تاريخ

الآبار والعيون في دولة قطر.. تاريخها وعمارتها

د. محمود رمضان
خبير الآثار والعمارة الإسلامية

المياه هي سر الحياة فبدون المياه تنعدم الحياة على كوكب الأرض، لذلك ارتبطت المياه بنشوء الحضارات واِستقرار الإنسان، ومن ثم بناء مجتمعاته البشرية. وقد حث الإسلام على تنمية موارد الماء فعن أنس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه : من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا ، أو غرس نخلًا ، أو بنى مسجدًا ، أو ورَّثَ مصحفًا ، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه؛ فكان حفر البئر وإكراء النهر من الأعمال التي يُؤْجَر عليها المرء بعد موته.، وقد كانت المياه للعرب الذين خبروا جدب الصحراء نعمة لمن يوفرها للناس ومكرمة تغني بها الشعراء.
في الخليج العربي تكاد المياه العذبة تنعدم، ولولا دأب الإنسان وحاجته الماسة من أجل التغلب على مشكلة ندرة المياه لأنعدمت الحياة في المنطقة، لقد عمل الإنسان العربي منذ آلاف السنين على التعايش مع تلك الظروف البيئية القاسية في منطقة، وبحث عن المياه سر الحياة، حفر الآبار وشق الأفلاج (نوع من القنوات المائية) واستغل فكره في توفير المياه اللازمة لتأسيس مجتمعاته وتطويرها أيضاً.


كانت هناك العديد من مصادر المياه في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية لعل أهمها الآبار والعيون؛ وكلا المصدرين يختلف عن الآخر، فالعين هي ينبوع الماء الذي يتفجر من الأرض ويخرج منها، أي أنه مصدر طبيعي، في حين أن البئر عمل هندسي اِصطناعي من عمل الإنسان، حيث يتم حفره في التربة لاِستخراج المياه منه.
وقد عمل الإنسان في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية على الاستفادة من تلك المصادر، وكانت الأفلاج واحدة من نوع من النظم المائية التي ساهمت في توفير المياه لسكان منطقة الخليج العربي، والفلج هو شق في الأرض لتوصيل المياه من موضع إلى آخر، وهي مرادفة لكلمة قناة، وقد يكون موجودًا في باطن الأرض لامتصاص المخزون المائي وتجميعه واِخراجه إلى السطح أو مشقوقة في سطح الأرض ليجري بها الماء من مكان إلى آخر؛ وعرف منها عدة أنواع مثل الأفلاج الغيلية وهي نوع من القنوات السطحية، والأفلاج العينية التي يكون مصدر مياها الآبار والعيون، والأفلاج الداووية التي تستمد مياهها من سفوح الجبال.
لقد تعددت سبل توفير المياه في المناطق المختلفة من الخليج العربي عبر العصور، فاستغلت المياه الساقطة على جبال عُمان من جانب السكان وتم جمعها، وحفرت الأفلاج التي تنقل المياه من الآبار والعيون لتوصيلها إلى المجتمعات السكنية.
كذلك في المنطقة التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة التي انتقلت إليها فكرة الأفلاج منذ القدم فكشفت الاكتشافات الأثرية الحديثة عن الكثير من الأفلاج القديمة في مواقع هيلي بإمارة أبوظبي والتي تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة ماضية، حيث وضع الإنسان العربي الذي استقر في تلك المنطقة نظام هندسي وإداري لإقامة الأفلاج وتوصيل المياه إلى المجتمعات السكنية في المنطقة وإدارة توزيع المياه فيها، وكانت المياه في تلك المنطقة تجلب من الآبار والعيون عبر قنوات مغطاة للحفاظ على المياه من التبخر في تلك البيئة القاحلة.


أما في بلاد البحرين فقد تميزت منذ القدم بوفرة المياه العذبة فيها؛ نظرًا لكثرة العيون بها التي بلغت 153 عينًا منها 47 عين تتدفق منها المياه، خاصة البحرية منها مثل عين بوماهر بالقرب من مدينة المحرق، وعين مهزة في سترة، وعين قصاري، وعين عذاري بمنطقة عذاري، وعين عبدان في سترة، وعين صغرى في سند، وعين السفاحية في النبيه صالح، وغيرها، كما شهد القرن العشرين حفر عشرات الآبار الارتوازية في البحرين من قبل شركات استخراج النفط في المنطقة مما ساهم في زيادة الموارد المائية في البحرين.، في حين أن المنطقة التاريخية لدولة الكويت قد قام سكانها بجلب المياه من منطقة شط العربي القريبة عبر سفنهم المختلفة.

الآبار والعيون في قطر :
أما في دولة قطر فقد تميز مناخها بندرة سقوط الأمطار ليس كما في عُمان أو بقربها من مصدر مائي متجدد كما في الكويت، أو بقرب المياه الجوفية من سطح الأرض كما في منطقة العين في أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة لذلك كانت الحياة أصعب وثابر الإنسان القطري عبر العصور على التغلب على بيئته القاحلة فحفر عشرات من الآبار في كافة أراضي الدولة، كمحاولة منه للتغلب على صعوبة الحياة في منطقته.
وقد اتيحت ليّ الفرصة العلمية لمعاينة ورصد مجموعة كبيرة من العمارة الدفاعية الإسلامية في دولة قطر، ومنها المدن المحصنة والحصون والقلاع والأبراج الباقية والمندرسة، بالإضافة إلى مواقع الآبار والعيون المهمة في قطر منذ نهاية عام 2003م، وذلك عند التخطيط لإعداد رسالتي للدكتوراه بعنوان : السمات المعمارية العامة للعمارة الدفاعية الإسلامية في دولة قطر ، وقد مُنحت بهذه الأطروحة درجة الدكتوراه في الآثار والعمارة الإسلامية بمرتبة الشرف الأولى من كلية الآثار جامعة القاهرة مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة وتبادلها مع الجامعات الأخرى وذلك بتاريخ يوم السبت الموافق 10 ديسمبر 2005 م، وهي أول واقدم أطروحة دكتوراه عن الآثار والعمارة الإسلامية في دولة قطر والوحيدة في الجامعات المحلية في قطر والخليج وشبه الجزيرة العربية ومصر والعالم في هذا التخصص حتى الآن.

وكانت المعاينات العلمية الدقيقة للمواقع الأثرية في دولة قطر التي تمت بمرافقة كريمة من زملائي المحترمين وأشقائي العلماء الأجلاء في إدارة الآثار والمتاحف في قطر سابقاً ( هيئة متاحف قطر حالياً) وحتى الآن، وذلك لمعاينة مواقع الآثار والعمارة الإسلامية في قطر بصفة خاصة، وتلك المواقع الأثرية والتاريخية في الدولة بشكل عام، فلهم مني كل تقدير واحترام كاملين، حيث كُنت قد عُينت خبيراً للآثار بها في تلك الفترة المهمة من مراحل العمل والبحث العلمي الاكاديمي أيضاً، وقمت بمعاينة مواقع الآثار والعمارة والآبار والعيون في قطر معاينة علمية ورصدها وتصويرها والوقوف على الهندسة المعمارية والتصميم وكيفية تنفيذها أو آليات بناءها أيضاً. وكذلك دراسة مصادر المياه والتغذية الخاصة بالآبار والعيون مع التركيز على الأثر الحضاري لها وعلى الاستقرار والزراعة والرعي والعمران في المناطق التي وجدت فيها الآبار والعيون في قطر ، وهذا جانب من مشاهداتي لبعض من هذه الآبار والعيون، وهي كما يلي :-
– بئر أم الشويل
– بئر فريحة
– بئر حلوان
– بئر يغبي
– بئر مروب
– بئر الركيات
– بئر لحصين
– بئر مليحة
– عين أم برشوم – منطقة الوعب جنوب الرويس
– عين محمد
– عين سدرية مكين
– عين حليتان (البرج الغربي في مدينة الخور)
هذا وتولي دولة قطر والجهات المعنية اهتماماً كبيراً وجهوداً علمية مسؤولة ورعاية مهمة مخلصة من أجل الحفاظ على الآبار والعيون في قطر وصيانتها، حيث تتبنى مشروعاً طموحاً لتنفيذ برامج الحفاظ والصيانة تلك مع إعادة تشغيل وتوظيف مجموعة مهمة من الآبار والعيون في الدولة وإعادة دورها الوظيفي والحضاري أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى