رد المُطلقات في ست ساعات
توفيق أبو شومر| فلسطين
للرسام المصري ( محمود مدني )
أحدهم، يحسب نفسه مثقفا كبيرا، وسياسيا حاذقا، اعتاد أن يستخدم وسيلةً فعَّالة لإثباتِ نفسه في المجالس والندوات، وسيلة، المشاغبة، والاعتراض، بقوة الصوت، وجبروت المنزلة الوظيفية، وهو إلى جانب ذلك يجيد مزج أحاديثه بقصصٍ، ونكات شعبية، ودعابات مع العوام، اعتادها في كل مجلس!!
مصدرُ ثقافته ووعيه الرئيس مستمدٌ من مشاهدته الدائمة لقناة فضائية مغمورة، وعيبُه الرئيس هو ظنُّه بأن جميعَ مَن يملكون أجهزة التلفزيون يشاهدونها مثله، وأن ثقافة العالم، وخلاصة السياسة، وجوهر الحقيقة، كل ذلك، مختزلٌ في هذه المحطة الفضائية، وفيمن تستضيفهم هذه الفضائية.
شخصيتي هذه جرى تنويمها تنويما مغناطيسيا بواسطة ضيوف ومحاوري هذه القناة، ولأنه تمكن يوما من الاتصال بهم تليفونيا، وأتاحوا له الحديث، فإنه يظن، أن كل مَن لا يشاهد هذه الفضائية، فإنه أميٌ وجاهل!!!
هذه الشخصية دفعتني لمناقشة أثر وسائل الإعلام على مجموع أفكارنا، وكيف أنَّ كلَّ وسيلة إعلام بلورتْ لها مجموعة من المريدين والأتباع، وتمكنت من التأثير عليهم، وتسييرهم وفق رؤيتها وأيدولوجيتها الفكرية، وهذه الميزة ليست مذمومة في المبدأ، إن كان الهدفُ التثقيفَ والوعيَ، وهي إشارة إلى قدرة تكنلوجيا العصر على تطويعنا، وتغذيتنا بمبادئ وأفكارٍ الفلسفة الإعلامية للمحطات الفضائية، أو المواقع الإلكترونية.
أما شخصيتي الثانية، فهي الأهم، صاحبها حاصلٌ على شهادة جامعية علمية، ولكنه أيضا أصبح يرى العالم من خلال ثقب إحدى فضائيات التجهيل، والخرافات، وهو مؤمنٌ بعالمٍ آخر، عالمِ السحر والشعوذة، وهو أينما يجلس، يقصُّ على سامعيه قصص، إخراج الجن من أجساد البشر، بواسطة المهرطقين ممن يرتزقون، بتوظيف الدين لغايات الربح المادي!
عدتُ إلى بيتي، وحاولت أن أقضي ساعاتٍ أبحث فيها عن تلك الفضائيات، فهالني ما رأيت، أحصيت في أقلَّ من ساعتين، أكثر من واحدٍ وعشرين قناة فضائية، تبثُّ عبر قمر النايلسات، مختصةُ، إما بقراءة الأحلام وتفسيرها، وإما بقراءة الطالع والحظ، وفق الأبراج السماوية، وإما بالعلاج بالترهات والأباطيل!
ومما رصدتُه من هذه الفضائيات، هذا البار الدائم المكتوب أسفل الشاشة، في إحدى الفضائيات، ومما جاء فيه:
“الشيخ الوحيد الصادق في علم الروحانيات، يُشفي من كل أنواع السحر، ويساعد على تيسير الرزق، والزواج، ويَرُد المطلقةَ في ست ساعات، ويجلب محبة الحماوات، والحبيب في ثلاث ساعات، وهناك قلادات ، وخرز المحبة، والأحجار الروحانية (للبيع)”
وأخيرا:
هل أصبح التجهيلُ المقصود والمُبرمج، أبرز سلع العولمة وأكثرها ربحا، على النقيض من التقدم التكنلوجي الهائل؟
أم أنَّ سهولة امتلاك وسائل الإعلام، سببٌ رئيس لهذه الكارثة الثقافية؟
أم أن غياب المثقفين وانزواءهم عن ساحات النضال الثقافي، وانصراف الجهات الرسمية والشعبية عن أداء رسالتها الثقافية، بسبب الرعب من سطوة الإرهابيين، أفسحتْ المجال لبائعي ومسوقي الترهات والجهالات، ليستولوا على عقول الشعوب، ويقودوهم إلى أوكار الخرافات؟