مفهوم البرلمان وأهمية وجوده ووظائفه
د. حنا عيسى | أستاذ القانون الدولي – فلسطين
هل يمكن قراءة المستقبل في وجوه صبية يمشون في جنازة؟
إذا تمكنت من قراءة مادة مكتوبة دون جهد يذكر، فهذا معناه أنه تم بذل جهد كبير عند كتابة هذه المادة
“إعطاء الناس حقوقهم لا يتطلب منا أي تنازلات.. واحترام الأفراد لا يتطلب مالا حتى.. وإعطاء الناس الحرية لا يتطلب صفة سياسية.. والتخلص من القمع لا يحتاج إلى استبيانات. لهذا السبب أو ذاك، يسمح للمظلومين كل بضع سنوات، بأن يختاروا نواب عنهم من الطبقة التي تضهدهم، ليمثلوهم وهم يقمعونهم”
مقدمة
يعتبر بعض فقهاء القانون إن البرلمان هو تعبير عن أسلوب لمشاركة المواطنين في الحياة السياسية، ويعتبره البعض الآخر مؤسسة هامة من مؤسسات المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على حرية المشاركة السياسية والتعددية الحزبية. وفى الحقيقة، فإن كلا المعنيين يكمل الآخر، ولكنهما غير متلازمين. فمشاركة المواطنين في الحياة السياسية قد تأخذ صورا متعددة، حسب الظروف الثقافية والتقاليد الاجتماعية وطبيعة الدولة. وبرغم أن أهم وأحدث صور تلك المشاركة هي اختيار المواطنين مجموعة من النواب الذين يمثلونهم ويعبرون عن آرائهم، أي تكوين البرلمانات المنتخبة، إلا أن بعض المجتمعات قد تستعيض عن ذلك بأساليب أخرى لذلك فتعمد الى تشكيل مجالس استشارية تضم مجموعة من القيادات الاجتماعية والرموز والشخصيات العامة بغرض التشاور في شؤون الحكم.
مفهوم البرلمان
البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب هو هيئة تشريعية تمثل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات.
ويتكون من مجموعة من الأفراد يطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين. ويكون التحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية. ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين في الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر.
ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية.
ويطلق على البرلمان تسميات مختلفة حسب كل دولة مثل “مجلس النواب” – “المجلس التشريعي” – “مجلس الشعب” – “مجلس الأمة” أو الجمعية الوطنية، أو “المؤتمر العام الوطني”
والبرلمان له ثلاث مهام هي التشريع والرقابة على أعمال الحكومة وتمثيل الشعب أمام الحكومة.
أهمية وجود البرلمان
تشير المراجعة التاريخية الى تنوع الدوافع التي كانت وراء نشأة البرلمان وتطوره في مناطق العالم المختلفة. وقد أصبحت تلك الدوافع في مجملها أساسا للوظائف التي تمارسها البرلمانات، وهي التمثيل، أو النيابة عن الشعب، وبناء الدولة القومية، وتسوية الخلافات بين الفئات والقوى الاجتماعية بالطرق السلمية وعن طريق مبدأ حكم الأغلبية. ففي الكثير من الدول الغربية، ظهر البرلمان في إطار تحولات اجتماعية واقتصادية واسعة، ثم تدعَّم دوره مع ظهور طبقة وسطى مؤثرة إبان الانتقال الى فترة الثورة الصناعية. وفي تلك المرحلة كان الدافع الرئيسي وراء تأسيس البرلمان هو تمثيل تلك الفئات والقوى الناشئة، بما يسمح لها بالتأثير في الحياة السياسية. ومع انتشار أفكار السيادة الشعبية والمواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، واستحالة مشاركة كافة المواطنين فعليا في الحكم، أصبح دور البرلمان هو تمثيل مختلف فئات الشعب، وممارسة تلك السيادة، التي تمثلت في وضع القوانين أساسا. ومع تطور أفكار الحرية السياسية وظهور الأحزاب وتعددها، أصبح البرلمان هو الساحة التي تتنافس فيها تلك الأحزاب والتيارات السياسية، وتسعى للوصول الى الأغلبية، وبالتالي تشكيل الحكومة.
أما في الدول النامية، فقد كان هناك دافع إضافي لتأسيس البرلمانات، وهو بناء الدولة القومية، وتأكيد الهوية الوطنية المشتركة لأبناء الدولة الواحدة. فبعد التحرر من الاستعمار، واجهت معظم تلك الدول تحديات عديدة، أبرزها طبيعة الحدود السياسية التي اصطنعتها الدول الاستعمارية قبل رحيلها، فقسمت هذه المجتمعات الى وحدات متقاطعة ومتداخلة في آن واحد، وجعلت أبناء القومية الواحدة موزعين في عدة دول، وأصبح على هذه الدول حديثة الاستقلال تأكيد هويتها المشتركة، للحفاظ على تماسكها ومواصلة مسيرة نموها الشاقة. وكان لابد من إنشاء مؤسسات سياسية تجسد تلك الوحدة الوطنية، وتعبر عن الهوية المشتركة، وكان البرلمان من أهمها، لأنه الهيئة التي يمكن أن تكون معبرة عن مختلف الجماعات والأقاليم والفئات التي تنتمي الى نفس الدولة، وبالتالي فهي المؤهلة لإيجاد أرضية مشتركة بينهم، وبلورة مشاعر ومصالح وطنية تجمعهم. فكان تأسيس البرلمان خطوة أساسية لبناء الدولة القومية، والحفاظ على تماسكها، سواء من الانقسامات الداخلية والحركات الانفصالية، أو في مواجهة القوى الاستعمارية ذاتها. ومن ناحية ثالثة، نجد أن الدافع وراء تأسيس البرلمان في بعض الدول قد يكون، بالإضافة الى ما سبق، هو تحقيق الاستقرار الاجتماعي بمعناه الشامل. فهناك دول شديدة التعدد من النواحي العرقية والطائفية اللغوية والدينية والثقافية، وتكون في حاجة ماسة الى وسائل تقلل من فرص الصراع بين المواطنين ذوي الانتماءات المختلفة، من أجل تحويل تلك التعددية الى مصدر ثراء وقوة. واليوم، فإن تأسيس البرلمانات أصبح ركنا جوهريا في الحياة الديمقراطية، ومرحلة لازمة في عملية التحول الديمقراطي، وأصبح تطوير العمل البرلماني مدخلا للإصلاح السياسي ككل. أكثر من هذا، فإن التحول الاقتصادي والاتجاه الى نظام السوق الحرة قد جعل من الضروري تحقيق تطور مواكب في الحياة السياسية، الذي يبدأ من احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، وخصوصا حرية المشاركة السياسية والتعددية الحزبية، وينتهي بتشكيل حكومات نيابية، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. وهذه كلها أمور تصب في صميم العمل البرلماني.
وظــــائــف الـبـرلــمــان
تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح في مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك تبعا لمدى التطور الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرات أعضائه. وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها في صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذي تقوم به في مواجهة السلطة التنفيذية. اما أبرز الوظائف فهي:
الوظيفة التشريعية
تعد هذه الوظيفة من أهم وظائف البرلمانات، تاريخيا وسياسيا. فمن الناحية التاريخية، تجسدت قيم الديمقراطية في إنشاء نظام للحكم يعتمد على تمثيل الشعب، وتحقيق حرية المشاركة والمساواة بين المواطنين، وارتكز هذا النظام على وجود هيئة تقوم بدور النيابة عن هذا الشعب في تقرير أمور حياته. وبلا شك، فإن أهم أمور تنظيم حياة المجتمع هي وضع القواعد الطي يجب أن تسير عليها الكافة من أجل حماية قيم الحرية والمساواة. ولهذا، فإن دور البرلمان الأول أصبح هو وضع تلك القواعد، أي القوانين. واليوم، تعتبر وظيفة التشريع أبرز ما يقوم به البرلمان، حتى أن التسمية المرادفة للبرلمان في مختلف الثقافات المعاصرة هي المؤسسة أو السلطة التشريعية. وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها في هيئة مشروعات تأتي غالبا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفي دور البرلمان في مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة. ومن المهم معرفة أن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع، وإنما القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التي يجسدها المشرع في صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. فالتشريع يأتي تاليا لوضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة، ولا يتم في فراغ، ومن هنا، نستطيع التحدث عن سياسة تشريعية. والذي يعبر عن تلك السياسة التشريعية هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها. ومن المهم، أيضا، معرفة نطاق الوظيفة التشريعية التي يمارسها البرلمان في إصدار القوانين. فالقاعدة العامة أن الإطار القانوني له مكونات عديدة، على رأسها الدستور، ثم القوانين، واللوائح التنفيذية، والقرارات الوزارية والتعليمات الإدارية، بالإضافة الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي توقع عليها الدولة. فبالنسبة للدستور، فمرجعه الأصلي هو الشعب، لأن الدستور أعلى مرتبة من القوانين، وهو الذي يعبر عن القيم الأساسية للمجتمع وطبيعة نظام الحكم ككل، وبالتالي لابد أن يكون للشعب الرأي المباشر فيه. أما دور البرلمان فيتمثل في مناقشة تعديل الدستور. وبالنسبة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن السلطة التنفيذية هي التي توقع عليها، لأنها المتحدث باسم الدولة أمام العالم الخارجي، ويكون دور البرلمان هو الموافقة على تلك الاتفاقيات والمعاهدات قبل التوقيع عليها نهائيا، أو التصديق عليها بعد التوقيع فعلا. وسلطة تصديق البرلمان على المعاهدات تجعله فاعلا ومؤثرا في ترسيم حدود النشاط الدبلوماسي للحكومة، وخصوصا المعاهدات التي تؤثر على سيادة الدولة أو موارد المجتمع، مثل معاهدات التحالف أو التجارة أو القروض الكبيرة أو تعديل الحدود أو أراضي الدولة.
ومن هنا، تنصرف الوظيفة التشريعية للبرلمان الى وضع القوانين أساسا. وهذه الوظيفة هي التي تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة ولأنه الذي يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضروري موافقته على كل المشروعات والقوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية. أضف الى ذلك أن تنفيذ سياسة الوزارة يتوقف عادة على ثقة البرلمان، وأن القوانين هي التي تحدد مجالات النشاط الحكومي. كما أن مبدأ الشرعية يقيد قدرة السلطة التنفيذية على تعديل هذه القوانين من تلقاء نفســها، وإن كانت تستطــيع – فقط – أن تحدد تطبيقها. كذلك، فإن السلطة القضائية لا تطبق إلا القوانين التي تقرها السلطة التشريعية.
سلطة الرقابة
هناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذلك الإرادة الشعبية للمواطنين. الأولى هي الرقابة من البرلمان على الحكومة، والثانية من الحكومة على البرلمان، والثالثة من الرأي العام على البرلمان. أما النوع الأول من الرقابة، فهي التي يمارسها البرلمان على الحكومة. وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث هو المسؤول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة. ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن في القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب الى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالي ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذي هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسي. ولهذا، فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالرقابة البرلمانية وسيلة لحماية مصلحة الشعب، ومنع الانحراف، والالتزام بالسياسية التنموية التي وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التي أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الهدر. ويعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها الى الطريق الصحيح إذا انحرفت. ومن ناحية ثانية، فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع في الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ الى حل البرلمان وفقا لحالات محددة. وفى هذه الحالة تطلب الحكومة من رئيس الدولة حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة، تسمى انتخابات مبكرة، فإذا اختار الناخبون نفس أعضاء البرلمان تقريبا كان معنى هذا أنهم يؤيدون البرلمان ضد الحكومة، فيجب على الحكومة أن تستقيل، أما إذا انتخب الناخبون برلمانا مختلفا، فمعنى هذا أنهم يؤيدون موقف الحكومة، فتستمر في العمل. وهناك صورة ثالثة للرقابة، وهي التي يمارسها الرأي العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية أو تكون دائمة. فالأولى تتم عند تشكيل البرلمان، وتتمثل في موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التي يمارسها الرأي العام على البرلمان. أما الرقابة الدائمة فتتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل، وهي نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان. وفى الحقيقة، فإن الصورة الأولى للرقابة، أي من البرلمان على الحكومة، تعتبر مقياسا هاما لكفاءة البرمان ومؤشرا عـلى درجة الديمقراطية في المجتمع.
فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة، وتأييدها إن أصابت وحسابها إن أخطأت. وتتنوع صور العلاقة الرقابية بين البرلمان والسلطة التنفيذية في النظم الديمقراطية، ففي بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس الوزراء او قيام الاكثرية النيابية بتسميته وبالتالي يستطيع عزله (أي سحب الثقة منه)، وفي البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال في النظام الأمريكي. ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونغرس الأمريكي، والنظم الرئاسية والتي تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلطات عموما، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية. ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومي وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم. ويعود الثقل في الوظيفة الرقابية في نظر المجتمع وأعضاء البرلمان الى عدد من الأمور التي أملتها التطورات السياسية، وأهمها:
– هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة، فهي مصدر معظم التشريعات، وهي التي تمتلك القدرة على التنفيذ، وهي المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة.
– أن التوازنات السياسية والحزبية في البرلمان قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة، لاسيما في ظل وجود تكتل أو أغلبية حزبية كبيرة مؤيدة للحكومة، وبالتالي تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير في السلطة التنفيذية.
الوظيفة المالية
حصلت البرلمانات على سلطتها المالية عبر مرحلة صراع طويل مع الحكومة منذ القرن التاسع عشر، حتى أصبحت تلك السلطة من أهم مصادر قوتها في مواجهة الحكومة. وتتمثل السلطة المالية للبرلمان في دراسة حجم نفقات الدولة التي تقدمها الحكومة في مشروع الموازنة، واتخاذ الوسائل الضرورية لتغطية العجز المالي في الميزانية ان وجد سواء عن طريق الضرائب أو طرق أخرى.
صنع وإقرار السياسة العامة
مع تضخم دور السلطة التنفيذية في ظل التقدم الصناعي وتزاحم العمل الحكومي، بحيث أصبحت الإدارات التنفيذية أكثر انشغالا وتعقيدا في مهام الحياة اليومية وتفصيلات الأداء الإداري، برز دور البرلمان في التأثير على السياسة العامة، نظرا لما يتمتع به من قدرة على التعبير عن المطالب الشعبية وأولويات الرأي العام.
التأثير في الرأي العام
ارتبطت مسيرة التطور السياسي ونمو الاتجاهات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم بدور البرلمان، حيث كان نقطة الانطلاق لأفكار الحرية والمساواة والمشاركة السياسية الشعبية في الحكم. كما أن البرلمان كان منبع الحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال في الدول النامية خلال الفترة الاستعمارية، منذ أوائل القرن العشرين. كذلك، فإن البرلمانات تساهم في تشكيل الرأي العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول النظام السياسي، وأداء أجهزة الدولة. وباعتبارها هياكل نيابية، فإن البرلمانات لديها الفرصة في التأثير على مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية المتباينة داخل الدولة، والتأثير بالتالي في الرأي العام ككل. كما يعد البرلمان مكانا لعقد المناقشات الدائمة بين المواطنين الذي يعبر عنهم والحكومة أي يعد منبرا يعبر عن الاتفاق والاختلاف، وكثيرا ما تبث وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية هذه المناقشات. ولا يقتصر تأثير البرلمان في الرأي العام على النطاق الداخلي وإنما قد يمتد الى النطاق الخارجي، فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية، التي أصبحت إحدى العلامات البارزة في العلاقات الدولية المعاصرة، واستطاعت أن تشكل قنوات تأثير على الرأي العام الدولي. وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بالمرونة والحركية، فهي لا تتم بين أشخاص رسميين يعبرون عن وجهة نظر جامدة للدولة، أو يحملون أوراق تفويض في مسائل معينة، وإنما بين أحزاب وقوى سياسية متباينة في برامجها وأهدافها في داخل دولها، بغض النظر عن كون هذه الأحزاب في الحكم أم لا.
المصادر والمراجع
البرلمان: النشأة والخصائص الشكل والوظائف، د. خليل حسين، استاذ في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية، مدير الدراسات في مجلس النواب.
وبيكيديا، الموسوعة الحرة، البرلمان.