رواية اليتيمة والحياة الاجتماعية العربية
عبد الله دعيس | فلسطين
صدرت رواية اليتيمة لجميل السلحوت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية قبل أسابيع قليلة، وتقع الرواية التي يزيّن غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّكيلي محمد نصرالله، ومنتجها وأخرجها شربل الياس في 260 صفحة من الحجم المتوسّط.
هذه الرواية لوحة جديدة للحياة الاجتماعية في مدينة القدس وفي المجتمع العربي، وهي استكمال لما بدأه الكاتب في رواية الخاصرة الرخوة والمطلٌّقة. يركّز الكاتب على العلاقات الاجتماعيّة بتفاصيلها الصغيرة، ويعطي صورة مفصّلة عن عادات الخطبة والزواج والعلاقة بين العائلات المتصاهرة. وتزخر الرّواية بالأمثال الشعبيّة المناسبة للأحداث.
يستمرّ الكاتب بنفس الأسلوب في الروايتين السابقتين وكأنّه يكتب حلقة جديدة في مسلسل عنوانه الحياة الاجتماعية في المجتمعات العربيّة، وهدفه فضح بعض الممارسات التي تضرّ بالمرأة، والتنبيه لها حتّى لا تقع ضحايا جديدة. وهي مشابهة إلا حد كبير لبعض القصص التي نسمعها يوميا للنزاعات بين العائلات، وحالات الطلاق الكثيرة جدّا والتي يكون سببها في كثير من الأحيان زواج متسرّع لم يقم على أساس سليم.
أرى أنّ الرّواية مهمّة وموفّقة ولعّلها تكون ضمن سلسلة أعمال اجتماعيّة تنقّب عن هذه المثالب وتفضحها دون مواربة، وتبرز أيضا الجانب الاجتماعي الإيجابي للمجتمع العربيّ. وما دام الكاتب قد فتح هذا الباب وسار فيه خطوات، فلا ضير من الاستمرار في صنع حلقات أخرى منه علّها تضيء دربا أو تنقذ امرأة من مستقبل قاتم.
عنوان الرّواية هو اليتيمة، وهي تحكي قصّة امرأة فقدت أباها وأخويها في صغرها وعانت كثيرا بسبب هذا الفقدان، لا ليكافئها أهلها ومجتمعها على نتاج صبرها، وإنّما لتضعها العادات والتّصرّفات الخاطئة في محنة جديدة تضاهي يتمها.
تتحدّث هذه الرّواية الواقعيّة عن شخصيات تعيش في مدينة القدس، لكنّها تُبرز مجتمعا عربيا واحدا، عاداته متشابهة أينما وجد في أي قطر عربيّ. والكاتب يظهر وحدة هذا المجتمع عن طريق العلاقات الاجتماعيّة المتينة بين شخصيات من أقطار عربيّة مختلفة، فرغم البعد الجغرافي والحدود السيّاسية المصطنعة، إلا أن القارئ يشعر أن هؤلاء جميعا ينتمون لمجتمع واحد مترابط، تجمعهم الألفة والمودّة وتتشابه عاداتهم وثقافتهم. وهذه لفتة جميلة.
لغة الكاتب سرديّة مباشرة سلسة، مما يجعل الرّواية سهلة وممتعة للقارئ من جميع الأجيال. وعنصر التّشويق عالٍ، حيث تجذب الرواية القارئ ولا يضعها حتّى يأتي على نهايتها، فكلّ حدث يمهّد للحدث الذي يليه دون الإغراق في الوصف والصنعة اللغويّة. ويشعر القارئ أنّه يعيش مع أحداث الرّواية وكأنّها تحدث في حيّه، وتحكي همومه اليوميّة.
تنتهي الرواية بطلاق البطلة عبير، والطلاق هو ما انتهت به رواية الخاصرة الرخوة أيضا، فهل الطلاق هو الحلّ لزواج متسرّع غير متكافئ؟ أو ربما هناك حلول أخرى تحافظ على كينونة العائلة دون أن تكون المرأة وحدها هي المطالبة بالصّبر على الواقع المرّ؟
28-7-2021