الفلسفة وسطوة النُخَب العقلانية البيروقراطية
نحو استقلالية الفلسفة عن سلطة المنطق الأكاديمي الإفلاطوني الكلاسيكي
بقلم : عماد خالد رحمة | برلين
لم تكن قراءتنا للرؤية الفلسفية مشوّشة أو غامضة، بل حَمَلت أبعاداً راديكالية في متابعة ما كتبه الفلاسفة والنخب الفكرية والثقافية العربية والعالمية، مع الملاحظة والتدقيق على التركيز على إعادة النظر في مفهوم (النُخَب) بوصفه مفهوماً فلسفياً وأكاديمياً وثقافياً ومعرفياً، حيث يمكن لتلك النُخَب أن تمثِّل قوة كبيرة بيد الطبقة السياسية الحاكمة المسيطرة والقابضة بيديها على كل شيء تقريباً في الدولة، أو ما يُعرَف بالنخبة السياسية التي تتحكَّم وتسيطر سيطرة فكرية ومعرفية وثقافية وتمأسس الطبقات الاجتماعية المغتربة عن كنه وماهية وحقيقة ذاتها المبعثرة والمتشظية تحت سلطة وسطوة وايديولوجيا هذه النُخَب.
لذا يمكننا استعراض بعض التيارات والمفاهيم ومشاريع الخطاب الفلسفي العربي والعالمي بشكلٍ سريع، محاولين إعادة نقد ومساءلة السلطات الأكاديمية، وكذلك الأكاديمية الحاكمة السلطوية المتجذرة في جغرافية وتضاريس البحث والدرس الفلسفي ومناهجه التعليمية والمعرفية، والتي غلب عليها بشكلٍ كبير وواضح منطق البرجوازية الصاعدة المسيطر بقوة على التاريخ والواقع والوجود عبر المعرفة الوضعية التي تمت تسميتها بــ(المطلقة)والقانون الكلي ،وقوانين الأخلاق، وقوانين النواميس.
من هنا يمكننا الوصول إلى مرحلة الكشف عن ملامح (مملكة القانون) وأسوارها وحصونها، هذه المملكة تسيطر بشكلٍ كبير وغير مسبوق على الخطاب الأكاديمي والعقلاني البيروقراطي سواء في انتاج مفاهيم وكوامن النص الفلسفي المتحوّلة إلى حقائق كليّة وأبدية، أو في طرائق الكتابة والتعبيرالواضح والصريح.
لقد سارت الكتابة الفلسفية وفق نسق معيّن بخاصة ما بعد الهيمنة والسطوة النخبوية. فقد عجّت المعاجم والقواميس الفلسفية بأهم المرتكزات الرئيسية في تاريخ ثقافتنا العربية بشكلٍ خاص والفلسفة بشكلٍ عام والتي يمكن أن تؤلف مساراً مهماً وباباً واسعاً نلج من خلاله نحو قراءات وتحليلات وتأويلات لطبيعة الأقوال الفلسفية ووظائفها المتنوعة والمتعدِّدة ضمن نسقها الاصطلاحي والمفاهيمي والإشكالي في الخطاب العام.
هذا المسار يساعدنا في الاطلاع على الأبعاد الأيديولوجية التي رافقت تأليف وترجمة القواميس والمعاجم الفلسفية. لذا من الصعب أن نفصل بين بنية المنطق المهيمن على تلك العملية،وما تركته من آثار على الطريقة التي يتم واسطتها إنشاء النظرية الفلسفية، وعلى ظاهرة تطور وصعود خطاب الطبقات الأكاديمية ذات الصبغة العقلانية،وذات التوجهات البرجوازية النامية والتي كان لها دور تحويل الدرس الفلسفي إلى صيغ شكلانية وعلمية ونظرية لا تتسع لاستقبال الوجود على اتساعه ضمن نسق المقولات الوضعية التي تساهم في انتاج قيم وتطلعات النخب التي سارت باتجاه البرجوازية في المؤسسات والدوائر الأكاديمية المنتشرة على مساحة واسعة من الجامعات.
من هنا، يمكننا القول إن الظاهراتية أو (الفينومينولوجيا)، وهي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر لها دور في تشكيل الخطاب الفلسفي الذي يساهم في العمل الموسوعي حول الفلاسفة العرب المعاصرين ودورهم، هذه العملية اعتبرت كخطوة أولية نحو الاستقلال الفلسفي من خلال الكتابة والعرض والتأويل (الهيرمينوطيقا)لأهم الفلاسفة الكبار الذين يسعون إلى التجديد الفلسفي المرتكز على النهضة الثقافية في الوطن العربي.
وهذا دلالة واضحة على صحة المشروع الثقافي الذي يسير وفق نسق الكتابة الفلسفية بشكلٍ خاص والتفكير الفلسفي بشكلٍ عام.
كل ذلك بهدف استقلالية الفلسفة من سلطة المنطق الأكاديمي الإفلاطوني الذي بات كلاسيكياً بعد كل عمليات التغيير والتحويل في بنية الأشكال الفلسفية والثقافية والتاريخية.