قراءة في قصص “الرّغيف الأسود” للكاتب حسن المصلوحي، 2020
بقلم: رفيقة عثمان
“الرّغيف الأسود” تحتوي على عدد من قصص الطّفولة للكاتب حسن المصلوحي، من المغرب العربي. ود اختار الكاتب هذا العنوان، تشبيهًا للحياة القاسية والمعاناة التي واجهها المصلوحي بنفسه؛ حياة الفقر والعوز والجوع، كما ورد صفحة 116 “ماذا فعل كل المحرومين والجائعين حتّى يكون كل نصيبهم من الحياة رغيفًا أسود؟”. كذلك تطرّق الكاتب الى الرّغيف الأسود ” من المسؤول عن هذا الواقع الأسود سواد الرّغيف الحافي غير هؤلاء الّذين يتلذّذون لمأساة الفقراء، هؤلاء الّذين تحوّ ل رغيفهم إلى قطران، وسرقوا ما تبقّى من زينة للحياة، سرقوا اللّحم والشّحم والفواكه الاستوئيّة، ولم يتركوا لمائدة المدحورين غير الخبز اليابس” صفحة 49.
إنّ قصص المصلوحي كلّها تعبّرعن حياة البؤس والجوع، والشّقاء، وغلبة الأسياد على طبقة الفقراء؛ واستغلال النّساء العاملات الساعيات نحو لقمة العيش، والحط من قيمتهن، من اغتصابات، وإهانات وما إلى ذلك.
كل هذه القصص تعبّر عن الحزن والألم والمعاناة اليوميّة التي واجهها كاتبنا المصلوحي في حياته، وحياة مجتمعه في حقبة زمنيّة تبدو قديمة جدّا؛ نظرًا لعدم مواكبتها للتطوّر الحضاري المعاصر.
قارن الكاتب حياة أبناء الفقراء المغربيين، بالأبناء الفرنسيين المحتلّين الّذين ينعمون بحياة الرفاهيّة والسعادة.
تطرّق الكاتب لأهميّة الأمومة “الأمومة أعظم مسؤوليّة يمكن أن يتحمّلها البشر، فالأم تجعل منك سيّدًا حرّا، وإما تصنع منك عبدًا ذليلًا بلا قيمة”.
تصنيف هذه القصص تحت المسمّى الأدبي بالسّيرة الذّاتيّة، وكتابة المذكّرات؛ حيث تطرّق الكاتب إلى تفاصيل دقيقة عاشها كاتبنا في طفولته، من مأكل ومشرب ونوم، وعلاقات مع الأصدقاء والأقرباء، وطقوس دييّة وأعياد.
هذه السّيرة الذّاتيّة تنطبق على السّيرة الجماعيّة للبيئة التي عاشها الكاتب في تلك الحقبة الزّمنيّة، فهي أيضًا تعتبر سيرة جمعيّة؛ على الرّغم من قساوة العيش إلا أن الكاتب يسترجع ذاكرته إلى الوراء قائلًا ” حين أستذكر ذكرياتي الماضية بدوّار بوغابات، فتلمع عيناي شوقًا لذلك الزّمن الجميل” صفحة 59.
سرد الكاتب قصصه بضمير الأنا في كافّة القصص، مع ذكر اسمه الشخصي (حسن)؛ ممّا تضيف مصداقيّة للنصوص المسرودة، وتجعل القارئ يتابع قراءة النّصوص بشغف. كما ذكر قائلًا: “أنا هكذا أحبّ ممارسة الحفر على ذاتي، أحبّ اكتشاف نفسي، اكتشاف “الأنا” الّذي كنته في الأزمنة الغابرة”.
وُصفت لغة الكاتب باللّغة القويّة والرّصينة، إلا أنّه وردت كلمات ومصطلحات عديدة ذات لهجة مغربيّة، يصعب على القارئ العربي فهمها بسهولة؛ إلا من ضمن السياق للمعنى.
زخرت النصوص الأدبيّة في القصص، بالمحسّنات البديعيّة الجميلة، والّتي زادت من النّصوص جمالًا أدبيًّا.
استطرد الكاتب بالوصف للأمور، حيث استغرق وقتا بالشرح حول حادثة ما؛ كما ورد الوصف حول اللّعب، الحريق، العيد.
امتازت العاطفة بصبغة السّواد، كما وصفها الكاتب بالعنوان، عاطفة الحزن والألم، والقهر، والبؤس والشقاء؛ إلا أن لحظات الفرح والسّعادة ضئيلة جدّا. صبغت القصص باللّون الأسود، والقطران.
تبدو أحداث المذكّرات وكأنّها منذ سنوت الثلاثينات، غير أنّ عمر الكاتب من الجيل الصغير؛ ممّا يدل على زمن الأحداث. جعلتني هذه السيرة الذّاتيّة في استغراب عجيب، هل يُعقل لهذه الأحداث أن تحصل في هذا الزّمن؟ ليس غربيبًا علينا أن نتشابه في نمط الحياة كما هو في المخيّمات الفلسطينيّة في كافّة الأماكن.
مذكّرات الكاتب أطلعتني على نمط حياة غريب وجديد، وأثرت مداركي نحو صعوبة الحياةوشظفها التي لاقاها المصلوحي، وعلى الرّغم من ذلك، جعلت منه إنسانًا منتجًا، كاتبً وشاعرًا،ذا قيمة رفيعة بالمجتمع.
^^^^
صدر عن: مؤسّسة مقاربات للنشر، فاس المملكة المغربيّة