وسائل التواصل الاجتماعي: البنية والأثر

شيخة الفجرية | كاتبة عُمانية

بِمَ تُفكر؟
قد يبدو لك أنه مجرد سؤال ثابت على صفحة الفيسبوك، أريد له أن يلامس عفويتك، ليكون بمثابة سؤال اطمئنانٍ يصدر من محبٍ اعتاد القول: “كيف حالك؟ “، أو “ما هي أخبارك؟”، ثم تسترسل إلى السؤال: “ماذا سيحدث بعد قليل؟”، “ماهي قضية صباح الغد أو مساءه؟ ” ومن  هذا القبيل، وبالطبع ستجد نفسك ترد بذات العفوية التي اعتدت فيها التجاوب مع مثل هذه الأسئلة الاطمئنانية. وقد ترى أنه يمثل مزيجًا من فلسفات بين برجماتية تعطي” لأفكارك منافع للغير”، ورواقية تحرضك في أن تتحرر لتبث “عواطفك”، وفرويدية تفصح فيها بلحظات لذتك، وأبيقورية “تحرر نفسك” وتتخلص من آلامك بالبوح والاعترافات.
في الرؤيتين أنت إنسان “رقمي” أو “نتّي” أو “فيسبوكي”، وصفحة الفيسبوك تعمل _دون أن نشعر _ على استدرار معلوماتنا وأفكارنا، واستحضار ماضينا ويومياتنا، لتغدو مادة يتم تناقلها أو تجاهلها حسب أهميتها للطرف المستقبل، بينما لا يتم تجاهلها من قبل موظفي شركة الفيسبوك، فهي تعود علينا وعليهم على هيئة ذكريات وتحليلات وإن كانت عشوائية لشخصياتنا، كلما استدعى الأمر.
لتغدو مسألة اتصالنا بالفيسبوك وبقية مواقع التواصل الاجتماعي واحدة من أبرز سمات ما بعد ما بعد الحداثة، وليوسم العصر وأدبه بالرقمي، والرقمية كمصطلح معلوماتي، وفق التحولات والتغيرات التي انعجنا فيها بإرادتنا، والترقيم لغة:
تدل مادة رقم في المعاجم اللغوية العربية على جملة من المعاني، أهمها: التَّعجيم والتبيين والكتابة والقلم والخط. يقول ابن منظور (توفي 711ﻫ): “الرَّقمُ والتَّرقيمُ: تَعْجِيمُ الكِتاب. ورَقَمَ الكِتابَ يرْقُمُه رَقْمًا: أعْجَمَهُ وبيَّنه. وكِتَابٌ مَرْقُومٌ، أي قد بُيِّنت حُروفُه بعلاماتها من التَّنقيطِ. وقوله عز وجل: «كِتَابٌ مَرْقُومٌ» كتابٌ مكتوبٌ… والمِرْقمُ: القلم… والرَّقم: الكتابة والختْم… والرَّقم: ضَرْب مُخطّط من الوشْي… ورقَم الثوب يرقُمُه رَقْما ورقَّمَهُ: خَطَّطه”.
أمَّا الترقيم اصطلاحا:
فيعرفه سعيد يقطين بأنه: “عملية نقل أي صنف من الوثائق من النمط التناظري إلى النمط الرقمي، وبذلك يصبح النص والصورة الثابتة أو المتحركة والصوت أو الملف…، مشفرا إلى أرقام، لأن هذا التحويل هو الذي يسمح للوثيقة أيا كان نوعها بأن تصير قابلة للاستقبال والاستعمال بواسطة الأجهزة المعلوماتية”.
ويقصد بالترقيم (Numérisation) “عملية نقل أي صنف من الوثائق من النمط التناظري (أي الورقي) إلى النمط الرقمي، وبذلك يصبح النص والصورة الثابتة أو المتحركة والصوت أو الملف، مشفرا إلى أرقام”؛ عبر للحاسب الآلي والأنظمة الرقمية على مختلف مظهرها بما في ذلك شبكة الاتصالات الدولية (الإنترنت) وشبكة المعلومات العالمية (web)، والبريد الإلكتروني أو الرقمي (E-mail)، والمجاميع الإخبارية (New Groups)، ومواقع نقل الملفات (File Transferee Protocol) وغرف المحادثة (Chatting Rooms) …. الخ.
لأنَّ مواقع التواصل الاجتماعي ” منظومة من الشبكات الإلكترونيّة التي تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، ومن ثم ربطه عن طريق نظام اجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم الاهتمامات والهوايات نفسها”، عبر عدة أنواع من التواصل الاجتماعي؛ وهي:
1.الشبكات الاجتماعية: مثل “الفيسبوك” و”التويتر”، وهناك شبكات عربية لم تنل الثقة والشهرة من الناس وهي:
أ- شبكة فرند أوي.
ب- شبكة أرابز.
2.شبكات مشاركة الوسائط: مثل “اليوتيوب”.
3.المُدوّنات.
4.تطبيقات الويكي: مثل الموسوعة الحرة، “ويكيبيديا”.
5.المنتديات.
6.مواقع مشاركة الصور: منها: سلايد، فوتو لوغ، فوتكي.
7ـ مواقع استضافة المدونات المجانية؛ ومنها: الوورد برس، وبلوجر، وتمبلر.
8ـ المفضلات الاجتماعية: ومن أشهر أمثلتها موقع ديغ، وظهرت عدة مواقع عربية توفر خدمة المفضلات الاجتماعية؛ مثل: موقع ضربت، موقع أفلق، حفار المدونات.
9ـالصحافة الإلكترونية: ويعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالَم إلى عام 1993م؛ حيث أطلقت صحيفة “سان جوزيه ميركوري” الأمريكية نسختها الإلكترونية، تلاها تدشين صحيفتي “ديلي تليجراف” و”التايمز” البريطانيتين، لنسختهما الإلكترونية عام 1994م.
لذلك فإن بُنية التواصل الاجتماعي ذات متانة عالية، وفق خصائصها التي الفاعلة التي تمتاز بـ “التفاعلية، واللا تزامنية، والمشاركة والانتشار، والحركة والمرونة، وتخطي حدود الزمان والمكان، واندماج الوسائط، وزيادة الانتباه والتركيز نتيجة التفاعل، وسهولة التخزين والحفظ”، وهذه الخصائص زادت من متانة التواصل الاجتماعي لأنها مكّنت المجتمعات من
كسر الاحتكار الإعلامي للمنافذ المؤسسية الضخمة والمتوسطة، فظهرت منصات حوارية وإعلامية ذات مضامين عميقة قادرة على الوصول إلى المتلقي بشكل مباشر وسريع، عبر مجموعات جديدة من الإعلاميين، بعضهم أو جلّهم من غير المتخصصين في الإعلام، ولكنهم تفوقوا في الحضور والممارسة على أهل الاختصاص في مشاركة المجتمع في تسليط الضوء على قضاياه افتراضيًا وعبر الشبكات الاجتماعية، وهو ما عمل على تجزئة الكتلة الجماهيرية إلى كتل فِئوية ومتخصصة.

التأثير العام يكمن في التواصل الكوني السريع بين القارات، واتساع مدى الخبرات والصداقات بين المستفيدين، وتوفير الوقت والجهد في جميع الأمور الحياتية؛ وسهولة الوصول إلى البيانات والمعلومات المكتوبة والمصوّرة للمتصلين بهذه الوسائل.

أمَّا الأثر السلبي، فعلاوة على أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت وسائل للغزو الفكري الثقافي، فإنها كذلك تعدّ واحدة من وسائل انتحال إبداعات الآخرين من كتب وقصائد ودراسات وبحوث ومؤلفات. تحولت هذه الوسائل إلى ساحة فضائحية في إفشاء أسرار الآخرين وتشويه سمعتهم وبث المعلومات المضللة، لذلك فإن المحاكم تزدحم بعدد المتقاضين الذين أساءوا في حماية أنفسهم ممن يسيء استعمال وسائل الاتصال، ولقد استفادت جماهير التواصل الاجتماعي من القوانين التي استنت لمجابهة الجرائم الالكترونية عبر الحاسب الآلي والإنترنيت، ففي سلطنة عُمان صدر مرسوم سلطاني رقم 69 / 2008 بإصدار قانون المعاملات الالكترونية، وقد أورد المرسوم السلطاني (2/2011) والخاص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات العماني[U1]  لسنة2011م تعريفاً لمصطلح جرائم تقنية المعلومات في المادة (1) الفقرة(ج) بأنها : ( الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون). مرسوم سلطاني رقم ١٢ / ٢٠١١ بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الفصل الأول تعريفات وأحكام عامة في المادة (١)، و(٢)، وفي الفصل الثاني في المادة (٣)، والمادة (٤)، والمادة (٥)، والمادة (٦)، والمادة (٧)، والمادة (٨)، والمادة (٩)، والمادة (١٠)، ثم المادة (18) ولنأخذ نبذة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وفق المادة (349) في قانون الجزاء العماني، والتي تختص بجرم “إرسال صور خادشة للحياء”، حيث نصّت هذه المادة بأن : ” يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في المقامرة أو في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل من شأنه المساس بالآداب العامة أو في الترويج لبرامج أو أفكار أو أنشطة من شأنها ذلك”، ومؤخرًا صدر المرسوم السلطاني رقم ٦٤ / ٢٠٢٠ بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني وإصدار نظامه؛ ليدل كل ذلك على عظم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الناس في العالم.
وقد خُصّت مسألة التواصل الاجتماعي بالعديد من الدراسات؛ منها:
1ـ بعض الدراسات العربية:
دراسة محمد الخليفي (2002م): بعنوان: “تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع”. ودراسة حلمي ساري (2005م): بعنوان “ثقافة الإنترنت ودورها في التواصل الاجتماعي”. دراسة شعاع اليوسف: بعنوان: “فوائد وأضرار التقنيات الحديثة وتأثيراتها السلبية على صحة الفرد”. كما أعد كل من الدكتور عبد الله بن يحيى المعمري، والدكتور طارق محمد مصطفى، من جامعة البريمي (2021)، دراسة حول “الجرائم المعلوماتية”.
الدراسات الأجنبية:
دراسة كراوت وزملائه (Krout et al.) في مجلة عالم النفس الأمريكي (2007م): بعنوان: ” مفارقة الإنترنت: تقنية اجتماعية تقلل من المشاركة الاجتماعية والرفاهية النفسية”. دراسة ناي واربنج (Nie and Erbing) معهد ستاندفورد للدراسة الكمية للمجتمع (2009م): بعنوان “الإنترنيت والمجتمع، تقرير أولي”. دراسة كروات وآخرين (2004): بعنوان ” الإنترنت والمشاركة الاجتماعية المتناقضة بين التحليل عبر القطاعات والتحليل الطولي”.
وها هو النادي الثقافي في سلطنة عُمان، استطاع أن يكون مكونًا فاعلًا في الاستفادة من خدمة التواصل الاجتماعي، إذ عمل على إيصال برنامجه الثقافي السنوي الذي يقام له حفل تدشين ومواكبة إعلامية تليق بمكانته كل عام. وأخذ ينفذ برامجه بشكل افتراضي، عبر التطبيقات الالكترونية التي تنقل هذه البرامج بشكل مباشر للجمهور متجاوزًا الإعلام التقليدي، منها جلسة بعنوان: وسائل التواصل الاجتماعي: البنية والأثر، قدمته شيخة المحروقي التي استضافت الدكتور صالح الفهدي في جلسة حوارية مثرية، موجزًا عن تاريخها، وأسباب نشأتها، وظهورها، والتحولات التي طرأت عليها، والغايات من وجودها، وكيف تأثرت المجتمعات وتغيرت بفعل وجودها.
ولو عدنا للزمن البعيد سنجد أن وسائل التواصل بين أطراف العالم سالكة ومعقدة في ذات الوقت، يقول ‏المسعودي في مروج الذهب: إن “أهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر ‏الزنج وفي هذه المدينة مسلمون بين الكفار من الزنج والعمانيون الذين ذكرنا من أرباب ‏المراكب يزعمون أن هذا الخليج المعروف بالبربري وهم يعرفونه ببحر بربري وبلاد ‏جفوني”، ومهما قرأنا عن وسائل التواصل القديمة البحرية منها والبريّة فالنتيجة أن التواصل يحدث ببهجته ومخاطره، دلَّ على ذلك ما وجدناه في الكتب من أثر لهذا التواصل في التجارة  والاقتباس المعماري والمثاقفة وحركة الترجمة وتواصل الحضارات القديمة، وهكذا تطورت وسائل التواصل بتطور معطيات الزمن من ابتكارات واختراعات، والأنترنيت  وكل ما اندلق إلينا منه؛ مما تضمنه من برامج ونوافذ واحدة من هذه الابتكارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى