قراءة نقدية لمسرحية ” دعني أعش دعني أمت ” للكاتب الفلسطيني خيري حمدان

هدى عثمان أبو غوش | القدس

 هذا النص المسرحيّ جاء في  فصل واحد، وشخصيتين لروح واحدة، ما بين الواقع المرير والخيال، وبين الحياة والموت، نص تبرز فيه صورة المواطن العربي المقهور والمتعب من بيروقراطية التعامل معه والحدّ من قيمته، ويوجه الكاتب خيري حمدان من خلال شخصية محمود الذي يحتضر وينتظر الانتقال الى عالم الموتى نقده اللاذع للأنظمة العربية التي لا تحترم المواطن وسياسة قمع الحريات.
في هذا النّص برزت نفسية المواطن العربي وصراعه في الحياة،فهو في حالة ضياع وتيه،يبحث عن أجوبة لأسئلة تراوده حول مصيره المقيد تحت نظام مستبد،الذي جعله مواطن يتنفس الخوف والرعب،وحياته أشبه ببيانات صمّاء لا تعرف الرحمة.
وبرز الصراع النفسي من خلال شخصية محمود الذي يصارع ذاته المتعبة التي تتمثل في شخصية سالم التي يحاوره ويستجوبه ويستفزه في انتظار انتقاله للعالم الآخر،يقول سالم:”أنا انعكاسك أنت،أنا ضميرك وربما شيطانك”وهذا الصراع وحوار الذات ما هو إلاّ انعكاس لحياة المواطن المكدسة بالضغوطات،فالحوار هو أيضا فضفضة لأرواح ماتت وهي على قيد الحياة.
فسالم هو الضمير الذي يعذبنا ويكشف عن العقل الباطني لأوجاعنا،خاصة الأوجاع السياسية التي تأبى النوم أو الرّحيل فتؤثر على حياتنا أرواحنا وأجسادنا.
الصراع النفسي عند محمود،هو في البحث عن الخلاص،خلاصه من المعاناة والتحررّ من الألم فيبحث عن الأمن السياسي،والعيش بهدوء دون اغتيالات، هو المواطن الذي سئم الانتظار الطويل فيرفض أن يكون كغودوا،والواقع الأليم ،رفضه أن يكون كمواطن دائما يقع الضحية،وهو الوحيد الذي يصلب.يرفض تكرار المآسي،توجعه لذا تعلو صرخة محمود حين
يتوصل إلى أنه يشبه ناجي العلي،فيتمرد على نفسه بالنفي .يقول محمود:”أنا لست ناجي العلي”.
وحتى ضميره سالم يرفض هذا الألم فيصرخ “لا تذكرني به أرجوك”
صراع محمود مع النفس،وهل هو مذنب في قضية غرق ليلى،لماذا لم ينجح في إنقاذها؟لكنه يتغلّب على الصراع من خلال مسامحة ليلى لمحمود وتبرئته من أي ذنب.
يظهر الأمل رغم الألم والقهر في وجه نصّ المسرحية في المسامحة مع النفس والآخرين، وفي النظر إلى الأمام وعدم جعل الماضي عائقا أمامنا،في مسامحة محمود للبحر الذي خطف ليلى.
وعلى الصعيد السياسي يبرز الأمل في تمزيق البيانات التي ترمز إلى ظلم السلطة الحاكمة للمواطن في نهاية النص المسرحي لنتساءل هل وجدنا مفتاح الأمل والحلّ،أم هي رسالة الكاتب الذي ينير شمعة ظلام القهر في أنّ لا بدّ للقيد أن ينكسر.
أمّا العنوان “دعني أعش،دعني أموت”فهو بحدّ ذاته يحمل التناقض والصراع النفسي صراع الحياة والموت،وممكن أن نفهم من العنوان صرخة المواطن العربي إمّا العيش في عيش بكرامة أو الموت وهو الخلاص الذي ينشده الكثيرون.
يشار في نهاية المسرحية أن محمود توفي في عام 1050 هجري أي في فترة العثمانيين،إشارة إلى بداية أزمة انحطاط الشرق نحو الهاوية وبداية مأساة العرب.
جاء الحوار في النّص،بلغة بسيطة سهلة،وفيه ملامح الاستغراب،والدهشة،والأُسلوب الساخر.
جاءت فكرة النص في النهاية عند تغيير مسار النقد السياسي لنقد الهمّ الثقافي للتعبير والاحتجاج على حالة المثقف الذي لم ينصفه الشرق،ربما لم لو استغنى عنها الكاتب لكان أفضل لأنها جاءت غير مناسية في وضعها في النهاية،كأنه انتقل سريعا لفكرة أُخرى تحتاج للتفاصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى