الحرُّيَّةُ الشَّخصيَّة.. بين دعوات العلمانيين ومنظور الإسلام

محمد أسامة | الولايات المتحدة الأمريكية

منذ مدَّةٍ قريبة فازت عداءةٌ مصرية في إحدى السباقات الرياضية وكانت ترتدي ملابسًا عارية، وقد برزت بمظاهر خليعة، وكانت متباهية بجسدِها العاري، وبفعلها الفاحش، فلقيت نقدًا من قبل المحافظين والمتدينين، بينما انبرى نفرٌ من العلمانيين يدافعون عنها باستماتة، ويحامون عنها بكل تبجُّح، ويمنحونها حرَّيتها في ملابسها بشكلٍ مطلق حتى لو كان في ملابسها زذيلةٌ تضرُّ بالمجتمع، ومعصيةٌ تتنافى مع الدين، وفعلٌ يُغضب المولى عز وجل.
وفي واقعة أخرى دافع كذلك العلمانيون عن الشواذ وأصحاب المثلية الجنسية، بدعوى أنها حرية شخصية، وأنَّه فعل يخصُّهم ولا يضرُّ غيرهم، متغافلين تمامًا عن المفاسد الدينية والمجتمعية من انتشار تلك الرذيلة القذرة، وهذا الفعل المضاد للفطرة، والتي يشمئز الفرد من مجرَّد ذكرها وسماعها، وربما سمع بعضنا عن جُدري القرود الذي يسبِّبه الشذوذ وهو ما يُبين خطورة معتقدِهم، وقُبح ما يدعون إليه.
ومن الواضح منذ زمن طويل أن الفئة اللادينية من العلمانيين لديهم تصوُّر خاطئ حول مصطلح الحرية الشخصية وتعريفها، ومدى حدودها ومفهومها، وهذا هو سرُّ تشدُّقِهم بها حتى لو تعارضت الحرية الشخصية مع القيم الدينية، أو تنافت مع المعايير الأخلاقية والمجتمعية، وهو مفهوم خاطئ يضرُّ بالمجتمع ضررًا بالغًا، ويصبُّ عليه ألمًا موجعًا، وهو ما يدفع العلمانيين دومًا للدفاع عن الزذيلة بذريعة الحرِّيَّة الشخصية.
الغريب أن مبدأ الحرية الشخصية المطلقة الذي يستعصم به هؤلاء سرعان ما يتلاشى ويندثر سراعًا، ويتبخَّر تباعًا، إذا ما توافقت حرِّيتهم تلك صدفةً مع قيمة دينية، فنجدهم يحاربون النقاب ويتصدُّون له، ويدعمون القوانين التي تنهى عنه، وينكرون على المتدينين تمسَّكهم بالشعائر الدينية، فلماذا يدافعون عن الشذوذ، ويحامون عن التعرِّي والتبرُّج، ويرفضون التدخل في شؤون أصحابها باعتبارها حرية شخصية، بينما هم أنفسهم يتدخَّلون في شؤون المنتقبة، فيدعمون القوانين التي تحرِّض على خلعه بالقوَّة. فلماذا إذًا يدافعون عن المتبرِّجَة ويمنحونها حريتها الشخصية في عمل المعصية، بينما يحرمون المنتقبة من حرِّيتها الشخصية في عمل الطاعة؟
بالطبع الحرية الشخصية حقٌّ أصيل للإنسان لا يمكن الجدال حوله، ولا يمكن المزايدة عليه، فليست أزمتنا بها في حد ذاتها، ولكن الأزمة في سوء فهم مصطلح الحرِّيَّة عند كثير من الناس، فإن الحرية الشخصية لا ينبغي أن تكون أداة أو ذريعة للدفاع عن الرذيلة، أو المحاماة عن المعصية، أو التحريض على شيءٍ يتنافى مع الدين، أو يتعارض مع الخلق القويم، فتخيَّل عزيزي القارئ ما الذي سيصيب المجتمع إن انتشرت فيها الرذائل، وشاعت فيه القبائح، وسُمح فيه بالتعرِّي والتعهُّرِ، وانتهِكت فيه محارم الدين، كيف سيكون هذا المجتمع المعبَّأ بكل تلك الأسقام قادرًا على مواكبة التطوُّر، ومجاراة التحضُّر، والأخذ بأسباب العلم والحداثة، وهو بعد لم يتخلَّص من رذائله، ولم يتطهَّر من نجاساته، بل وتدافع عن تلك النجاسات بذريعة الحرية.
إنَّ الحرَّية الشخصية حقٌّ مقدَّسٌ، أصيلٌ معظَّم، ولكنَّها في الوقت ذاته لابد أن يكون لها حدود، وأن تتَّفق لها ضوابط، حتى لا يصير منعها تمامًا تطرُّفًا ممقوتًا، ولا يشكِّل إطلاقها انفلاتًا منبوذًا.
وأوَّل ضابط من ضوابط الحرية الشخصية ألا تتعارض مع قيم الدين، ولا تتنافي مع صحيح تعاليمه، فلا خِيرة فيما أمر به الله، ولا فيما أقرَّه الشرع، ولا ينبغي أبدًا منحها لمن يعصي الله، لأنَّه حتى لو كان حُرًّا مخيَّرًا فإن حرَّيته تلك ستكون مقرونةً بعذاب من الله في الآخرة، وخذلان للعاصي في الدار الآجلة، فكيف ندافعُ عن فعل يُودي بصاحبه إلى فساد دنياه، وخسارة آخرته.
كذلك لابد للحرية الشخصية، ألا تتعارض مع قيم المجتمع الأخلاقية، فلا يجوز التعرِّي في مجتمع محافظ، ولا يجوز تبرير الفجور في وَسَطٍ متديِّن، لأنَّ الدفاع عما يتعارض مع القيم والأخلاق باسم الحرية حتمًا سيدمِّر المجتمع، وينتسف أخلاقياته، ويُلقي به إلى التهلكة.
إن الأزمة حول الحرية الشخصية التي يستعمل العلمانيون مُصطلحها للدفاع عن الرذائل، والمحاباة عن المفاسد، نابعةً من سوء فهم لمفهومها، وعدم تقدير لمعناها، فالحرِّيَّة الشخصية هي ما يخصُّ الفرد وحده، وتتعلَّق بأفكاره وخصوصياته دون غيره، وما يكون بينه وبين ربِّه، أو ما بينه وبين نفسه، وطالما أنَّها لا ضرر منها على غيره فهي له، أمَّا إن شاركها مع مجتمعه، وحاول نشر تلك الرذيلة حوله، صار الأمر عامًا وليس خاصًا، وصار لزامًا على المجتمع أن ينتفض لصد تلك الرذيلة، والحد من انتشار تلك المفسدة، فالأمر هنا لم يعد شخصيًّا طالما تعدَّى أثرها إلى غير صاحبها، لذا كانت محاربتنا لتلك المظاهر ليست تدخُّلا في شؤون هؤلاء الخاصة، إنما كانت دفاعًا عن مبادئ الدين وأخلاقيَّات المجتمع، ودعوة للإصلاح بين الناس، ودرءًا لانتشار الرذيلة والمفسدة، ودعوةً إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنَّ المجتمع إذا انتشرت فيه المعصية، وشاعت فيها الرذيلة، وتبدَّدت فيه الفضيلة، كان ذلك سببًا لجلب غضب الله عزوجل وهو القائل (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

إنَّ محاربتنا لانتشار ما في المجتمع من تلك رذائل، ورفضنا لما يشيع فيه من قبائح، ومساوئ تتناقضُ مع الدين والخلق، وتُفسد المجتمع وما به من القيم، ليس تدخُّلا في شؤون أولئك الشخصية كما يتوهَّم العلمانيون زورًا وبهتانًا، ويطنون ظُلما وعدوانً، ولا حدًّا من حرِّيَّتهم الشخصية إطلاقًا، وليس تطفُّلًا ولا إفسادًا، ولكنه عملٌ بمبدأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقد قال”من رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” أي أنَّك عزيزي المؤمن مطالبٌ برفضِ المنكرات من حولك، وإنكارِ ما تشاهده من معصية أمامك، حتى لو كان رفضًا بقلبك فقط دون عمل أو قول وهو أضعف الإيمان وأقلِّ المراتب، ولستَ مُطالبًا بالدِّفاع عنها أو تركها باسم الحرية الشخصية، فالمنكر إن خرج به صاحبه إلى الشارع، ونشره في المجتمع، تحوَّل فعله من حريَّةٍ شخصية إلى حرية عامة يتشارك فيها المجتمع، ويتدخَّل فيها الناس، طالما أنها مسَّتهم بخيرٍ أو أذى، وألقَت عليهم بنفعٍ أو ضرر، ومن حقِّهم رفضها إذا ما كان فيها تنافٍ مع الدين، أو تعارضٌ مع الخلق، أو شذوذٌ عن القيم، فلا حريَّة فيما يعارض نصائح النبي وأوامره، ويخالِف حديثه وهديه، وإن الحريَّة الشخصية تلك تسقُط إذا ما تعارضت مع قيم الدِّين، أو تناقضت مع الخلق القويم، ولا ينبغي أن تكون ذريعةً للدفاع عن الذنب، وتبريرًا لارتكاب الإثم، فمن شاعت فيهم المعصية أوشك الله أن يعمَّهم بعذابٍ من عنده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى