رواية ذئب الله وسطوة القبيلة
عبد الله دعيس | ناقد وكاتب فلسطيني
صدرت رواية “ذئب الله” لجهاد أبو حشيش عن دار فضاءات في عمان، وتقع في 169 صفحة من الحجم المتوسط.
يرتبط الذئب في الثّقافة الشّعبية بالشّجاعة والإقدام، ويمجّده النّاس ويصفون أنفسهم به، وإن كان غادرا يخطف الأغنام ويحدث الأذى للرعاة! فهل كان عواد البّاز، شخصية الرواية الرئيسيّة، ذئبا بهذا المفهوم؟ هل كان شجاعا؟ أم كان انتهازيّا سارقا؟ ولماذا اختار الكاتب أن يقرن هذه الصفة باسم الله تعالى، فسمّاه ذئب الله؟ تساؤلات قد تخطر في بال القارئ وهو يستغرق في قراءة هذه الرّواية، ويدقّق النظر في غلافها الذي يحمل وجها أسود مشوّها.
فالرواية تحكي سيرة شخصيتها الرئيسية، عواد البّاز، في مراحل حياته المختلفة، منذ ولادته حتّى نهاياته، يتحدّث عنه الكاتب باستخدام ضمير الغائب، بينما يستخدم الكاتب ضمير المتكلم عندما يتحدّث عن الشخصيات الثانوية وهي تشرح عن نفسها وما يدور في داخلها من أفكار ومشاعر. وخلال هذه الحكايات، يكشف الكاتب عن كثير من الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعيّة في البادية والرّيف شمالي الأردن، بعاداتها وتقاليدها، ومعاملتها للمرأة، وكذلك يتحدث عن الفترة التي وجد فيها الفدائيّون الفلسطينيّون شرقيّ النهر، وعلاقتهم مع المجتمع المحلّي، ثمّ التصادم معهم وإخراجهم من الأردن، وتجارة السّلاح وتهريبه عالميّا، وتوجيهه لكي يكون أداة دمار في يد كلّ يد آثمة. ويلمّح الكاتب إلى دور اليهود وحكومتهم في هذه التّجارة، وكذلك دور الحكومة الأردنية في غضّ الطرف عن تجّار السلاح، دورها فيما يسمونه الإرهاب: حيث تعتقل الشرطة عواد البّاز دون أن توجّه له تهمه ودون مبرّر، وتوفّر له فرصة التعرّف على الجناة الذين سيقومون لاحقا بتفجير الفنادق في عمّان، ثم يخرج ويتنقّل ويسافر وينقل الأسلحة وهو وغيره من التّجار دون حسيب ولا رقيب.
تبدأ الرواية مشوّقة بلغتها السرديّة السهلة التي تتماهى مع اللهجة المحكيّة، ورواتها الذين يتحدّثون بصراحة عمّا يدور حولهم، في مجتمع قبليّ يتسلّط فيه القوي على الضعيف، فنرى فيه المرأة القويّة مثل مليحة الأحمد وتشدّنا حكايتها، والمرأة المتسلطة مثل عصريّة، والمرأة المظلومة مثل الذلول، وينشأ من هذه البيئة عواد البّاز يستهويه بريق السّلاح وسطوته، لينضم لمعسكرات الفدائيين من أجل تعزيز هذه السطوة، لا حبا لوطن ولا مدفوعا لتضحيات، ثمّ يستهويه لمعان الذهب وفتنة النساء الحسناوات، ليعيش حياة ملؤها الرذيلة والإسفاف، وليكون مثالا لتاجر أسلحة لا خلق له ولا دين، وهذا ديدن هذه التجارة التي تروّج أدوات القتل من أجل الفساد في الأرض والدّمار.
لكن، ليت الكاتب أكمل روايته كما استهلّها، فسرعان ما تحوّلت الرواية إلى لغة سردية مباشرة تحكي تفاصيل حياة عواد البّاز الشائنة، وأصبح الكاتب يتعمّد إقحام مشاهد جنسيّة في معرض حديثة عن شبق البّاز بالنّساء، ويكرّرها بشكل غير مبرّر، حتّى تحوّل شكل الرواية ومضمونها، وأصبحت كأنها منشور إباحيّ. كان يكفي أن يشير الكاتب إلى نزوات البّاز وأن يصف ما يقوم به؛ ليفهم القارئ أن هذا الشخص لا دين له ولا خلق، لكنّ الكاتب أصرّ على تكرار المشاهد الجنسيّة عينها وبنفس الطريقة وبنفس الكلمات المنفّرة، مرّة بعد مرّة وصفحة بعد صفحة، حتى أصبح القارئ متيقنا أن الكاتب يقصد كتابة هذه المشاهد لذاتها؛ خاصة وأنّها لم تأت لتخدم النّص، بل أُقحمت فيه، وكان من الممكن أن يُستغنى عنها بسهولة. فأصبحت قراءة هذا النصّ بحق تجربة غير مريحة، وأبعدت النصّ عن الهدف الذي كتب من أجله.
الشّخصيات في الرّواية في معظمها شخصيات سلبيّة سيئة مُمْتَهَنة، خاصة المرأة: فصخر متسلّط ظالم، وعصريّة تتسلّط على الذلول وتستعبدها، والذلول ضعيفة سلبيّة لا تستطيع أن تنتزع أيّا من حقوقها وكذلك عائشة، وتاليا تبيع السّلاح لكنّها تبيع جسدها دون مبرّر، وكذلك بقيّة الشخصيات النّسائيّة، فهي شخصيات شهوانيّة يقودهنّ شبقهنّ ليصبحن كبائعات الهوى، يرخصن أنفسهنّ ويمنحن أجسادهن للباز ليشبع شهواته ونزواته وساديّته، بدءا من أم فراس ونهاية بمنال. أرى أنّ في هذا امتهان للمرأة وتقزيم لها، وتصويرها بصورة منفّرة بعيدا عن دورها كأمّ وكإنسانة ذات كرامة.
ثمّ يُلبس الكاتب عواد البّاز لباس التقوى والدّين حين يطلق لحيته ويداوم المكوث في المسجد، فينخدع به النّاس ويتقرّبون منه ويلتمسون بركاته، ويقدمه الإمام للصلاة مع أنه لا يجيد إلا القليل من سور القرآن الكريم! كل ذلك في قريته، الخربة، التي نشأ فيها سارقا متسلطا على أبنائها، ثمّ قتل أمّه فيها في وضح النّهار. وهل ذاكرة النّاس قصيرة إلى هذه الدرجة لكي ينسوا أفعاله الدنيئة بمجرد التظاهر بالتّدين؟ وهل كان ضروريا أن يتظاهر البّاز بالتّدين؟ لم يكن دور البّاز أن يخدع النّاس، ولا كان ذلك ضروريّا لتجارة الأسلحة، فقد حضر إليه أولئك الذين قاموا بالتفجيرات واشتروا منه الأسلحة في سجنه قبل أن يتظاهر بالتديّن. لم يكن تظاهره بالتديّن مبرّرا، ولا ضروريّا، فلماذا أقحمه الكاتب في نصّ روايته؟
تناول الكاتب موضوعا في غاية الأهميّة، ألا وهو شبكات تهريب السّلاح وعلاقتها بالأعمال الإرهابية التي تحدث حول العالم، لكنّه لم يعط هذا الموضوع حقه، وبقي القارئ يجهل الكثير عن هذه الشبكات وعملها، ولم يخرج بصورة واضحة عنها عند انتهاء الرّواية، لذلك أعتقد أنّ هذا العمل لم يكن كاملا، وأنّ الكاتب لم يشبع الموضوع بحثا ولا استغرق فيه وصفا، فكانت الرّواية مبتورة، تبدأ بتشويق القارئ لموضوع شائك فيه مجال كبير للخيال والإبداع، وفيه كمّ كبير من المعلومات، ليجد القارئ نفسه يدور في حلقة مفرغة مع نزوات البّاز وعقده الجنسيّة.