غربة روح.. رواية تكتبها: أليسار عمران (3)
(7)
للهروبِ من صخبِ هذا الضجيجِ في العالم لالجوءَ إلا لغوغل متابعاً مجازر الحربِ متأثراً بما ينشرهُ الآخرونَ على حساباتهم الشّخصية تلفتُ انتباهه صورةً لقطعِ الرّأسِ من قبل جماعةِ داعشٍ فينشرها كحالةٍ في المجموعةِ ماهي إلا ثواني تصلهُ رسالة :أزلْ تلكَ الصّورة إنّها ترُوّجّ للعنفِ فيعتذر بكلّ لطافةٍ ثم يحاولُ التبريرَ موضّحاً أنّ الجميعَ قام بنشرها فتجيبُ ميرا هكذا تجري خطط الحربِ وترويجها كوسيلةٍ بصريّةٍ بدايةً لتصلَ إلى أدمغةِ المراهقين رويداً رويداً فثقافةُ الحربِ والحبّ واحدةٌ قد تستيقظُ عاشقاً وقد تستيقظُ مجرماً على حسبِ ما غرف دماغكَ من ردود فعلٍ منذ طفولتكَ حتى عمر الشبابِ فأنتَ بجميعِ من قابلتهم وتأثرت بهم فشكلوك على هيئتك الآن
اسمع داني لقد استشهد أخي منذ أسبوعٍ وأنا تحتَ تأثيرِ صدمةٍ تجعلني غير قادرةٍ على البكاء،لستُ أدري قد يكونُ بكاء القلب أشدّ ألماً طوبى لمن يسعفهم الدمعُ وينزفُ الذكريات دموعاً حين يعبرُ شريط الراحلين .ويختفي الاسمُ ويغوصَ في الغيابِ مرّةً أخرى
مضى حوالي خمسة أشهر على هروبِ نورة مع عشيقها المصري الذي هرب إلى بلاد الافرنجِ ليعيشَ طقوسَ الحريّةِ الجنسيةِ ويختبر تجرية المساكنةِ تمهيداً لخدعة الزواج لكنه لم يسعَ للحظةٍ واحدةٍ ليثبتَ زواجه مدنياً من نورةً فهو غير مجبرٍ بأن يفتحَ لها رصيداً بنكياً لتقترضَ المال منه وعلى كلّ الأحوال كانت غبيةً سلمته جسدها من الليلةِ الأولى وعليها أن تكملَ في علاقتها حتى تملّ وتنسحبَ بكلّ هدوءٍ
بدأ أسامة يغيّر عاداتهُ ،يستحمّ يتعطّرُ، يحلقُ ذقنهُ يلبسُ طقمه الأسود المكوي ولقد قرر أن يكون له صديقة أوربيةً فهو سيردّ لزوجتهِ الضّربةَ القاضيةَ وسيخرجُ من بين قوسينِ إلى العناوين العريضةِ محاولاً الاقتراب من باتريسيا التي اشتكتهُ مراراً لداني قائلةً: ماهذا الصديق الأحمق ياداني من أينَ أحضرته !
إنه يتحرشُ بي لقد طلبَ قبلةً فصفعتهُ ومضيتُ
كذلك باندا الشقراء قالت: قريبكَ الأحمق حاولَ التحرّشَ بي مهاجماً يريدُ خلعَ ملابسي دون أن يفهم لغتي جيّداً
لم تنفع معه حجج الترتيب والعطرِ والثيابِ الجميلةِ بأن يحصل على جذبٍ من امرأةٍ واحدةٍ،وما أتعسَ من يكتشف مؤخراً أنّ عليهِ إعادة ترتيبِ عمقهِ لا مظهرهِ فالعمقُ الرّائع يجعلُ من يلبسون الثيابَ المرقعة نبلاء وعظماء
أيّ مرارةٍ يلوكها الرّجالُ حين لايرتدّونَ عن الارتباطِ من امرأةٍ أخرى على إثر مرارة خيانة امرأةٍ سبقتها
ذاك الشّعورُ المهينُ والمذلُّ الذي يعطّلُ مكنة الدّماغِ البشري لتسري رغبةً شرسةً في جسدهِ للانتقامِ من كلّ امرأة
للصدماتِ النفسية آثارها في تصدّع النفسِ والرّوحِ التي تهتكُ أجساد أصحابها في الخروج عن المألوف
استمرت المحادثات بينَ ميرا وداني إنّهما يتبادلان أطراف الحوار فالحزنُ يدفع المكلومين للثرثرة بمحاولةٍ للهروبِ من التركيزِ على حالةِ الألم والفقدِ
اسمعي ميرا غداً سنجمتعُ معاً قربَ الكنيسةِ ستصلي أمي ونحضّر لحم الخنزير اللذيذ المعلب
ميرا:تباً لكم لحم خنزير إنّه حرام سمعتُ أنّ من يأكله يشبهُ الثّعلبَ حين يقتربُ من الآخرة ويصبحُ ديوثاً لا يغير على زوجتهِ
يضحكُ داني بسخريةٍ ويقولُ إنّه طعام أنجيلينا جولي ملكة جمال العالم التي حولت دارها لاحتضانِ الأطفال اليتامى على أثرِ الحروبِ دعكِ من هذا الكلام
اسمعي ميرا قال: تعالي ندخل مجموعة ملحدين بلا حدود ثم نشاعبُ بالتعليقاتِ معاً ونحرّك الركود الفكري نستحملُ بعضَ الشّتائم ثمّ نغادرُ
حسناً أجابت ميرا دخلا معاً يثيران الشغبَ ويستمعان للمسبّاتِ من الملحدين جميعهم
فقد تبينَ أن حتى الملحدينَ بدونما شعورٍ منهم أبرزوا هوية طوائفهم فهناك الملحد السني والملحد الشيعي والملحد المسيحي ، والملحد الدرزي ، حتى صارت المجموعة متأسلمونَ بلاحدودٍ لقد فهموا فكرة الإلحاد بشكلٍ خاطىٍ
اسمع داني تكتب ميرا البارحةَ رأيتُ رجلاً طويلاً طويلاً في المطار ثيابهُ ترفرفُ حول عظامه ، يلبسُ طقماً فضفاضاً مجعدا وشعره أشعثٌ لكنّ حذاءه باهظ الثّمنِ عاجلته بسؤالي اشرح لي لم أنت أشعث وأنيق الحذاء ضمن ذهول الجميع من الحاضرين
لقد شمخ الرجل واعتدلَ في جلستهِ ليجيب على ملاحظتي قائلاً نعم ملاحظتك صحيحة كل مايهمني في أناقتي حذائي الذي أحرص على الحصول عليه من لبنان بواسطة الأصدقاء المسافرين ويعجبني الممثل عادل أدهم لأناقته وكأنّ الرّجل بحذائه بحق
ضحك داني مطولاً وقال لكأنه يشبهني ياميرا كم حاولتُ أن أسمنَ ودفعت مبالغاً طائلةً ليرتفع وزني لطالما حلمتُ أن أضعَ صورتي على فيس بوك لكن الازرقاقَ بالجفونِ شوّه منظري لذلكَ تريني أضعُ صورتي في أول سنةٍ بالجامعةٍ كذكرى لأيامٍ جميلة مضت كنت فيها رجلاً وسيماً بكامل الحضور
يصغي داني إلى قصصِ النساء الشابات والمطلقات يتعاطفُ معهن يساعدُ نقدياً الجميع يؤمن فرصَ اللجوء إلى بلاده لقد قرأ عبارةً تقولُ من يريد أن يصبحَ سيداً عليهِ أن يقومَ بخدمةِ البشرِ
أتعرف ياداني:لا أنسى مشهد البارحة حين وصل أحد أفراد الجيشِ الذين نجوا من المجرزة بإدلب لقد فرح أهله فاستقبلوه بالزغاريد وإطلاق النار ابتهاجاً لمدة دقيقةٍ واحدة فقط صرخَ بهم اخرسوا هناك أمّهات تنفطرُ على أولادها ليتني كنت مع الشهداء وأجهشَ بالبكاء جعلني أبكي من شدة احترامي له
مشاهدٌ تعبر أمامي كاستقبالِ شهيدٍ يعودُ حياً بعد خمسِ سنواتِ
مشاهدٌ تشرحُ صدري ياداني بتلكَ العناية الالهية لقد غدت طقوس الأعراس حاضرة فقط بعودةِ شهيدٍ حيّ حسبه أهله متوفياً
مشاهد الشّماتةِ في العزاءِ،ونظراتٌ أمهاتٍ يقلنَ لغيرهنّ اختبرنَ طعم الفقدِ قبل أن تنطق شفاهكنّ بكلمة مواساةٍ جارحةواحدة، البكاء الصامتِ وانتظار عودة من رحلوا ،حيرةُ الأطفال الذين يفرحون بهطولِ المطر ويقولون بابا يفتحُ صدر الغيم لترتوي الحقول،الخطواتُ التي تسيرُ بذهولٍ وشرودٍ وحذرٍ حين يصبحُ الموتُ عادةً يومية ومسلسلُ التفجيراتِ ظاهرة ترفع الأدرينالين لدى السكان
أخبرني جارنا أنه دفن ابنه بيديهِ وفي المساء انتظره لينام بينهم
ليتني أهرب من ذاكرةِ الألمِ وأنسى انتظاري لأخي كانَ يحبني
ربما أنا أبكي عليّ لا أبكي عليهِ حدثني أي شيء لا أريدُ أن اتذكرَ
بعد سنةٍ طلبتْ منه ميرا أن يحصلَ خالها على اللجوءِ ليؤمن عملاً جيداً ويهاجر مع أسرته إلى السويد للحصول على الجنسيه فوعدها أن يتم الموضوع بأقرب وقتٍ
ذهبَ قي اليوم التالي إلى منزل خالته التي تقيم على مقربة منهم ببضع الأمتار وطلب من جينا ابنتهم السمينة أن تقبل بعرض زواج مدني من خالِ ميرا وأظهر لها صورته وطمنها أنه سيتحمل تكاليف سفرها إلى بيروت والتقاط الصور فالموضوع شكلي لا أكثر
بداية شعرت جينا بسعادةً كبيرةً لانها ستقدم العون للسوري الوسيم تحت القصف والحرب واستغرقت بالحلم وأخيرا ستلبسُ جينا البطة طرحة العرسِ وسيحسدها العالمُ على أنها تزوجت ولو كان زواجاً شكلياً
فخال ميرا متزوجٌ أصلاً ولايبحث عن عروسٍ
أعرب الجميع عن قبولهم للفكرة وسعادتهم وتلقوها بكل رحابة صدر
وسرعان ما غيّرت جينا رأيها وعزّ عليها صباها فجأةً وبدأت الصراخ والرفض والندبَ بعد سخرية الجميع على حظها
اتصلت بداني توبخه وتهدده أنها ستزور أمه لتفضح غباءه أمام خالتها وحين باغتوه بزيارةٍ هجمت عليه جينا بالشتيمة واللكماتِ تباً لكَ ألم تلتفت لجمالي لتجعلني أضحية !!
هزّ داني رأسهُ غاضباً وباغتها بشتيمتهُ المعتادة مازلتِ تلبسينَ الحفوضات بسبب تبولكِ اليومي على فراشك و تصلُ رائحةُ البولِ إلى أنفي اغربي عن وجهي أيتها الحمراءُ المقلية المستشيطةُ بالغباء قبحك الله لاخير للانسانية بك أيتها المعتوهة
حدثت القطيعةُ وأصبح داني حاضراً على أطراف أحاديثهم المسلية في الحي ،لقد كاد يقضي على نصيبها للأميرةِ التي مازالت تبولُ على فراشها ،لم ينتهي الحي من سيرة خيانة زوجته له وكأنّ المشموس عليه أن يتقبل الطعنات بذنبٍ او دونما ذنب
محادثة من بيروت:داني لقد أخبروني أن سوزي ستصل في شهر حزيران لتقضي إجازتها السنوية في بيروت
اشتعلَ الحلمُ مجدداً في مخيلتهِ ساقابلها وسأخبرها أنني لستُ جباناً سأخبرها أن الرّجل لايقتل ولايتسببُ بمقتلِ من يحبّ
(8 / الأخيرة)
كالعادةِ يتصل الرفاقُ الذين يراقبون المقهى في بيروت المكان التي ترتاده سوزي
ثمّ يتصلون مجدداً للاعتذار من داني بسببِ الشّبه الكبيرِ بينها وبين امرأةٍ أخرى فيعودُ داني لمتابعةِ عملهِ في الشركة تارةً ومحاولة تغييرِ أسامة ،واستقبال مراد الذي تحضر معه الرجولة كلها حين يحضرُ لزيارته
هو قارىءٌ نهمٌ يحاولُ قطفَ الحكمةِ من عبارات الأدباءِ العظماء لقد داهمت مخيلته اليومَ تلكَ العبارة الأدبية(أحبّيني بخرابِ نفسي أو أصلحي هذا الخراب)
يرددُ مستهزئاً من أين لها أن تصلح هذا الخراب تباً لي..
كانتْ أغنية أمينة المطربة المصرية(الحنتور )تمنحهُ أجنحة للحلمٍ سيتزوج نعم، وسيصبحُ لديهِ عائلة وسيصبحُ أباً أخيرا وفي الحفلة سيسمع المعازيم إلى قلبهِ (وحنركب بالدور كلنا عالحنتور ونحنتر دركن..دركن ونحنتر )
ماتبحثُ عنهُ يبحثُ عنكَ ياداني تقول ميرا ،دعكَ من الاستسلام للفودكا وانهض ،لكَ شيءٌ في هذا العالم فقم، افتح صدرك العاري بندوبه وستجد من يشتري
الحياة تُعاش
يغرقُ بالصمتِ ثمّ لايستوعبُ أيّما امرأةٍ ستلملمُ شظايا نفسهِ المتبعثرةِ كالبلّور المكسور
استيقظَ في الصّباح الباكر واستقلّ سيارته إلى شركة الاستيرادِ والتصدير الخاصة بوالديه فقط والذي عينوه مديراً لها
ثمة تجمعٍ للشرطةِ في الشارع ينظمون ضبطاً لمخالفةً سيرِ بحقّ رجلٍ يقود سيارته مخموراً يلقي ضحكة سخريةً عليه
سيسحبون لك رخصة القيادة لمدة عامٍ كاملٍ أيها العربي المسكين
ويكملُ طريقه،دوريّة شرطةٍ تلقي القبض على مجموعة رجالٍ من أحد البلدان العربية لأنهم حولوا شقتهم إلى بار دعارة فبالرغم من إكرام السويد لهم ومنحهم رواتب عالية وسكنٍ مجاني يتابعون أعمالهم الشائنة ببيعِ جسد النساء هم لايعرفون أنّ تعريف الزنا في تلكَ البلاد هو :بيعُ الجسد لقاء المال
على الطرّقاتِ الفرعية انتشرت مطاعم السورييين التي تقدم أفخم وألذّ الوجبات السورية وكان الاقبالُ عليها كبيراً لقد اشترى قرص الشنكليشِ بعشرةِ آلافِ يورو لندرته ،وسيشتري الكشك اللذيذ مهما كان ثمنه وصحون الكبة الحلبية والمناسفِ الشامية
وخبز التنور ،السوريونَ يملؤون البلاد بنشاطهم وحيوتهم واغانيهم التي حفظها السكان حتى دبكاتهم والفولكلور الشعبي الذي ينشر الفرح والاصالة
يصل داني شركته وييتوجه لالقاء السلام والتحية على العمالِ
يتحركُ الموظفون بنشاطٍ ويمرّ (تيو) الشابّ المثلي يهزّ مؤخرته متمايلاً ويستندُ بأحد ذراعيهِ على الطاولة محاولاً لفت الانتباه لمن يهمه الأمر يمضغ علكة الصنوبر ومن ثمّ ينقلُ البريد الصادر بين الاقسام لا أحد يفكر بأن يوجّه له أي أذيّةٍ فحقوق المثليين محفوظة في بلادهم بعد أن أقرّت تجارب البحث العلمية المضنية أنه لامجال في تغييرهم القانون يفرض على الجميع تقبلهم والتعايشِ معهم
تدخل ستيلا موظفةٌ فلسطينيةُ لأبٍ فلسطيني الجنسيةِ وأمّ استرالية بشعرٍ أسودٍ ناعمٍ وقامةٍ ممشوقةٍ وخصرٍ طويلٍ فيضمر داني في نفسه أن يفاتحها فوراً بعرضِ الزّواج يتحادثانِ لبعضِ الوقتِ ثم يطلبُ منها أن تقبل دعوته إلى مقهى قريب في المدينةِ كم يتمنى أن يشابه مراد ويفرضُ حضوره في المقهى أمامها وهو يشمخُ وينادي النادل بضرب الطاولة ليهرع لتلبيته،إلا أنّ شعوره الكبير بالآخر يجعله يهرولُ لاستقباله ،يقفُ له باحترامٍ ،وقد يهرولُ ليحملَ عنه الصينية ،ويمسحُ الطاولة نيابة عنه،كما لوأنّه مزيجٌ مسالمٌ من لواء اسكندرون وأناقة حنونة من صافيتا
تصلُ ستيلا وتجلسُ راسمةً ابتسامة ثقةٍ عاليةٍ على وجهها
فمن سمات الشعوب الراقية رسم الابتسامةِ على المحيّا إنها أسهل الحسناتِ على الاطلاقِ
ستيلا:أنا داني محمود جمال، مطلق، عقيم،أبحثُ عن زوجةٍ تشاركني بقية عمري،أحلمُ أن أتبنى معها الأطفال فالقانون هنا لايمنحني حقّ التبني دون زوجةً
تهزّ ستيلا رأسها وتضحكُ بصوتٍ عالٍ،وتجيبُ بالتأكيد لا ياداني
حسناً جوابٌ كنت أتوقعه وقد اعتدتُ عليهِ،لابأس فلنكملُ جلستنا بالتحدثِ بأيّ شيءِ
عادَ إلى منزلهِ وفي المساءِ عاود البحثَ عن حلمهِ المفقود سوزي
بعد الكأس الثالثِ من الفودكا خطر له أن يرسلَ( سي في) التعريف به إلى كلّ هذا العالم، بالعراق ،فلسطين،لبنان،سورية،المغرب،الجزائر،إلى كلّ بلادِ الحروبِ دفعةً واحدةً بنوبةِ جنونٍ هستيريّة،أنا داني محمود جمال
الملقب بالديوث لأني لم أطلق الرصاص على زوجتي التي خانتني مطلق،وعقيم درست القانون الدولي، وسأحاضر في حقوقِ الانسانِ على منصّة الأمم المتحدةِ وسقطَ بين زجاجاتِ الفودكا المتراكمةِ حولهِ
حينَ يوصد هذا العالم كله أبوابه في وجهكَ يفتحُ الله لك باباً حسبتهُ مغلقاً إلى الأبد
ثمة رسالة تصله من ميرا:سأحققُ حلمك ياداني، اسمع البارحة تحدثت مع فتاة حظها سيءٌ بسبب قصرِ قامتها،فعرضها يساوي طولها فتاة مسكينةٌ جميع من يتقدم لها يخبرها بأنّه يريدُ أن يضيف مرتبها لمرتبهِ ليكون قادراً على الزواجِ لم تفلح حتى اليوم بارتباطٍ حقيقيّ أعتقد أنها ستقبلُ بكَ حين تتواصلانِ لديّ أشغالٌ كثيرة
وبالفعل تواصل داني مع سونيا
أنا داني محمود جمال سونيا لقد حدثتك عني ميرا صح!
سونيا:لقد تقدم لي الكثيرون لكن رفضتهم ولكن حين سمعت عنك قررت أن أفكر قليلاً ثم أرد عليك خبراً
لقد قبلت سونيا من اللحظة الأولى ولكنها ظنت أنّ داني سيقول عنها خفيفة وأنها تستهين بنفسها كما قال عنها الجميعُ في قريتها وفي القرى المجاورة لقد كانت مستعدة لسحبِ قرضين معاً لشابّ بشرط أن يقبل الزواجَ بها،الجميع يحظرها على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب أسلوبها الغبي فأيّ كلمة لطيفة يكتبها شابّ ما تسأله هل ستتزوجني!
فيحظرها للفور
كان داني يضحكُ من أحاديثها البسيطة لقد وبخت الجميع والدها الذي يصرخُ طوال الوقت وتحدثت له عن متاعبها بالاعتناءِ بأخيها المثلي الذي روت له أنّه تعرّض لحادثة اغتصابٍ وتم لملمتها والتكم عليها من قبل الجميع فهذا أمرٌ يجلبُ العار لهم ولا يقبلون التصريح به،وهي تشكّ أنها منبوذةٌ بسببه
وقد لا تحظى بأيّة فرصةٍ للزواج
أخبرته عن خبرتها بعمل المكدوس لقد انتهت من يومين من تخضيرِ مئة كيلو من المكدوس وقد باشروا بالتهامهم دفعة واحدةً لأنه لم يتبقّ لديهم مزيداً من النّقودِ
:عليك أن تطالعي ياسونيا وأن تكوني قادرةً على إدارة حوارٍ وتقومين بتطوير نفسك
كانت تبتسمُ وتحاول أن تشمخ برأسها فوق جسدها المستدير
أسرعت في اليوم التالي إلى تلوين شعرها بالاشهر البلاتيني
تعبيرا منها أنها تشابه الأجانب واعتنت بأظافرها وألصقت أظافر صناعية وأرسلت له صورتها قائلةً :هل أبدو أجنبية!؟
لقد صعقه المنظر المضحك لكنه جاملها وقال نعم تبدين جميلة
وبعد حواراتٍ طويلة لم يكن يحتاجُ أكثر من تلك البساطةِ ليؤسس معها أسرةً بسيطةً
الطلاقُ يترك أثره في كلّ الرجالِ وخصوصاً حين يكون سببه عدم الانجابِ من دون أن يعي كتب لها حسناً سونيا لا أريدُ أن أظلمك وأحرمك من الأمومة فكري جيداً قبل أن توافقي على اتخاذ قرارك سأختارُ لكِ زوجاً مناسباً
لقد تذكر مراد وسارة كان حلمهم الوحيد امرأة تنجبُ لهم أطفالاً دون أن تستخدم القانون وتأخذهم وترحل إلى بلادٍ بعيدةٍ
لقد فكرت سونيا وأجابت نعم أريدُ أن انجب طفلاً واحداً مني ياداني
كانت فرحة مراد كبيرة حين تعرف على سونيا وكانت أحاديثه عنها أمام داني تحوله رويداً رويداً إلى رجلٍ يتكورُ
ليختفي كنقطةٍ تحت كلمةٍ
لقد شربَ البارحة جميع زجاجات الفودكا وكتب منشوراً على صفحته
أنا داني محمود جمال الملقب بالديّوث لأنني لم أقتل زوجتي الخائنة ولقد أثبتت التحاليل الطبية أنني رجلٌ عقيم
هل من امرأةٍ في هذا العالمِ ترضى بي زوجاً لأتبنى الأطفال وأقوم بتربيتهم ورعايتهم !
لقد استيقظ في مصحٍّ لمعالجةِ الادمان في ولايةٍ بعيدةٍ
لقد فقد السيطرة على خيباته وأصيب بتشمع الكبدِ
لكنه وجد راحة وأماناً في المصحّ واكتسب صداقاتٍ جديدة وأصغى إلى هموم المدمنين في المصحّ فوجد حالته أخفّ وطأةٍ من الجميعِ
بعد خمسةِ أشهرٍ لمحَ طيف ضيوفٍ يقدمون نحوه رجلٌ يمسكُ بحنانٍ بأصابعِ صبيّةٍ جميلةٍ ولكم صدمه المشهدُ
إنّهما نورا وأسامه لقد عادا لبعضهما مجدداً كمن يقبضُ على حلمٍ لا يريدُ أن يستيقظُ منه
أيعقلُ أنّ معدن البشر قادرٌ على الغفرانِ الكبير حين يبتعدُ عن محيطٍ يجلده ويجلدُ أخطاءه!!
لقد أعدت له نورة كبة اللحم وورق العنب أما أسامة فقمة بالاناقةِ الجميع في المصحّ يغار من سحرهما معاً
ضحك أسامة وقال:نورة حامل بالولد الخامس وليتك تصدق أنها لاتسمح لي بالجلي والطهي كل شيء تبدل ياداني
بالهم داني الضحكات وهمس ممازحاً أسامة يل أخي ما أجملك لوكنت تحممت وحلقت ذقنك منذ زمنٍ بعيدٍ إنني رغم خيبتك أحسدك
تزوجت سونيا من مراد، وتزوج محمود والد داني من امرأة سورية في جرما وأنجبت له صبيا
أما ابن أخته علي المدلل فلقد أطلق النار على مسلمٍ متطرفٍ
فقال صهره حذاءه لينقذ ولده ويسفره كي لاتعدمه السلطات
سافر داني هذه المرة إلى بيروت وجلسَ في المقهى التي تجلسُ بهِ سوزي يصغي إلى الموسيقا عام٢٠٢٠
ثمة أصابعٌ ناعمةٌ تحضنُ وجهه من الخلف وتهمسُ في أذنهِ مرددةً كلماته أنا داني محمود جمال ،مطلق وعقيم وأبحثُ عن زوجةٍ أبني معها أسرةً هل من امرأةٍ في هذا العالمِ تتزوجني
إنّها سوزي نصف روحه الذي يتابعه على مدار عشر سنواتٍ
يغني عبد الحليم حافظ فجأة:حين تلاقت عيناهما لأول مرة بعد فراقٍ عظيمٍ لوحكينا ياحبيي نبتدي منين الحكايه
يتعانقانِ يبكيانِ لمدة نصف ساعةِ
لقد توفي زوجها منذ خمس سنواتٍ لقد كان عقيماً لاينجبُ الأطفال فتبنت سوزي طفلين لأهالي الشهداء
في عام٢٠٣٠
منزلٌ كبير في العاصمة استكهولهم تضمّ الفرق الموسيقية والراقصة والأولمبيادات العلمية والورشات الفنية التي تعتني بتربية الحيوانات والأشجار والاعمال الحرفية
فالحياة أن تحظى بأمّ عظيمة وأبٍ عظيمٍ أما الديوثُ فهو هذا العالم المجرم الجشعُ الذي يقتلُ ضحكة الاطفالِ وينذر بتصحر الروح وفناءِ الجسدِ
(انتهت)