فلسفة الفكرة في نص ” أقْطابُ الحروف ” للعراقي أمين جياد
مرشدة جاويش | سوريا – تركيا
أولا – النص:
جمَّعتُ على قلبي كل َّ خيوط ِ الصوت ِ ثمّ صعدّتُ الى شيء يدخل ُ كفّي يُشبهُ لهفة نار ٍ مطفأَة ٍ ، فأنا رجل يسعى كي يعرفَ أيَّ الأحجار ِ تُعَذِّبُني وأَيَّ الأصوات ِ تضيع وأنا رجل يسعى في الاحجار تُضيعُني الَّلهفَة ُ أمشي في آخرة الليل ِوحيدا ً أبحث عن صوت ٍ وهدوء ٍ يُبعدُني عن كف ٍّ مطفأة ٍ في ليل ِ جنوني أيُّ جنون يمضي في شيء يدخل كفّي وأيُّ جنون في آخرة الليل تحترق الأحجارُ على صوتي وأنا في كل ّ نهار ٍ أسحَبُ روحي وأُجرجرُ بعضي وأنا رجلٌ يسعى أبحَثُ عن صوت ٍ حجري ٍّ مشتعل ٍ في كفّي أبحَثُ في كلِّ مفاتنها عن كل ِّ هروبي
ودليلي في دمها هذا كلُّ جنوني .
ثانيا – القراءة:
من المتن استهلالاً بدأ المبدع بالحراك (جمّعت) نرى كلغة هو يجمع = يلملم أي بالمدرك الذاتي (ت) الفاعل المتحركة أعطت للفعل جمع أبعاده لكي نتوجه لما جمعه هو أنوياً تقاطع مع شيئية هي الخيوط (جمّعت خيوط) الخيط ملموس لكنه أضاف الصوت (جمّعت خيوط الصوت ) الصوت مسموع شيئية ندركها بين الملموس والمحسوس سمعاً أعطى للجملة جماليتها ليعطف باستدارة جديدة محمّل نفس الاستهلال (صعدت ) فهو المحرك الأساسي ليغمر كفه بجماد (شيء) لكن هذا الجماد له صبغة اشتعال إذاً الشيء ( نار ) ( ثم صعدّتُ إلى شيء يدخلُ كفّي يُشبهُ لهفة نارٍ مطفأَةٍ) ففعل النار كان ساكناً بالإنطفاء إذاً نجد أن هناك إقرار دامغ تلك هي بدايات مفاصل النص التي تحاصرنا بوقوع الفعل وتجعلنا في حالة انتظار لردّه مع توارد هذا الصوت في تصوير وضع البدايات في قطفة تحمل الإذن وهي تستقبل إشارات الصوت في تتابع وتغيير لوظيفة القلب ليحمل أداة السمع وتغيير ظاهرة الصوت لتصبح نسيج ليضع الأمر في كف الحدوث التام الذي لا يقبل الشك ويضع المشاعر في بوتقة مغلقة لايداخلها الشك في التغيير في سينمائية مكثفة المشاهد تحمل في رمز ( المفضل والمطفاة ) (يدخل ُ كفّي يُشبهُ لهفة نار ٍمطفأَة ٍ ) هذا الجنون المشتعل مع تلك الصعاب التي تحيط به والتي تكتمل عند اقتحامها لتصطدم بمدارات روحه (كفي) ( أيُّ جنون يمضي في شيء يدخل كفّي ) فتتلاشى في رمزية للنسيان أو التناسي الذي يترك الأثر، ولكنه الأثر الذي يضع البرهان وتتكشف به الحقائق في تحويل الصعاب الى لفافة تبغ والكف المطفأة ليكتمل التصوير بالتهميش لتلك الأمور وإن ظلّ أثر التبغ المحترق في المطفأة وبقايا اللفافة كدليل يرشده لصانع وسبب الحريق لنصل لنقطة تجتمع بها الأشياء وكأنه يعود لظاهرة التدخين ( معاودة الحياة ) رغم الإحتراق ( أسحَبُ روحي وأُجرجرُ بعضي ) وقيد السجن ولكنه يسحبها بعض من الأنفاس التي تتيح الحياة في تحويل هذا الجسد لأرجيلة تنسى منها الروح لرئات الكون الذي يحمله هذا الوجدان في إقرار أخير يحمل تلك الممانعة وأيضاً استعذاب عذابات ( وأنا رجلٌ يسعى أبحَثُ عن صوت ٍ حجري ٍّ ) هذا العشق من شوق وسهد ولقاء يتسم بالشد والجذب وكأنه في سبيله لمقامرة ( في كفّي أبحَثُ في كلِّ مفاتنها عن كل ِّ هروبي ) تحمل الجنون المر الممزوج بقطع السكر في حوارية ذاتية متكلمة كان يطوف بنفسه فالنص له فلسفته السايكلوجية التي تنابعت بحراكات عدة بالنص ( وأيُّ جنون في آخرة الليل تحترق الأحجارُ على صوتي) فتكرار اللفظة (الجنون) يعطي البعد المكنوني الجواني الذي تشاغب به روح الشاعر المتمردة التي تنحاز لخيارات فيها كل العناد (وأنا رجلٌ يسعى أبحَثُ) هنا استمرارية البحث فهو لايهدأ برغم انه قانع بما حدث ومايشعره هنا الحدثية الشعرية متبدلة نفسياً (أبحَثُ عن صوتٍ حجريٍّ مشتعلٍ في كفّي أبحَثُ في كلِّ مفاتنها عن كلِّ هروبي ) هنا المحاكاة الأنوية التي تعترف بالسعي وأيضاً بالعودة للذات الأخرى فهو الهروب منها وإليها باحثاً عن آمال بعيدة عن نبوءة تعيد تشكيل الحياة بصورة أخرى مع هذا الإضطراب (عن كلّ هروبي ودليلي في دمها هذا كلُّ جنوني)
سطور تحيط بنا قبل أن نحيط بها من خلال لفظات متكررة ( الجنون) كان التوكيد الدلالي النفسي قائماً على التصويرية الذاتية من حيث استحصال النتيجة وتصوير يحمل بنيوية خاصة في السرد المتمكن الذي يضع الصراع في حوارية مشهدية تجعل القراء في وضع المتفحص لكل مفاصل النص وما غاب في باطن الكلمات من معاني تأخذنا نحو هذا الكيان الذي تحول في أكثر من مشهد كما رأينا لصور متغيرة (أيُّ جنون يمضي في شيء يدخل كفّي وأيُّ جنون في آخرة الليل تحترق الأحجارُ على صوتي وأنا في كلّ نهارٍ أسحَبُ ) كلها تصب في قالب لا يحمل سوى نتاج هذا الصراع ما بين الشوق واللهفة والرهن والمشقّة والتنائي الممنهج والتلكؤ ثم الهرولة نحو الحبيب وكأنه صراع ما بين الأقطاب المتنافرة لتماثلها ولكن سرعان ما تحاول إيجاد نقاط تلاقي وإن كان بتغيير الإتجاهات..
فالنص مستقى من الذات الشعرية تناسل برحلة نفسية متبدلة ومتحركة جبّت عوالم الأنا الجوانية أكثر من تأثيثها للبراني للخارجية فالنص هو حوار متكلم (فأنا رجل يسعى كي يعرف أيَّ الأحجار) مخاطب للنفس بإلتقاطات وتغيرات بين التمادي لوعي متطلع لكسر حواجز اللاوعي بلغة ناطقة مصورة كثفتها اللفظات المتكررة ودعمت الاشارتية فيها (الجنون) (مطفأةٍ في ليلِ جنوني أيُّ جنون يمضي ) التي أخذت النص كمحور رد فعلي حركي مثمر النتيجة يؤكد المفردة الذاتية في المخاطبة التي جاءت بإطار شعوري شعري على المستوى البلاغي والمعنى (مشتعلٍ في كفّي أبحَثُ في كلِّ مفاتنها عن كلِّ هروبي ودليلي في دمها ) ومستوى الصورة المشهدية (وأَيَّ الأصواتِ تضيع وأنا رجل يسعى في الأحجار) مما أدى إلى شكلية مضمونية أدت توافقية معطيات الحالة الواضحة بفنية عالية البيان
فالنص شكل في مفازة الشعرية مثل قصيدة تقارب الرؤيا أي تشكيلية رؤيوية بحس حداثي عالي معلل التي دعمته التصويرية الذاتية التي جهرت بالمعادلية الموضوعية بين الإستهلال وذروة النص بديناميكية منفتحة على دلالات عدة تبدت بالصورة وتوثبات البلاغة العالية ومستوى الشعرية الصوتية التي تجلت بخطين الأنا المتكلمة بتكثيفية عالية مزدحمة بالإختمار كخطاب فني له كل المكونات النصية التي تسامت بالنص كما ذكرنا في نسيج بنيوي مساند للدلالات المعنية
المبدع لم يعتمد كثيراً على زمكنية الحدثية بل كان هناك انفراج أدته الذاتوية المخاطبة بمفارقات اللحظة الأنوية الإبداعية التي أخذتنا لنهايات محتملة بمخرجات نسقية لفظية توالت بمشهدية غير متقطعة تخلقت في رؤية تتوارى في مساحات العقل بدرامية توظف الجنون بأسلوبية تخدم المعنى العام لا كي تعطي مؤثرات مشهدية مثبتة بل لتخدم محراب الشهقة اللهوفة والإشتياق كترميز لإرتباكية الحالة المشتعلة كما نوّهنا بداية بالدلالة لتكون عين الفكرة العامة.
نص عميق له فلسفته الخاصة وله بعده السايكلوجي أبدعه الأديب ببيان سامق البلاغة والرمزية العالية الموغلة بايحاءات مشهدية جمّة…
ومايميز مبدعنا ولفتني بلغته انه يستغرق كلياً بلغة المجاز الاعلى الصوفية التي تضفي ابعاداً جمالية لكل لقطاته ونصوصه..