منظمة الأمم المتحدة الأمريكية ومفارقة الحرب والسلام في اليمن (2)

إبراهيم محمد الهمداني

استطاع اليمن أن يخرج من مسار الهلاك والضياع والاستلاب، الذي وضعته القوة الاستعمارية، بمنظمتها المتحدة ومجلس أمنها، وذلك بفضل ثورة ال21 من سبتمبر 2014م، في صيغتها الشعبية الخالصة، التي لم ترتهن لأي قوى خارجية، لا توجيهاً ولا تمويلاً ولا ولاءً، وبفضل قيادتها الحكيمة الربانية الملهمة، ممثلة بالسيد القائد العلم المجاهد السيد/عبدالملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله، الذي اختط للشعب نهجاً ثورياً ناجحاً وراقياً وحضارياً بامتياز، فكان نجاحها محققاً، ورؤيتها وفلسفتها مثار إعجاب ودهشة الصديق والعدو، ونهجها المتفرد بتعاليه على الجراح وإيمانه بالشراكة والإخاء والمسئولية الجمعية، وابتعاده عن الإلغاء والتهميش والإقصاء، موضع اعتراف وإجلال وتقدير العالم بأكمله، وهو ما أعلنت عنه الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وأشادت به صراحة، بوصفه نموذج حكم فائق المثالية والإنسانية، لكنها سرعان ما انقلبت عليه وتنكرت له، وأدانت ما باركته بالأمس من إرادة الشعب وحريته واستقلاله، لتعود إلى سالف سياستها، وظلالها القديم، وهوايتها في ممارسة تدجين الشعوب، وتعميم الاستلاب والتبعية، لكن اليمن استطاع مرة أخرى، الانتصار لإرادته وثورته، وكان له حكاية مع منظمة الأمم (الاستعمارية) المتحدة، ماتزال تفاصيلها تروى سجالاً من الأحداث والتداعيات حتى كتابة هذه الأسطر في سياق مسيرة التحولات السياسية العالمية، التي يمثلها في الطرف الأول الإمبريالية، بزعامة وإدارة أمريكا وبريطانيا، وتنفيذ المملكة السعودية وأخواتها، ضد الطرف الثاني، الشعب اليمني الذي رسم بصموده الأسطوري، مسارات انتصاره العظيم، وبتضحياته الجليلة، وعظمة قيادته ومشروعه، استقلالا وسيادة وحرية، لا يمكن ان تنتزعها منه أعتى القوى على وجه الأرض، وهي بالفعل قد عجزت عن ذلك وتوالت هزائمها التصاعدية، وتساقطت رهاناتها وأقنعتها، وقطعت أذرعها، بداية من أدواتها وعملائها المحليين، ووصولا إلى منظماتها واتجاهاتها ومراكزها العظمى، التي أصبحت أوهن من بيوت العنكبوت.
لم تعد الأمم المتحدة ولا أمريكا ولا غيرها ممن تسمى بالقوى العظمى، هي صاحبة القرار في حاضر ومستقبل اليمن، ولم يعد في رصيد الولايات المتحدة الأمريكية، من مقومات الهيمنة والاستبداد، ما يؤهلها للقفز على إرادة الشعب، من خلال إعادة فرض ذات الهدنة المفرغة، التي رفضها اليمنيون مسبقاً، أو من خلال تبني وإعلان مشروع قرار حرب شاملة، قد تقودها أمريكا بنفسها، غير أن ترجيح صدور أكثر الخيارين (الهدنة أو الحرب) احتمالاً، عن الإرادة الأمريكية حالياً، بما هي عليه في وضعها الراهن، يعد أمراً في غاية الصعوبة، لأن أمريكا – بما هي عليه في تموضعها الوجودي والسياسي – قد أفلست سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً وإمبريالياً، وبلغت مرحلة متقدمة من الشيخوخة والضعف، والانهيار التدريجي والموت البطيء، ولم يعد في جعبتها من إرثها الاستعماري، سوى حق (الفيتو)، الذي أسرفت في استخدامه – لصالح الكيان الصهيوني لأكثر من ٤٣مرة، حتى فقد قيمته وهيبته، وأصبح رمزاً لعقلية التخلف والهمجية والتسلط، التي تختلف تماماً عن طبيعة المشروع الحضاري الذي تدعي حمله، خاصة وقد تحولت من لاعب أساس، في صياغة ورسم المشروع الإمبريالي الغربي، إلى أداة رخيصة بيد المشروع الإمبريالي الصهيوني.
مما لا شك فيه أن الحرب على اليمن – في إعلانها الأول 26مارس 2014م – كانت رغبة أمريكية خالصة في المقام الأول، مهما حاولت تقديمها في قوالب الشرعية الدولية، ورغبة المجتمع الدولي، ضمن صلاحيات مجلس الأمن المجمع عليها أممياً، ذلك لأن تنفيذ قرار الحرب، كان سابقاً لعملية استصداره، وصدوره عن مؤسساته المعنية، وكان الدفع بوزير الخارجية السعودي (عادل الجبير)، لإعلان الحرب على اليمن من واشنطن، باللغة الإنجليزية، تصرفاً في منتهى الغباء والحماقة والرعونة، نظراً لما انطوى عليه من المفارقات المتناقضة، المنتهكة لكل القواعد والأعراف والمبادئ السياسية والعسكرية والدبلوماسية، عكس حالة من التخبط والسقوط والابتذال السياسي، في شخص المعلن السعودي (الجبير) ومنصبه، ومنطوق الإعلان (اللغة الانجليزية)، ومكانه (الأمم المتحدة)، فلا شخص المعلن ولا منصبه، يمنحه حق صلاحية إصدار الإعلان، ولا لغة الخطاب/ الإعلان (الإنجليزية)، مناسبة لسياق حرب عربية/ عربية، ولا مجلس الأمن/ الأمم المتحدة، المكان المناسب لمثل ذلك الإعلان، لأنها لو كانت حرباً سعودية يمنية، فالمعني بإعلانها هو وزير الدفاع السعودي، ولو كانت عربية/ يمنية، لكانت الجامعة العربية هي المعنية بإصدار القرار، وإعلانه على لسان أمينها العام، ولو كانت حرباً دولية على اليمن، لكان مجلس الأمن وأمينه العام، موضع تلك الصلاحيات، ولا يوجد مبرر لغباء (الجبير)، وحماقة الإدارة الأمريكية التي باركت قراره، سوى تماهي الرغبة الأمريكية الاستعمارية، مع مشروع العدوان العالمي على اليمن، ونزعتها الاستعمارية إلى استعباد الشعب اليمني، وإعادته إلى حضيرة الطاعة، أو محوه عن الوجود.
تصدرت أمريكا مشهد العدوان على اليمن، ومضت علناً تحشد الجيوش المرتزقة، والمواقف السياسية، وتعلن التعبئة العامة، في غطرسة وصلف وحقد، لم يشهد لها العالم مثيلاً، حيث جَسَّد الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، فصولاً من تلك المشاهد الإجرامية، والصلف والقبح والانحطاط الاستعماري، وهو الذي أعلن غير – متحرج – أكثر من مرة، أن الحرب على اليمن يأتي في سياق تفعيل المشروع الإمبريالي الصهيوني، وليس أمام الشعب اليمني، سوى الانصياع والتطبيع، أو الاستمرار في تجرع الموت البطيء حتى آخر نفس في مشروع الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى