الثورة في ديوان ’’ الفجر الجديد ’’ للشاعر محمد إبراهيم شلتوت
طارق عبد الفضيل | شاعر وناقد مصري
كتب محمد إبراهيم شلتوت – المولود في 1918 م – مقدمة لديوانه “الفجر الجديد” الذي أعده للطباعة لكنه لم يطبعه، واستطعنا الحصول على نسخة بخط يده، كتب: “طلب مني الكثير من إخواني أن أجمع ما تناثر من أشعاري في الصحف والمجلات بين ضفتي ديوان متواضع ولما كان هذا القدر كبيرا إذ يرجع تاريخه إلى الأربعينات.. فقد اخترت بعضه.. ليكون في متناول الجميع … وسميته (الفجر الجديد) تيمنا بالعهد الجديد .. الذي طلع فجره على الوادي الحبيب.. فبدد ليله المظلم .. وأنار الطريق الذي يفيض بالحب …. ويزخر بالأمل “.
والعهد الجديد الذي يقصده شلتوت هو عهد الثورة ؛ ثورة الثالث والعشرين من يوليو ، فهو ينتمي إلى جيلها . ويتكون “الفجر الجديد” من واحد وخمسين قصيدة قسمها على عادة شعراء جيله إلى أقسام ، الأول : قسم : إسلاميات و يشمل سبع قصائد، والثاني ” وطنيات ” ويشمل اثنا عشر قصيدة غير أنه لم يسمه . ربما سهوا . لكن تأتي في مقدمته صفحة فارغة تشي ببداية قسم جديد ثم تتوالى بعدها القصائد الوطنية / الثورية . وقد يكون تعمد ضم الوطنيات إلى الإسلاميات باعتبارها جزءا منها .
القسم الثالث : اجتماعيات ويضم اثنين وثلاثين قصيدة .
ومحمد ابراهيم شلتوت كما كتب عنه سعد السيد زين الدين في الصفحة الأخيرة من الديوان الخطي تحت عنوان ” لمسة وفاء وتقدير للشاعر الكبير محمد إبراهيم شلتوت” الذي منحته القدرة يراعا تغنت بأدبه الأجيال على مدى أربعين عاما. أجل لقد عرفناه شاعرا من طراز حديث طاوعه بنانه فانساب شعره في جداول تتهادى على شفتي قيثارة : هفت الخمائل لعبيرها : والبلابل لشدوها … ولست أغالي فيما أقول فمن قصائد ديوانه المتواضع ” الفجر الجديد ” ترى حِكما كالدرر، مزدانة بأدب رائع وأسلوب أخاذ وقافية غزيرة سهلة . فتزود عزيزي القاريء من هذا الشعر البديع الذي صاغته عبقرية فنان تربى منذ نشأته على مائدة القرآن الكريم في قريته الصغيرة ” ديمشلت ” محافظة الدقهلية ، ونما في أحضان الأزهر الشريف ، وترعرع في كنف أبوة رحيمة وهبته الخير ومنحته الوفاء ، فبذل الجهد وشحذ الهمة وقدم لوطنه الحب والعطاء ” .
في قصيدته ” ذكرى الهجرة ” التي كتبها عام 1373 هـ حذف الشاعر عشرة أبيات في نهايتها ، هذه الأبيات نقف عندها ونبدأ منها. فبعد أن تحدث عن الهجرة النبوية انتقل إلى واقعه المعاصر في تلك المرحلة من تاريخ مصر فكتب :
يا سيد الخلق : ما زال الدخيل ، بنا
يُغرِي ، و يُغرَي به بالمال أغرار
في كل أرض له جيش و (قاعدة )
كذاك ( أسطوله ) في البحر موّار
وكل يوم له في البحر جلجلة
وكل يوم له في الجو (أطيار )
قد حالف الظلم …إن مر النسيم به
منا ، جرت بالدم الفوار أنهار
أو قال قائلنا قولا يخالفه
تراقصت بين كف السيف أعمار
هذي(العروبة ) في الآفاق …تلفحها
نار الدخيل .. وصرح الحق ينهار
فانهض بجندك ـ يا خيرالأ نام – فلم
يعد لهم بين هذا( السوق ) أسعار
وامنن عليهم بفيض منك يكلؤهم
فقد أطاح بهم للموت جبار
يا رب يا ناصر المستضعفين به
أدرك جنودك .. إن القوم قد جاروا
وارحم عيونا إلى نجواك شاخصة
فأنت للمذنب الحيران غفار ..!!
في هذه الأبيات يصرخ شلتوت ساخطا على الدخيل / الإنجليزي الذي طغا وتجبر و يستنصر خير الأنام – وقد كان يتحدث عن الهجرة – مما قد لا يستريح إليه الإسلاميون الذين يرون أن الخطاب هنا يجب أن يتوجه به الشاعر إلى الله ، لا إلى النبي . وقد يكون سبب حذف هذه الأبيات هو أن شلتوت رأى أنها تخرج عن موضوع القصيدة الأصلي وهو الهجرة . وهذه بداية مع شاعر عاش هموم وطنه المحتل وثار مع الثائرين على الظالم ( الدخيل ) .
وفي قصيدة ” كبش الفداء ” التي نشرت بمجلة الشبان المسلمين 1953م كتب شلتوت :
قلت : شيخ الخراف مهلا ، فكل
سوف يفنى ……والأمر للديان
غير أن الخلود .. لم يك يوما
لجبان أو محجم ..كسلان
فانعم اليوم بالفداء وأقدم
في ثبات بعزمة الشجعان
فعلى ظهرك الوثير سنمضي
في سلام وراحة للجنان
ولـَخير من الحياة فناء
في سبيل الخلود والرضوان
هنا في قصيدة رمزية، يدعو شلتوت إلى الموت في سبيل قضية ، والقضية بالطبع هى الموت في سبيل تحرير الوطن، في سبيل الخلود والرضوان، وفي ” ذكرى الحسين ” يقول شلتوت منتقدا تحويل معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلى ملك بالوراثة:
هل كان في كيد ( ابن هند ) غنية
لما ارتضاها لقمة لعياله ؟
وهذا ما نتوقعه من ثائر على الظلم ، ظلم الاحتلال وظلم الملكية ، إنه بالطبع واحد من ثوار الثالث والعشرين من يوليو الذين ثاروا على الاثنين . ومحمد ابراهيم شلتوت خيرممثل لأبناء جيله ، وشعره مرآة لشعراء جيله ، واقرأ معي رائعته ” حطم القيد ” التي نشرت بالأهرام في 5/ 8/ 1953م
حطم القيد إن أردت الخلودا
حسبك اليوم أن تموت شهيدا
حطم القيد ما إخالك إلا
عزمة حدها يفل الحديدا
زمن الذل والخنوع تولى
بالضحايا …. وليله لن يعودا
قد سئمنا الهوان في هذه الأر
ض وعفنا الحياة فيها عبيدا
هذه حماسة الثائر المنتصر ، الذي حطم قيده وتخلص من عبودية الاحتلال ، كما تخلص من عبودية الخنوع والضعف والهوان .
لقد غدا الحكم شورى :
هو الشعب إما رأى أو أمر
فسمعا لما قد رأى أو أمر
فلا مستبد بأشياعه
ولا مستبد بملك غبر
( فجر الجمهورية نشرت بالأهرام 5/ 7 / 1953م )
و في العيد الثاني عشر للثورة ، كتب شلتوت قصيدته التي نشرت بجريدة الأخبار:
حطمت قيدك في جموح ثائر
ورفعت رأسك بعد طيّ الجيد
وصحوت يا عملاق إفريقيا
وأنت معذب من بعد طول هجود
ولأنه واحد من جيل الثورة ، لأنه يمثل جيله خير تمثيل ، فقد انتصر شعره للعروبة والقومية العربية :
ومضت كتائبنا تذود عن الذي
نادى إلى التحرير غير بعيد
لنقول للدنيا : غدا لي مركز
ونقول فيهم : يا عروبة سودي
( العيد الثاني عشر للثورة 1964)
ولا ينسى شلتوت تاريخه المليء بالكفاح والنصر فيتذكر النصر في بدر
نحن الصناديد في (بدر ) لنا ذكر
يبلى الزمان ولا تبلى بأزمان
خرالقياصر من عليائهم فرقا
منا ، و( كسرى ) هوى في جوف إيوان
( دار بن لقمان نشرت في مجلة الرائد 1961)
ثم يتذكر الحملة الصليبية التي قام بها لويس التاسع :
دار بن لقمان هل كانت فوارسنا
يوم النزال سوى نار وبركان ؟
باسم المسيح أتونا فاتحين وهل
دعوى الغزاة سوى زور وبهتان
( دار بن لقمان )
ولا ينسى شلتوت أن يشير إلى التسامح الديني و وحدة المسلمين والمسيحيين في مواجهة الغزاة:
لكنهم ذهلوا إذ أبصروا نجبا
تحت (الأهلة ) و( الصلبان ) في آن
قد وحدتهم بساح الحرب معركة
فلم يروهم سوى صحب وإخوان
ونحن مهما ترونا في عقائدنا
فديننا من قديم دين أوطان
( دار بن لقمان1961
وأثمرت الثورة عدالة اجتماعية :
لم تكن دعوة هناك ولكن
ثورة تبتغي له إصلاحه
معدم الأمس أصبح اليوم للأرض
مليكا وعاد يجني كفاحه
( الفلاح الجديد نشرت بجريدة الجمهورية 14/ 9/ 1985)
والثائر المنتصر يحتفل دائما بانتصاره :
يأيها العيد الجديد تحية
من معقل الأحرار أقدس معبد
صلواته حرية يشدو بها
نغما بكل (كنيسة ) أو (مسجد )
( عيد النصر بجريدة الجمهورية 20 / 10/ 1987)
عبر محمد شلتوت عن هموم جيله ورؤيته للثورة التي عاصرها وآزرها وشكلت مكونا مهما من مكونات شخصية الجيل.