من ” المَذْرُوب ” إلى الدِّيمقراطية.. من الأدب الساخر
الأديب السوري موسى رحوم عباس | السويد، إسكلستونا
نحن بقايا البدو وأبناء الريف في هذا العالم الصغير دفعنا أثمانا باهظة؛ لنشاطركم النِعَم التي تتقلبون بها، لا قلب الله لكم سحنة، ولا بدَّل لكم نعمة، وغشينا مدنكم بثيابنا البالية، ولحانا غير المشذبة، ورضينا بالهامشي من الأحياء، وبالقليل من الزفت والكهرباء، تخلينا عن أشياء عزيزة علينا؛ عندما اكتشفنا أنها غير ذات فائدة، منها تلك العصا التي لا تخلو يد رجل منها إذا أراد الخروج من منزله، ومنهم والدي – رحمه الله – ولو أنه بالغ قليلا عندما أضاف لها الخنجر الذي يخفيه معلقا في حزامه قريبا من عموده الفقري سندا لوقت ” العازة” ومارسنا سنَّة الكون في التطور على ما نملك أعني العصا، فأضفنا لها كتلة من الجير( القار، القير) بعد أن غمسنا رأسها بالزفت وهو يغلي، ثم تركناها تبرد على مهل؛ فإذا هي سوداء من غير سوء، وعَلَتها هيبةٌ تبعث الرعب في قلوب الأعداء، وربما أضاف عليها بعضنا ممَّن منحه الله هبة الإبداع أوالكرييتفتي كما تقولون! فغرز في هذا الرأس بعضا من المسامير اللامعة، فزادتها جمالا على الجمال، وبالغت في نشر الرهبة في قلوب الخصوم، كل هذه الإبداعات رافقها تطورٌ في الاسم أيضا، فانتقلت من العصا إلى الدبُّوس إلى المَذْروب، ولأهل اللغة والمهووسين بالصرف، مذروب فيها الذال مبدلة من الضاد لقرب المخرج وللتخفيف، وهنا وزن مفعول بمعنى الفاعل أي مذروب بمعنى ذارب( ضارب) وهوعند العرب خروج مأنوس من اسم المفعول لمعنى اسم الفاعل، وأستشهد بقول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وأعترف أمامكم أني لم أكن من أهل المذاريب ليس ترفعا، بل جُبْنًا، وعندما انتقلت لهامش المدينة سعدتُ بأنني أصبحت مثل الناس هنا، ولستُ ملزما ببيان شجاعتي، وزاد الأمر حسنا لدي عندما انتقلت إلى مدن حقيقية في شمال أوروبا، وصرتُ أتحدثُ عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والفن السريالي، والكتابة العابرة للأجناس، هذه المسيرة رصدت بدقة أدهشتني من الصديق الأستاذ الدكتور موسى الحالول، وكنت أظنه مرَّ بمراحل التطور نفسها، إلا أنني اكتشفت حرقه للمراحل، وهو من عاش ودرس في جامعة بنسلفينيا الحكومية في أمريكا، حتى بتُّ مقتنعا أنَّه أودع “مذروبه” في مكتبة الكونغرس، أو متحف التراث المادي واللامادي في واشنطن دي سي ، لذا وجد ضالته في تتبع مسيرتي التطورية وهو متخفف من أحماله السابقة، ولكن المشكلة التي ظننتها ستثنيه عن متابعة مسيرة الرصد هذه هي لغته الإنكليزية الراقية وعدم احتوائها على المقابل اللغوي لوضعي الهامشي – أو هكذا توهمتُ – لكن ما زاد في دهشتي تجاوزه السريع لهذه العقبة الكؤود، حيث قام بنحت مصطلح عبقري من الديمقراطية التي وصلتُ إليها على غير حَوْلٍ مني ولا قوة والمذروب، فجاء بمصطلح أظنه يستحق عليه براءة الاختراع، وسأورده هنا، ولكني لا أضمن له الدعاوى التي ستقام عليه من أهل المذاريب أهلي وعزوتي، وبحث البروفيسور بعنوان:
MUSA ABBAS DEMATHROOBED: A CASE STUDY, 2022
أعلمه بأني مستمر في مسيرتي، ولن يثنيني هذا المصطلح عن متابعة الطريق الذي وجدت نفسي أنساق له سوقا، ولا حتى غمزه من عربية هذه المفردة، مستغلا اختصاصه في الأدب المقارن؛ ليقول: إنها مفردة ربما تكون تركية عثمانية!ولا أنكرُ تخوفي من أن أصبح من أصحاب السوابق، ومثيري الشغب، رغم أنني تأنسنت هنا قريبا من القطب الشمالي، وصرت ” كيوت ” ومن جماعة اللاعنف، وأذكره ببحثه الرائع حول ” أنسنة الجبال ” هب أني صخر مثل جبالك، بل ربما قالوا عني من دعاة التسلح حتى لو كان سلاحي مذْروبًا قُدَّ من خشب السنديان الوطني!!!!
والله غالب على أمره.
د. موسى عباس الصديق والاديب العزيز:
دمت متألقا في كل ما تجود به وتبدعه فتنشره.
خذنا إلى مداد حروفك في أي وقت وبأي لون تحب..ونحن من أتباعك!…