قطوف من حدائق التفاؤل
دكتور عادل المراغي/ أكاديمي وأديب مصري
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل ويصنع حدائق البشرى : حيث يقول تعالي ( *لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ*)” [الزمر:53] .
يقول بعض العلماء 🙁 لولا الأمل ما بنى بانٍ بُنيانًا، ولا غرس غارس غرسًا ).
ولله در القائل:
*ولا تيأسن من صنع ربك إنه*..
*ضمين بأن الله سوف يديل*
*فإن الليالي إذ يزول نعيمها*..
*تبشر أن النائبات تزول*.
*ألم تر أن الليل بعد ظلامه*..
*عليه لإسفار الصباح دليل*.؟
إن اليأس زائر غير مرحب به يحل على بعضنا ضيفًا فيقلب حياتهم ويحول تلك الفرحة إلى بؤس، وذلك النشاط يتحول بسببه إلى كسل، ويتراجع الإنسان عن آماله وأهدافه.
نعم إن اليأس يصيب الروح والعقل معًا بالإحباط، فيفقد الإنسان الأمل في إمكانية تغير الأحوال والأوضاع والأمور من حوله، ويظن أنه لا سبيل للنجاح!!
كيف نقاوم اليأس؟
هناك وسائل عديدة تساعدك في التغلب على اليأس من أهمها:
١- مصاحبة القرآن الكريم.
فالقرآن كتاب أمل، ومن يتدبر في آياته يجده مليئا بالقصص التي تشحن الإنسان أملاً، وتبين له مدى الانتصارات التي حققها الأنبياء ومن هذه هذا النموذج:
سورة “يوسف”.وقد تحدثت عنها سلفا في حديث مستقل،وهي من أكثر السور التي تحدَّثت عن المواقف الصعبة التي تسبب اليأس، فنبي الله يعقوب ونبي الله يوسف لم يفارقهما الأمل والتفاؤل في أحلك الظروف وأشدها،فيوسف عليه السلام انتقل من حال إلي حال ومن ذل إلي عز ومن عز إلي ذل،ومن فرقه إلي إجتماع ،ومن اجتماع إلي شتات ومن شتات إلي ائتلاف،والله غالب على أمره،
قال تعالى: { *وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ*} يوسف آية87 ، قالها يعقوب وهو في أشد حالات المحنة، وبعدها كان الفرج.
فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُ بالإحباط، ولم تفهم الحكمة منها، فلا تيأس ولا تتذمَّر.. بل ثِق في تدبير الله، فهو مالك هذا المُلك ،وهو خير مُدبِّر للأمور.
(*أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ*) (54)سورة الأعراف
إن هذه الآيات ومثيلاتها تخفف وطأة المشاكل والأحداث الصعبة، فهي تدعونا لتلقي الأحداث الحاضرة المؤلمة بالرضا والتسليم، وبنفس منشرحة مشحونة بالأمل فيما سيأتي، صابرة على العسر الواقع.* فَالنَّفْسُ الْمَشْحُونَةُ بِأَمَلِ الْيُسْرِ الْقَادِمِ، يَضْمُرُ لَدَيْهَا أَلَمُ الْعُسْرِ الْقَائِمِ، وَمُنْتَظِرُ الْفَجْرِ الْقَرِيبِ لَا يَشْعُرُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْقَاتِمِ*.
ومن أشجار الأمل شجرة الدعاء
فهو كسفينه نوح من تعلق بها نجا ومن تخلف عنها هلك ومن تثبث بها ملك.
والدعاء يبعث في شرايين قلبك أمواجًا من الطمأنينة والهدوء والثقة، ويحول المشكلة إلى مدرسة، والصعوبات إلى معارج الكمال، والدعاء قبل كل ذلك ينزل عليك الفرج ويحيطك بالرحمة .
و الدعاء يلهم الإنسان الأمل، ويعالج اليأس والقنوط فالداعي يرجو دائمًا رحمة ربه مهما كانت الظروف قاسية.
ومن الأدعية المهمة ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال: (*دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة؛ ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني*).
أزهار من حديقة للتفاؤل
إليك هذه الكلمات النيرات الباهرات الزاهرات المزهرات لعلها تشفي صدرك وتجلب صبرك وتهون خطبك وتكفكف دمعك وتطمأن قلبك.
١- لا تيأس مهما عصفت بك الحياة، فإن الله الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي قادر على أن يجعل لك مخرجًا ويرزقك من حيث لا تحتسب.
٢- يقول ويلاند: هناك نوعان من الناس: نوع المرساة ونوع المحرك، إنك بحاجة إلى الابتعاد عن المرساة والإرتباط بالمحرك؛ لأن الأشخاص من نوع المحرك ، يتحركون صوب هدف ما ويستمتعون بالمزيد من المرح، أما الأشخاص من نوع المرساة فسيجذبونك لأسفل فحسب.
٣- لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات.
٤- لكي تتجنب توالي الكوارث، لابد أن تكسر حلقات التشاؤم المحيطة بروحك.
أسباب اليأس:
أما عن أسباب اليأس فهو كثير،ومن أهمها
١- استعجالُ الإنسان للأمور:
قال تعالي
(*وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً*..) (الإسراء: من الآية*11)..
ولنعلم أنّ المتعجِّلين هم أقصر الناس نَفَساً، وأسرعهم يأساً، وذلك عندما لا تجري الأمور على هواهم أو حسب ما يتمنّون ويحبّون ويشتهون!..
٢- وَزنُ الأمورِ بموازين الأرض لا بميزان السماء:
فقد قال رجلٌ لأحد الحكماء: إنّ لي أعداءً، فقال له: ( *وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُه*)” (الطلاق: من الآية3).. قال الرجل: ولكنهم يكيدون لي، فقال له:..( *وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِ*”) (فاطر: من الآية43).. قال الرجل: ولكنهم كثيرون، فقال له: (“… *كَم مِن فِئَةٍ, قَلِيلَةٍ, غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ*”) (البقرة: من الآية249)!..
وهكذا، فعندما نَرُدّ كل أمرٍ, يواجهنا في حياتنا إلى الله – عز وجل – وحده.. فإننا لن نيأس مطلقاً، بل ستبقى قلوبنا معلَّقةً بالأمل بالله – عز وجل -.. خالقنا وحده لا شريك له، ومدبّر الأمر كله!..
٣– قد يواجه المَرءُ مواقف فرديةً سلبيةً من بعض الناس، فيتخذ منها موقفاً سلبياً ، ثم يعمّم ذلك على كل ما يواجهه في حياته، وكأنّ الناس كلهم بعضهم مثل بعض.. أي: حين ييأس الشخص من مجموعةٍ, أو شخصٍ, آخر لموقفٍ, سلبيٍ, بدر منه.. فإنه يعمّم يأسه هذا على مواقفه من كل الناس الذين يعيش معهم أو يلتقي بهم ، وبذلك يتخذ موقفاً عاماً لابتلائه بموقفٍ خاص!..
أنواع اليأس:
هناك أنواع لليأس، يمكن أن نجملها فيما يلي:
أولاً: اليأس من رحمة الله – عز وجل -:
وذلك لجهل الإنسان بربّه، وبحقيقة سُنَنِهِ – سبحانه وتعالى – في تعامله مع عِباده.. إذ من أهم الحقائق الربانية التي يتعامل وفقها الله – عز وجل – مع الإنسان ما يلي:
١- حين ارتكاب الذنوب:
يشرح – سبحانه وتعالى – قانونه للناس مفصّلاً بالآية القرآنية: ( *قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ* “) (الزمر: 53).
٢- حين وقوع الكَرب:
أ- لا شكّ بأنّ الله – تبارك وتعالى – هو وحده الذي يفرّج الكروب، وهو بذلك كريم مع عباده، رحيم بهم، وهو مع عباده المؤمنين الصالحين في أوقات الرخاء ، يكلأهم برعايته و فضله وإحسانه ، أفيتركهم في أوقات الشدّة والكرب والبلاء؟!..
ومن اوقات الشدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حين تأخّر الوحي عنه قال المشركون: [” *ودَّعَ محمداً ربٌّهُ*”] (أي: تركه).. فأنزل الله – عز وجل -( *وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى* (8) أي: أن الله – سبحانه – ذكّر رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – بقديم إحسانه عليه في الحالات الحياتية العادية.
فهل من المعقول أن يتركه في أوقات الشدّة والكرب والمواجهة مع المشركين؟!..
ب- كما أنّه – سبحانه وتعالى – يبتلي المؤمنين بالكرب ومختلف أنواع الإبتلاءات.. لاختبارهم واختبار قوّة إيمانهم وثباتهم على منهجه ودينه وطريقه.. فالدنيا دار ابتلاء، وطوبى لمن خرج منها مُعافى ثابتاً على الصراط المستقيم، وهذه قصة نبي الله إبراهيم مع ولده إسماعيل – عليهما السلام – تؤكّد هذه الحقيقة الربانية ، حين خضع الأب وابنه لمحنة أمر الله – عز وجل – لإبراهيم – عليه السلام – بذبح الابن.
فكيف سيكون موقف الأب الذي سيذبح فلذة كبده،؟ وكيف سيكون موقف الإبن الذي سيُذبَح بيد الأب طاعةً لأمر الله – عز وجل -: ( *فَلَمَّا أَسلَمَا وَتَلَّهُ لِلجَبِينِ * وَنَادَينَاهُ أَن يَا إِبرَاهِيمُ * قَد صَدَّقتَ الرٌّؤيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ * وَفَدَينَاهُ بِذِبحٍ, عَظِيمٍ*.). (الصافات: من 103 إلى 107)..
فلنتأمّل ولنتدبّر في تلك الآيات العظيمة ، فكم من كربة زالت واضمحلت وبادت.