الصحفيون العرب: وهْم السُّلطة الرَّابعة وخَديعَة الديموقراطية

ناصر أبو عون

ما تتعرّض له الصحافة العربية، ومهنة الكتابة، وحريّة التعبير من أزمات تتسارع وتتوالى كان بمثابة مصائب (كاشفة فاضحة) عرّتْ عورة النُّخْبة العربيّة، وكَشَفَتْ عن خللٍ جلل في (بِنْيَة الفكْر العربيّ)؛ غيرَ أنّ الأزمة أسقطتْ ورقة التوت الأخيرة عن (الوجه الكالح واللاوطنيّ) لـ(فصيل) من المشتغلين بــ(مهنة الكتابة)، وبعض المنتسبين لـ(دكاكين الصحافة)، وثُلّة من حاملي عضويات (جمعيات واتحادات الكتَّاب) المتناثرة في أروقة العالم العربيّ الذي تكاثرتْ عليه الخطوب والمحن من عدوٍ خارجيّ متربصٍ، وكَتَبَةٍ غيرِ بررةٍ من أبنائه! جاءوا فُرَادى وجماعات مُتمترسين خلْفَ (لافتة كاذبةٍ خاطئةٍ عريضة يسمونها [الديموقراطيّة] خِداعًا)، ومُتَخفين وراء (أقنعةٍ زائفةٍ غريبة) يطلقون عليها [حريّة التعبير] مجازًا)، وأشاعوا فريةً وافتراءً بأنَّ تلك اللافتة وذاك القناع ميراثٌ دمغته الطبيعة في جيناتهم، وخَصِيَصة قَدَريّة تنزّلت بها (شياطين الإمبريالية الجديدة)، و(الليبرالية اللئيمة) على قلوبهم، ورتَّلَتْ على مسامعهم – وحدهم دون غيرهم – (أوراد الحداثة العتيدة) فسالت أسِنّةِ أقلامهم (سُمًا زعافًا)، وأضَحَتْ كتاباتهم بمثابة (أرتال من بطاريات الصواريخ ومدفعيّة ثقيلةً) تقصفُ (قلاع الأوطان الحصينة)، وتُمّهدُ الأرضَ أمام جيوش الغزو (الفكريّ، والمسلّح)، وادَّعوا كذبًا أنهم يملكون من (سِحْر البيان) ما (يسلب الأفئدة، ويُسقِط الأنظمة). لقد ظنّ أمثال هؤلاء من الكَتَبَة والمستكتبين أنَّهم خطفوا (الوطن والمواطن)؛ بل إنّ البعض يحاول (اختطاف النقابات الصحفية وجمعيات الكُتَّاب والأدباء العربيّة) – والتي معظمها تابعة في تراخيص إنشائها (لوزارات التضامن الاجتماعي)، وتتلقى دعمًا حكوميًا في سائر البلدان العربية -، وجرّها لتلعبَ دورًا سياسيًا خارج نطاق القانون، والبعض الآخر يرى فيها (رأس حربة) لطعن الأنظمة السياسية التي يتمرغون في حريرها وديباجها؛ لإجبارها على الانصياع لــ(متطلبات الأعضاء التمييزيّة) ليستطيلَ بها كَعْبًا، وخيلاءَ على سائر المهن والأعمال ليصبح (مواطنًا بـِشَرْطَة [وفقَ التعبير المصري الدارج])، أو (على رأسه ريشة)؛ كما يقول المصريون المقهورون، أو (نسيبًا للحكومة) وفق تعبير (أبطال مسرحيّة ريا وسكينة).

ومنذ سبعينيات القرن الماضي سعى كثيرون من ممتهني (الكتابة والصحافة) إلى ترويج (خدعة ومقولة: [الصحافة سلطة رابعة]) حتى يتسنّى لهم ابتزاز الحكومات بتوئدة، و(اقتسام كعكة المكاسب الاقتصادية والسياسية). والحقيقة المُرّة أنَّ هذه المقولة المُعَلَّبَة، وسابقة التجهيز ليست إلا فيلم أكشن هندي ولم تنطلِ على العقول الواعية ولم تأسر الألباب الفاهمة ولم تُرهبْ الحكومات والأنظمة، وكشفت للجماهير عن خديعة كبرى استفاد من ورائها (ثُلة) من (الكتبَة والمستكتبين) بحثًا عن (دورٍ في واجهة الحياة الثقافيّة)، أو (وظيفةٍ في مَتْنِ الحياة السياسية) وحاولوا أن يقتسموا لأنفسهم ومهنتهم من كعكتها (نصيبًا مفروضا)، وتحصيل امتيازات، وقنص استحقاقات أقل ما توصف به أنها (تمييزية وعنصرية وتفضيلية). غيرَ أنَّ التجربة أثبتت بأنَّ هؤلاء (المستكتبين) مجرد (طبل أجوف) يسعى لفرض وصايته على (صُنَّاع القرار) عبر الإيحاء الكاذب (باحتكارهم المعرفة)، والإمساك بناصية الجماهير يسحبونها وراءهم كالأنعام)، ويمنحون الثقة لمن تَابَ وأناب، ويُقصون من أَعْرَضَ؛ بل إنّ أصحاب هذه النظرية حول العالم وبخاصةٍ في عالمنا العربي يتخذون من مقولة: [الصحافة سلطة رابعة] وسيلة (لابتزاز  الحكومات والمسؤولين)، و(التلويح بالقلم) في وجه (صانع القرار) و(التهديد بتأليب الرأي العام).

إنَّ المتماهين مع مقولة (الصحافة، والكتابة سلطة رابعة) هُم الوجه التراثي القديم (لسحرة فرعون) ويجب مجابهتهم بسيف القانون، ومدونة الأخلاق العربية، والتشريعات والقوانين التي أقرَّت (حق المساواة بين سائر المهن والمواطنين). ونسوق هنا مجموعة من الأدلة والحجج القانونية والمنطقية للبرهنة على ادّعاء وخداع مقولة (الصحافة سلطة الرابعة) يمكننا التأمل في كُنْه معنى العبارة وتفنيد الآراء الواردة فيها لبيان الحق وجلاء الحقيقة. وقد سبقنا، وسبق الجميع إلى توضيح هذا المعنى أستاذنا مرعي مدكور الإعلامي والأكاديمي الذي توفّقَ في وضْع بحثٍ مطولٍ حولَ خدعة ومقولة: (الصحافة والكتابة سلطة رابعة)، ونقدها علميا. وتبيان أنّ (الكتابة والصحافة مجرد مهنة) ولا تملك أدنى سلطة كما يدّعون. وهاكم البراهين والأدلة القانونية على فساد ما يُروجون:

أولا – إنَّ الصحافة في العالم الحر مهنة حرة وكونها حرة يعني أنها مفتوحة الأبواب لسائر الأفراد والجماعات شأنها في ذلك شأن المهن الحرة كالطب والمحاماة وهي الوحيدة من بين هذه المهن التي نصت دساتيرنا كلها على كفالة حريتها بهدف حماية حرية الصحافة من الدولة لأن الدولة هي وحدها التي تملك أن تفرض الرقابة على الصحف وهي وحدها التي تملك أن تنذرها وأن تعطلها.

ثانيًا – إنَّ الصحافة لا تعتمد على سلطان الدولة – طبقا لتعبير الدكتور مرعي مدكور- بل تعتمد على ما تقدمه للناس من آراء وأنباء ونشاطها في هذا الاتجاه خارج إطار الدولة لا داخله مثلها في ذلك مثل الاتحادات والنقابات وغيرها من منظمات المجتمع المدني التي تستخدم آليات التأثير في الرأي العام.

ثالثًا – إنَّ المتفق عليه في العالم الحر أن هناك سلطات ثلاث فقط هي (التنفيذية التشريعية) ثم سلطة قضائية) جاءت لتكون حكما بين الاثنتين ومنع تغوّل سلطة على أخرى واصطلح على إطلاق لفظ (سلطة عامة) على كل هيئة منها. لأن السلطة لازمة من لوازمها. ولأن سلطان كل منها ينبسط على رقعة الدولة كلها. وهي لا تستمد سلطانها من سلطة أعلى منها بل تستمده من الأمة نفسها.

رابعًا – إنّ السلطة في اللغة هي (التسلُّط) و(التَّحكم) و(السيطرة) وهي من مادة (سَلَطَ) أي أطلقَ له السلطان. والسلطان يطلق على (الحاكم) كما يطلق على القوة والقهر. والسلطان بمعناه الثاني دعامة من دعامات الدولة وركن من أركانها. ولما كانت الدولة شخصا معنويا فقد لزم أن ينوب عنها في ممارسة سلطانها هيئات تختلف باختلاف وجوه نشاطها.

وأخيرًا فإنّه إذا ما افترضنا جدلا – وهو افتراض مناقض للحقائق العلمية – ضرورة إقرار قانون يعتبر (الصحافة سلطة رابعة) إضافةً إلى السلطات الثلاث الأساسية (التنفيذية والتشريعية والقضائية) فإن هذا الفرض مرهون تحقيقه بشروط ثلاثة من الصعب تحقيقها في مهنة الصحافة والكتابة؛ ولكي تكون (الصحافة والكتابة سلطة) فلا بد أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط وهي تفتقدها لفظا ومعنى ومبنى وعُرفًا وقانونًا‘ وفي مقدمة هذه الاشتراطات المفتقدة في [سلطة الصحافة المزعومة]:

أولا  – (أن تكون أوامر الصحافة ونواهيها في حدود اختصاصها مكفولة النفاذ بسلطان الدولة القائم على القهر والإرغام).

ثانيًا – (أن تكون الصحافة مختصة بحكم النظام بأن تؤدي وظيفة من وظائف الدولة).

ثالثًا – (أن يكون للصحافة – بحكم وظيفتها – أن تأمر وتنهى).

وفي الأخير فإنه يمكننا القول بأنّ (حرية التعبير) من الضروري أن تكون (مسؤولة ومُقَنَّنة)، ومتاحة للجميع وليست حِكْرًا على فصيلٍ سياسيّ أو فكريّ من (أذناب اليسار الديماجوجيّ)، أو (أتباع اليمين الفاشيّ)، أو (السائرين تحت راية الإسلام السياسيّ) مِمَّن يخلعون على أنفسهم تجاوزًا أوصافًا (عنصريّة وتمييزية) من نوع: (كِرِيْمَة المجتمع الثقافي أو (صفوة النُّخْبة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى