بصيرة في ليلة القدر

ماجد الدجاني- أريحا – فلسطين

يقول الله تعالى:(إنا أنزلناه في ليلة القدر) ويقول في سورة الدخان  إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين , فيها يفرق كل أمر حكيم, أمرا من عندنا إنا كنا منزلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم) صدق الله العظيم .والقران استعمل كلمة أنزل للقرآن واستعمل المصدر تنزيل من الفعل نّزل (ونزلناه تنزيلا),( تنزيل الكتاب),(تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى),واستعمال نزل تنزيل له معان مختلفة منها التدرج (تجرع الدواء) أي حصول الفعل مرة بعد مره ومنها المبالغة ومنها الاتخاذ (توسد يده) ومنها المطاوعة (كسرته فتكسر) وأدبته فتأدب ومنها اتخاذ الفعل من الاسم (ذهبت السيف) ومنها التكلف(تجلد) والصيرورة والشكوى تظلم والطلب(تعجل) ومن هذه المعني يبرز معنى التدرج وحدوث الفعل مرة بعد أخرى وهو المعني للتنزيل وتنزل الملائكة ونزلناه تنزيلا (ليدل على التدرج والمتابعه, أما أفعل فمن معانيها التعدية مثل أنمته ومنها الدخول في الشيء(أصبح)وللصيرورة (أقفرت الأرض) وللسلب (أعجمت الكتاب أي أزلت عجمته وشكوت فأشكني وأشفى المريض وللمبالغة : أشغلته أي بالغت في إشغاله) وهنا أنزل للتعدية والدلالة عل أنه أنزله الله مرة واحدة فالقران إذن أنزل وتنزل فكيف ذلك؟ الأمر أن جبريل نزل بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في بيت العزة ووضع هناك (أنزل) وكان جبريل ينزل به نجما نجما (بالآية والآيتين) في الأوامر والنواهي
والقرآن يستمل صيغة الجماعة حين يتحدث عن أمور عظيمة (أنزلناه, سقناه, أحييناه,…..الخ ولذلك قال: أنزلناه في ليلة القدر وأنزلناه في ليلة مباركة) تعظيما لما أأنزل فهو هدى لناس وشفاء لما في الصدور ورحمة ويهدي للتي هي أقوم وهو لا يخلق ولا يبلى لكثرة الرد من قال به صدق ومن حكم به عدل وهو مأدبة من الله ونور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور وبالحق أنزله الله وبالحق نزل,
نزل في ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة مباركة من الله, نزل بالإنذار والرحمة (قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر) (إنا أرسلناك هاديا ومبشرا ونذيرا)
ومعروف أن الإنذار بداية الوحي إلى الرسل (وأنذر عشيرتك الأقربين) قم فأنذر وربك فكبر) نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) وما أهلكنا من قرية إلا ولها منذرون) .
وما أدراك ما ليلة القدر؟ ومعنى درى أي علم بضرب من الحيلة وبوسيلة ما, وأدرى أي أعلم وكل موضع من القرآن فيه:( وما أدراك ) فقد تكفل الله ببيانه في قرآنه:
وما أدراك ما هيه ,وما أدراك ما عليون, وما أدراك ما القارعة وما أدراك ما العقيه, وما أدراك ما يوم الفصل,وما أدراك ما يوم الدين, وما أدراك ما سقر, , وما أدراك ما ليلة القدر, فالله يجيب موضحا مبينا بعد كل ما أدراكفي كتابه العزيز المجيد.
أما استعمال القرآن الفعل المضارع وما يدريك؟ فلا يعقب ببيانه ويجعله مفتوح البيان للذهن للتدبر والتفكير(وما يدريك لعله يتزكى, وما يدريك لعل الساعة قريب, وما يدريك لعل الساعة أن تكون قريبا؟) لذلك عندما قال الله تعالى وما أدراك ما ليلة القدر عّرف وبيّن قدرها فقال أنها خير من ألف شهر وقد تعددت تفسيرات ألف شهر فقيل أن العرب تستعمل لفظ ألف للتكثير وتعني نهاية الغاية (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) أي طول العمر وقيل خير من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر وقيل أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه نظر في أعمار الأمم السابقة طويلة الأعمار أستقل أعمار أمته (الستين وقليل من جاوز السبعين كما قال) أن يبلغوا بأعمارهم القليلة ما بلغته الأمم السابقة فحزن فأنزل الله هذه السورة فانشرح صدره وهو الرحمة المهداة
وفي ليلة القدر تتنزل الملائكة برحمة من الله حيث قيل أن الروح هو جبريل وقيل هي الرحمة ينزل بها جبريل والملائكة السفرة كما جاء في القرآن المجيد: (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) وقلنا تنزّل أي تتنزل بمعنى التكرار والتدرج وحصول الفعل مرة بعد أخرى .
(من كل أمر) كما جاء في سورة الدخان:فيها يفرق كل أمر حكيم ) حيث يكتب فيها ما يكون من رزق ومطر وحياة وموت حتى يكتب فلان يحج وفلان لا يحج ثم تسلم الأوامر لملائكة التنفيذ الكرام وروي عن بن عباس أن الله تعالى يقضي الأقضية في النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر وقد تعددت تفسيرات القدر فقيل: لعظم قدرها وشأنها وقيل لأن للطاعات فيها شأن وقدر عظيمان عند الله وقيل لأنه نزل فيها كتاب ذا قدر على رسول ذي قدر على أمة ذات قدر هي خير أمة أخرجت للناس وقيل لأن الأرض تضيق لكثرة الملائكة التي تتنزل (أطّت الأرض وحق لها أن تئط فما من موضع قدم إلا وعليه ملك راكع أو ساجد , وهذا التقدير بمعنى التضييق مأخوذ من قوله تعالى ( وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) وقوله: ( ومن قدر عليه رزقه) أي ضيق عليه ,يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:إذا كان ليلة القدر تنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى منهم جبريل ومعهم ألوية ينصب منها لواء على قبري ولواء على بيت المقدس ولواء على المسجد الحرام ولواء على طور سيناء ولا تدع مؤمنا ولا مؤمنة إلا وتسلم عليه إلا مدمن خمر وآكل الخنزير والمتضمخ بالزعفران).
ورغم تعدد الروايات عن تحديدها إلا أن هنالك شبه إجماع أنها ليلة السابع والعشرين وبعضهم أخذها من حسابات رقمية في سور القدر نفسها وبعضهم من السباعية العجيبة في حياة المسلم وفي آيات القرآن مما لا مجال للتوسع والإفاضة فيها في هذه العجالة وقد جاء في وصفها أنها:ليلة سمحة بلجة لا حارة ولا باردة لا يسمع فيها نباح الكلاب وتطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع.
وفي فضلها قال عليه الصلاة والسلام:من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
وقد سألت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال : قولي: أللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
وبعد فهذه ليلة القدر ليلة كرمت بها أمة محمد عن سائر الأمم ونسأل الله تعالى الا يحرمنا أجرها ولا العفو عنا فيها وأن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمييين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى