الفضاء في خدمة البشرية

شيخة الفجرية | كاتبة عُمانية

بَعد أنْ أنْهَينا الفصل الدراسيّ في جامعة ويسكانسون أوشكوش، انتقلنا بالطائرة من مطار ماديسون عاصمة ولاية ويسكانسون إلى مطار واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، كان سفرنا إلى واشنطن لغرضٍ سياحي بحت تحمَّلت جامعة نزوى الحبيبة جميع تكاليفه. كانت ساحة “ناشيونال مول” التي تمتد من نصب واشنطن إلى مبنى الكابيتول الشهير في قلب العاصمة واشنطن هي وجهتنا السياحية لمدة يومين متتاليين فقط لذلك المكان، بسبب وجود عدة مباني تاريخية ومتاحف ونصب تذكارية كثيرة؛ ومن بين هذه المباني متحف الطيران والفضاء الوطني.
كان تصميم المبنى لهذا المتحف عبارة عن مكعبات رخامية ضخمة، وقبل أن ندلف إلى داخل المتحف رأينا مجاميع كثيرة من الزوار والسواح يفترشون سلالم المتحف، ناهيك عن المجاميع الكثيرة التي تتفيأ الأشجار، بالإضافة إلى مجاميع بشرية أخرى تدور من متحفٍ إلى آخر كما هو حالنا آنئذ. ضمَّ مبنى متحف الطيران والفضاء الوطني في واشنطن 23 صالة توزعت في 5 طوابق تقريبًا، كان مكوك الفضاء “ديسكفري” يحتلّ مساحة كبيرة من الطابق الأول، بينما يتوزع عدد كبير من الصواريخ والطائرات المدنية والعسكرية والمركبات الفضائية على عدة أقسام. وتحتل القبّة الفلكية مكانًا مميزًا في المتحف، بالإضافة إلى مسرح إي ماكس (IMAX)، ومركز ” علوم الكواكب والجيولوجيا والجيوفيزياء، وتقنيات الطيران والطيران الفضائي”،
حين صعدنا إلى الطوابق العلوية كنت أنظر منها للأسفل حيث تقبع المركبة الفضائية “ديسكفري” ومن حولها جمع كبير من الناس وأسأل نفسي، هل كل هذا من أجل السياحة فقط؟ بالطبع هذا السؤال بناء على تفكيري المحدود، فالواقع أن وجود هذه المركبات تعد من أبرز الإنجازات العلميّة التي حقّقها الإنسان في القرن المنصرم (القرن العشرين)، إذ حقّق الإنسان يوم الثاني عشر من إبريل عام 1961م إنجازاتٍ علميّة مذهلة، من أبرزها الإفلات من تأثير قوة الجاذبيّة الأرضيّة، بصعود رائد الفضاء السوفيتي (يوري جاجارين) إلى القمر، بعد أن قام بالدوران حول كوكب الأرض بمركبته الفضائيّة في (108) دقائق ثمّ العودة. بعدها دخلت الدولتان العُظميان في سباق فضائي، ليستيقظ العالم صباح 20/7/ 1969م على خبر نجاح رائد الفضاء الأمريكيّ (نِيل آرمسترونج ) في الهبوط على سطح القمر ، والمشي هو وزميله ( والدرين ) على سطحه مدّة ساعتين ونصف تقريباً، الملفت أن بعض الأمريكيين أخذوا يطاردون رائد الفضاء الأمريكيّ (نِيل آرمسترونج ) بالإنجيل وعدسات التصوير كي يقسم على الإنجيل وأمام الملأ أنه فعلًا هبط على  سطح القمر!!
ولكن العبرة بالنتيجة، وعمليات البحث والاستكشاف والتجارب العلميّة في العديد من المجالات هي ما أعطى مصداقية إلى حدٍّ ما لهذه المسألة، التي أخذت التجارب بعدها تتوالى وإن كانت بفترات زمنية متباعدة.
فقد وصل الروسي (تيتو) إلى الفضاء سائحًا، قضى فيه أسبوعاً كاملاً على ارتفاع ( 380 كم ) فوق جنوب المحيط الهادي، مقابل عشرين مليون دولار، عبر مركبة الفضاء الروسيّة (سويوز)، وبرفقة رائدين روسيين من محطّة الفضاء الروسيّة. أعقبت هذه الرحلة السياحية رحلة أخرى وبنفس التكاليف، قام بها رجل الأعمال الجنوب أفريقي (مارك شاتل وورث).
وأخيرًا جاء المشروع العربي مسبار الأمل أو مهمة مسبار الأمل لاستكشاف الفضاء، الذي نفذته الإمارات لاستكشاف المريخ، انطلق المشروع بتاريخ 16 يوليو 2014، وتم الانطلاق نحو الفضاء من مركز تانيغاشيما الفضائي، اليابان في 20 يوليو 2020 إلى المريخ، وكان تاريخ دخول المسبار إلى المدار بتاريخ 9 فبراير 2021، 7:45 مساءً (بتوقيت الإمارات).
السؤال الأهم: هل كان الفضاء علمًا قائمًا منذ القدم؟ ألم يكن علم الفلك هو الأساس لكل ذلك؟
الجميعُ يرى أنه سبر أغوار الأرض وأصبح لزامًا عليه سبر مكونات السماء، والسماء لغة: كما قال ابن فارس: السين والميم والواو أصل يدل على العلو، وسما الشيء يسمو سموًّا فهو سام أي ارتفع، وسما إليه بصري ، أي ارتفع إليه، وإذا رفع لك شيء فاستبنته قلت : سما لي شيء ، قال الشاعر :

مصابيح تبدو في الظلام زواهر

سما لي فرسان كأن وجوههم

والسمو: الارتفاع والعلو، تقول منه: سموت وسميت مثل علوت وعليت وسلوت وسليت، وسما له واسماه أعلاه، ويقال للحسيب والشريف: قد سما وفلان يسمو إلى المعالي إذا تطاول اليها، وسماء كل شيء اعلاه كسقف البيت وظهر الفرس، قال الشاعر:

فريا وأما أرضه فمحول

وأحمر كالديباج أما سماؤه

قال الزجاج : كل سقف هو سماء، ومن هذا قيل للسحاب سماء، لأنها عالية، والسماء كل من علاك فاظلك، والسماء التي تظل الأرض أنثى عند العرب لأنها جمع (سماءة) والسماءة أصلها سماوة، وإذا ذُكّرت السماء عنوا بها السقف ومنه قوله تعالى : “السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ”…، فلم يقل منفطرة، وذكر الجوهري أن السماء تذكر وتؤنث، وحمل ابن بري عليه قول الشاعر :

لحقنا بالسماء مع السحاب

فلو رفع السماء إليه قوما

جاء في لسان العرب: وتجمع السماء على اسمية وسماوات، وسمي، وزاد الجوهري انها تجمع على زنة (فعائل) كسحابة وسحائب وخرّج عليه قول أمية بن ابي الصلت:

سماء الاله فوق سبع سمائيا

له ما رأت عين البصير وفوقه

وقد انشغل العلماء المسلمون بعلم الفلك، كان أبرزهم المُؤَرِّخٌ، الجُغْرافِيٌّ، الفَلَكِيٌّ، الرِياضِيٌّ، الفِيزْيائِيٌّ، المُتَرْجِمٌ أبو الرَّيْحانِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْخُوارِزْمِيُّ الْبَيْرونِيُّ(973م)، من خُوارِزْمَ، الَّتي تَقَعُ حالِيًّا في أُوزْبَكِسْتانَ. قامَ الْبَيْرونِيُّ بِتَأْليفِ مَوْسوعَةٍ في عِلْمِ الْفَلَكِ، وَسَمّاها “الْقانون الْمَسْعودِي في الْحياةِ والنُّجومِ”. يُعَدُّ هذا الْكِتابُ مَوْسوعَةً ضَخْمَةً في الْعُلومِ، قال أحد العلماء عَنْهُ: “إِنَّ الْبَيْرونِيَّ أَكْبَرُ عَقْلِيَّةٍ في التّاريخِ”، وَيَصِفُهُ عالِمٌ آخَرُ بِقَوْلِهِ: “مِنَ الْمُسْتَحيلِ أَنْ يَكْتَمِلَ أَيُّ بَحْثٍ في التّاريخِ أَوِ الْجُغْرافيا دونَ الِاعْتِمادِ عَلى أَعْمالِ هذا الْعالِمِ الْمُبْدِعِ”. ويأتي ابداع البيروني نتيجة أهمية هذا العلم، إذ يقول الجوهري في الصحاح: “وإذا كان المقامُ دلالةً بارزةً لمكانةِ المُقيم، فإنّ النجومَ استوطنتِ السَّماء، الرَّمز المقدّس في الذِّهنِ الجاهليّ، حيثُ ترتبطُ بمعانٍ كبيرةٍ مثل الارتفاعِ والسموِّ والمَطَرِ، وفي نَفْسِ العَربيِّ خشيةٌ من الأمرِ الذي يعلو عليه ويكون فوقه، فإذا كان هذا الفَوق وطنًا للنجومِ التي تمسك بأقدار الزمان والمكان والناس فإنّ هذه الرغبة أو الخشية تستحيل إلى قدسية”.
ولأنَّ ثمة سؤال ملحّ عن التداخل بين علم الفضاء وعلم الفلك، أقام النادي الثقافي جلسة حوارية بعنوان:” الفضاء في خدمة البشرية”، قدمها الأستاذ إسحاق بن يحيى الشعيلي، واستضاف المهندس عمار بن سالم الرواحي، رئيس الجمعية الفلكية العُمانية، وطرح عليه هذه الأسئلة: ما هو علم الفلك؟ وكيف تطور؟ وإلى أين وصل؟
من جانبه، قدم رئيس الجمعية الفلكية العُمانية محاور كلمته التي تلخصت كالآتي:
ـ بداية البشرية مع استكشاف الفضاء.
ـ مراحل استكشاف علوم الفضاء وتقنياتها.
ـ التحديات التي تواجه البشرية في استكشاف الفضاء
ـ تطبيقات وتقنية الفضاء.
ـ الاقتصاد المبني على الفضاء.
ـ مستقبل علوم الفضاء وتقنياتها
ـ التحديات المحلية والإقليمية.
وعن مستقبل علوم الفضاء وتقنياتها قال الرواحي: أن 2030 سيساهم الفضاء في كل المجالات، وذكر مقولة جفري هوفمان نهاية السنة الدولية لعلم الفلك ومرور 400 عليها: “من ليس له مكان في الفضاء ليس له مكان على وجه الأرض”.
ولو أتينا إلى أهم التطبيقات المستعملة في الحياة اليومية للبشرية نجد أن الأقمار الصناعية للاتصالات هي الأبرز، تليها الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض، البعض يسميها الأقمار التجسسية، ثم سواتل الملاحة، والتلفزيون الفضائي؛ ودخل النطاق العريض مؤخرًا ضمن هذه التطبيقات. وبالعودة إلى سؤالي في السطور الأولى، الاقتصاد المبني على الفضاء فإن رؤية المجاميع الكبيرة من السياح في وحول مبنى متحف الطيران والفضاء الوطني، الذي يؤمه ما يقارب ال7مل ايين سائح سنويًا؛ ناهيك عن العوائد الاقتصادية في بقية الجوانب.
على سبيل المثال، يوجد عرض لعدة أحجار وصخور مصدرها الفضاء، كنت أتمنى أن تستفيد بلادنا سلطنة عُمان من تلك الصخور القادمة من الفضاء، وتعمل على تجميعها في متحف يسمى بالفضاء، يكون موقعه نفس الموقع الذي تبتعث إليه وكالة ناسا وبعض الوكالات الفضائية في العالم علمائها لمحاكاة المريخ وغيره من الكواكب عبر الأراضي العُمانية، إذ يكفي أن تعمل السلطنة على تسويق المكان من جوانب مختلفة تعد لها دراسة محكمة ومختصّة. وبالنسبة لعلم الفلك، فالسلطنة تتكئ على موروث فلكي ليس بالهيّن؛ لذلك تتميز رؤيتها في استطلاعات الأهلة كل عام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى