلقاها كل صاحب رأس فارغ لا يحمل علما، ولا يعي قولا ولا فعلا.
إنهم يعنون بهذه العبارة (المرأة القوية العصامية) أي التي لا تحتاج إلى رجل في حياتها، معتمدة على نفسها، مؤمنة بذاتها، مستقلة بكينونتها، تضع قلبها تحت أقدامها فتقف كالصخرة المصمتة في مواجهة مصاعب الحياة، وتقلبات الزمن.
ولنفترض معا عدة تساؤلات:
هل تستطيع المرأة التخلي عن الرجل؟
هل تقوى المرأة على كل أعمال الرجل؟
هل حقا المرأة مثل الرجل؟
أنا لن أجيب على ما طرحته، ولن يجيب الرجال، بل ستتولى النساء الإجابة ودون تدخل منا.
المرأة ما كان لها لتتساوى مع الرجل، ولا كانت يوما من الأيام عدوا له كما يزعمون، بل على النقيض تمام فالمرأة مكملة للرجل، مساندة له، هي الجانب المشرق في حياته، هي النسيم عند الحرور، هي الرحمة واللين عندما يغضب أو يثور، هي الزهرة الفواحة، هي الحب والعطف والكرم والسماحة. خلقت من ضلعه الأعوج لتحنو عليه إذا اشتدت به الكروب، هي الجمال والدلال الذي يأسر العقول والقلوب. قوتها في ضعفها، عقلها في عطفها وودها، حساسة شفافة، رقيقة جذابة. هذه فسيولوجيتها وسيكولوجيتها التي فطرت عليها. فإذا خرجت عن طبيعتها، فارتدت زي الرجال واستأسدت وتنمرت زهد فيها الرجال، وتنكرت لها النساء والفتيات؛ لأن لكل جنس خصائصه المميزة له، فالمرأة تحب في الرجل قوته، والرجل يحب في المرأة ضعفها.
إذن نستنتج مما سبق أن المرأة مخلوق ضعيف. بالطبع لا، المرأة لها قوتها لكنها قوة ناعمة، كامنة داخلها لا تظهر إلا في مكانها المعد لها دون غيرها، تظهر في بيتها، وأمام زوجها وأبنائها، فتلبي احتياجاتهم، وتحقق رغباتهم، تجمل بيتها، تعلم أولادها، تحمل ٱلامهم، تسعى لتحقيق ٱمالهم، هي مصنع الرجال الذين سيحملون عبء بلادهم على أعناقهم.
ثم يأتيك أتباع كل ناعق وناهق، ممن يسمعون ولا يفهمون، يرددون ولا يعقلون: أنتِ والرجل سواء، إن كان متعلما فأنتِ تتعلمين، وإن كان يعمل فأنتِ تعملين، فلا سلطان له عليكِ.
إذا فعل ما يغضبكِ فارحلي واتركيه، ألقي له الأولاد ليذوق وبال أمره، فيعود مكسورها مقهورا لكِ يجثو تحت قدميكِ.
وهذه مما كانت سببا رئيسا في خراب الكثير من البيوت.
وممن يقول: أنتِ لستِ في حاجة إلى رجل، تستطيعين مواجهة الحياة بمفردكِ؛ فلستِ ضعيفة وقد مضى عهد الضعف، ووأد البنات. تمتلكين وظيفة خاصة بكِ، وراتبًا مستقلا، فما حاجتكِ إلى رجل يطمع فيكِ، يأخذ أموالك، ويفني زهرة جمالكِ وشبابكِ.
صارحتني فتاة أربعينية كانت تعمل في إحدى الدول العربية بأنها لازالت ترفض الخطاب لعدة اعتقادات لديها، ومنها أنها ترى الطمع في أعينهم، ومنها أنها لا تحب أن يتحكم أحد فيها، أو أن يفرض سيطرته عليها، أو يمن عليها بإنفاقه وإطعامه لها، هكذا قالت.
بالله عليكم، هل هذا منطق؟!
هذه الفتيات البريئات هن ضحايا إعلام مغرض، يبث سمومه ليل نهار، حتى انتشرت العنوسة، وتشتتت الأسر المستقرة، وكاد ينفرط عقد مجتمعنا جراء هذه الأفكار الهدامة.
العجيب في الأمر أن ضحايا هذه الدعاوى لا يفيقون إلا بعد فوات الأوان، فهذه الفتاة المخطوفة فكريا تحزن على ما مضى من عمرها حينما ترى صديقة لها من سنها تسير بجانب ابنتها التي قد تفوقها طولا وجمالا ودلالا.
أو ترى زميلة لها بجانب ابنها الشاب الوسيم، وقتها تتمنى أن لو أنفقت ما في الأرض جميعا لتكون مثلها. أو هذه المرأة التي هدمت بيتها بيديها، وبعد مرور عام أو عامين تكون قد ملت الحياة في بيت أبيها، أو أخيها، وكرهت حياة الوحدة وتمنت أن لو مزقها زوجها تمزيقا وتنام بين ذراعيه خير لها من الدنيا بأسرها..(استرونج اندبندنت وومان) أكذوبة كبرى، وحق أريد به باطل.
نحن لا نثبط النساء، ولا نقلل من شأنهن، فهن نساؤنا، أمهاتنا، أخواتنا، بناتنا، عماتنا، خالتنا، ونقول من حقها أن تتعلم، وأن تعمل، وأن تكافح مع زوجها ولكن عليها أن تعلم ما لها، وما عليها، والتاريخ حافل بنساء خلد ذكرهن إلى يوم القيامة.
ولو كان النساء كمن ذكرن
لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال
وأختم بهذه الأبيات التي تبين طبيعة الرجل، وتفصلها عن طبيعة المرأة.
حواء يا هيفاء يا غيداء
يا نصف الحياة
ياربة القد الممهد والعيون
الساحرات
والفتنة الشعواء تفتك بالقلوب
المرهفات
صوني القوام السمهري
عن العيون الظامئات
لا تنصبي شَرَكا لأفئدة
الرجال الوادعات
هل أنتِ يا حواء إلا قطعة
مني استقلت عن كياني
لازلت ابحث عنكِ
في كل الأماكن والزمانِ
لا يعرف القلب السكينة
إن نأيتِ عن العيان
لكنني أبغيكِ يا حواء
عالية المكانِ
لا لا أحبكِ سلعة
معروضة للمشترينا
أو دمية تُطلى لتحلو
في عيون الناظرينا
أو تنزلين السوق في
كيظ الحياة تزاحمينا
فالسوق يا حسناء تعرض
في رحاها المترفينا
خدعوكِ يا حسناء
حتى استنزلوكِ من السماء
واستدرجوكِ لتحملي
عبء الرجال مع النساء
فمشيتِ في حلم السكارى
في انبهار وازدهاء
مخدوعة نشوى تحثين
الخطى نحو الشقاء
لو غُوصت في البحر أحياء
الثرى ماتت غريقة
أو باءت الحيتان عن لجاتها
ماتت خنيقة
كلٌّ معد في الحياة لدوره
وهي الحقيقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى