فيما يُقالُ عنه خلافة.. أدعو إلى مراجعة كل شيء باستثناء القرآن
الدكتور خضر محجز | مفكّر فلسطيني
1ـ عندما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشاور الصحابة فاختاروا أحدهم خليفة.
2ـ وعندما توفي أبو بكرـ رضي الله عنه ـ اتبعوا وصيته في اختيار الخليفة. فأصبحت لنا تجربتان دنيويتان في اختيار الحاكم، ليست أيهما من السماء.
3ـ فلما توفي عمر ـ رضي الله عنه ـ وقعت الشورى بين ستة نفر. ثم استقرت بعد التمحيص في عثمان ـ رضي الله عنه ـ فأصبحت لنا تجربة رابعة في اختيار الحاكم، ولم تكن إلا دنيوية كذلك.
4ـ فلما قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ اختلف الناس في من يكون خليفة، ثم استقر أمر الأغلبية، على علي أبي طالب ـ عليه السلام ـ فكانت هذه تجربة رابعة ودنيوية كذلك، لأن خلافة علي لم يتح لها اتفاق واسع كالذي حدث لأبي بكر.
إلى هنا كان من الممكن لفقهاء السياسة المحافظين أن يقرروا أن شكل الحكم (الذي يقولون عنه إسلامياً) محصور في أربعة أشكال.
5ـ لكن دخول معاوية على الخط، وانتهابه السلطة بالسيف والغدر والطغيان والبغي، ثم تسلطه على أهل الفقه في زمانه، جعل الفقهاء يضيفون شكلا خامسا للسلطة (الإسلامية)، هو شكل المغالبة الواجبة الخضوع والطاعة.
إذن فقد أصبح لدينا خمسة أشكال لما يسمونه (حكما إسلامياَ).
6ـ ثم أورثنا معاوية ابنه ـ كما لو كنا متاعاً ـ فحكمنا بالقوة وسلطة الوراثة، مستمدا هذا الشكل من دولة القياصرة. فأفتى الفقهاء من ثم بأن طاعة يزيد واجبة ولو جلد ظهورنا. فأصبح لدينا شكل، سادس للحكم هو الحكم الملكي بالوراثة. وأفتى الفقهاء بأنه خلافة واجبة الاتباع.
7ـ ثم رفض عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ أن يبايع يزيداً، واستقل بالعراق ومصر والحجاز. ومات يزيد قبل أن يقضي على ابن الزبير. فوافقنا على أن حكم عبد الله بن الزبير هو خلافة واجبة الطاعة. وأفتى الفقهاء بذلك. وأصبح لدينا شكل سابع من أشكال الحكم في الدولة التي يقولون عنها إسلامية.
8ـ وثار الحسين ـ عليه السلام ـ ورفض أن يبايع يزيدا، وبايعه أهل العراق على الخلافة قبل أن يغدروه. فأصبح لدينا شكل ثامن من أشكال الحكم في الدولة التي يقولون عنها إسلامية.
9ـ ثم مات يزيد، وتنازل ابنه معاوية الثاني عن حقه في وراثة الحكم. فلم يبق هناك حاكم إلا عبد الله بن الزبير. فقرر العلماء أنه أصبح واجب الاتباع. وأصبح لدينا من ثم شكل تاسع من أشكال الحكم في الدولة التي يقولون عنها إسلامية.
10ـ ثم خرج مروان بن الحكم على عبد الله بن الزبير، وشق عليه عصا الطاعة، وأعادها حربا جاهلية مات فيهها مئات الآلاف. فأفتى الفقهاء بأنه من الخوارج. وأن خلافته غير صحيحة، لأنه خرج على ولي الأمر ـ عبد الله بن الزبير ـ ثم تمكن مروان من الانفراد بالسلطة في بلاد الشام ومصر، فأفتى له الفقهاء بأنه الخليفة، وأن طاعته واجبة (على الأقل فيما هو تحت يده) فأصبح لدينا شكل عاشر من أشكال الحكم الذي يسمونه حكما إسلامياً.
11ـ ثم مات مروان قبل أن يتمكن من قتل ابن الزبير، فتولى الحكم من بعده ابنه عبد الملك، فقاتل ابن الزبير حتى قتله. واستقر له المنصب. فقال الفقهاء بأنه خليفة واجب الاتباع والطاعة، وإن جلد ظهورنا وأكل مالنا. ونسوا انهم كانوا قد بايعوا ابن الزبير من قبل. فأصبح لدينا شكل حادي عشر من أشكال الحكم، الدنيوية التي يصرون على أنها إسلامية.
12ـ ثم ذهبت الدولة الأموية وسقطت تحت وطأة سيوف العباسيين، مقررة بذلك جواز نهب السلطة بالسيف ـ كما فعل أبناء عمومتهم الأمويون من قبل ـ فترسخ حكم الغلبة وسلطة القوة في الدولة التي يقولون عنها إسلامية.
وفي عهد العباسيين فقط بدأ تدوين الكتب. أي بدأ تدوين ما استقر من الأحداث والنصوص: فكتب فقهاء السياسة كل ما مضى، على أنها أشكال مقبولة من الحكم في الدولة، التي يقولون عنها إسلامية.
ثم استمرت السلطة في الدولة الإسلامية نهبا للصوص والمغامرين وقطاع الطرق، الذين يفتي الفقهاء ـ في أول الأمر ـ بأنهم خوارج حتى إذا ما تغلبوا على السلطة بالسيف قالوا عنهم حكاما واجبي الطاعة، ويحرم الخروج عليهم!..
ما المعنى من ذلك؟
أقرر الاستنتاجات الآتية:
1ـ الفقهاء كانوا خدما للسلطة ـ طمعا او خوفاً ـ لذا فإن ما أتانا من قبلهم، يحتاج إلى مراجعة شاملة.
2ـ لقد توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وترك لنا أن نتصرف في أمور الحكم، بما نراه يصلحنا ويصلح ديننا. فالخلافة ليست دينا، بل هي شكل من أشكال يتفق عليها الناس فيقبلونها أو يرفضونها جملة وتفصيلا.
3ـ وهذا يعني أن لنا أن نختار اليوم الشكل الذي يكفل حماية مصلحتنا، بعيدا عما قرره فقهاء الطغيان.
4ـ لقد كان هؤلاء الحكام ـ في غالبهم ـ لصوصا وقطاع طرق، إلا من رحم الله من الخلفاء الراشدين، والثوار من أهل البيت، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا قلة قليلة.
5ـ إن إنجازات الحكام في الفتوحات كانت مجرد إنجازات شخصية، لتوسيع الملك، لا لنصرة الدين. ودليل ذلك أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أوقف الفتح والتفت إلى شؤون العدالة الاجتماعية.
6ـ ولو كانت الفتوحات لنشر الدين، إذن لحرر الملوك (الإسلاميون) العبيد بدل أن يتوسعوا في استرقاق الناس. فهم قد علموا مبكراً ان دين محمد يدعو إلى التحرير. وما كان لنا أن ننتظر حتى تصدر أوروبا قوانين وتشريعات تحرر العبيد.
إن تجارة العبيد في دولة الحكام المسلمين عار لا يمكن إنكاره.
هكذا أقرأ التاريخ..
وهكذا أدعو إلى مراجعة كل شيء.. كل شيء باستثناء القرآن
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد