تاريخ

في ذكري سقوط الحكم العماني في زنجبار يناير 1964م

القول الفصل فيما وراء سقوط أندلس أفريقيا

بقلم: د. صالح محروس محمد
أكاديمي وكاتب في التاريخ الحديث والعلاقات الدولية

في الذكرى التاسعة والخمسين لسقوط الحكم العربي لزنجبار هل ما حدث ثورة أم احتلال أم مؤامرة أم انقلاب؟ بعد دراسة خمس سنوات في مرحلة الدكتوراه باحثاً عن إجابة عن هذا السؤال من وراء أحداث 12 يناير 1964 من قتل وتشريد للعرب في زنجبار؟ (التابعة لتنزانيا بشرق افريقيا التي حكمها العمانيين ثلاثة قرون منذ أسرة اليعاربة في القرن السابع عشر الميلادي إلى أسرة البوسعيد حتى 12 يناير 1964م) وبعد دراسة للوثائق البريطانية غير المنشورة لمدة خمس سنوات كتبت هذا المقال تحليل مهم عُصارة هذه الدراسة التي جارى نشرها كتاباً مستقلاً بعد أن نشرت سلطنة عُمان كتابي بعنوان (سلطنة زنجبار في شرق أفريقيا عام 2016). في ليلة الثاني عشر من يناير 1964م قامت مجموعة من الجنود المرتزقة يتزعمهم جون أوكيلو ( راعى بقر من أوغندا ) بقتل وتشريد للزنجباريين من أصل عربي وكل من يضع صورة السلطان جمشيد آخر سلاطين زنجبار وذكرت الوثائق البريطانية مقتل خمسة آلاف زنجباري من أصل عربي في ست ساعات واستسلم السلطان الزنجباري والحكومة الزنجبارية وفي أبريل تم ضم زنجبار لتنجانيقا تحت اسم تنزانيا ؟ كيف انتهى الحكم العربي بهذه السرعة في الست ساعات . الحقيقة أن زنجبار ثانى أكبر جزيرة في المحيط الهندى بعد مدغشقر أكبر منتج للقرنفل في العالم .محطة تجارية هامة بين الشرق والغرب أهم موانى شرق أفريقيا وكان للزعيم العربي على محسن البروانى آخر وزير خارجية مع عبدالناصر كذلك كان دافعاً أن تجتمع عدة قُوى على إنهاء الحكم العربي لزنجبار ( بريطانيا واسرائيل ونيريري حاكم تنجانيقا وعبدالرحمن بابو قائد الحركة الشيوعية في زنجبار والذى تدرب ومجموعته على الثورة على الحكم العربي في كوبا). وإن كان باحثي سلطنة عُمان يعتبرون ما حدث احتلال تنجانيقي بمساعدة دول مثل بريطانيا واسرائل .

جثث القتلى العرب بعد اعمال العنف التي تلت الإطاحة بالحكومة البوسعيدية في زنجبار

التقطت الصورة من فريق عمل فيلم Africa Addio

لقد قامت بريطانيا( وقعت زنجبار تحت الحماية 1890 – ديسمبر 1964م) بدور فعال في أحداث يناير حيث أشاعت الدعاية المُغرضة ضد العرب لزرع بذور الحقد والكراهية ضدهم وإظهارهم على أنهم تجار رقيق وصنعوا تماثيل توضح أن العربي يجر الأفريقي بالسلاسل إلى سوق الرقيق بالإضافة إلى أنهم وحدهم ملاك الأراضي و مزارعي القرنفل والصفـوة ،وأن الأفارقة لا يجدون طعاماً ولا فرص عمل ،و أسهمت بريطانيا بشكل مباشر في أحداث 12 يناير عام 1964 عن طريق مساعدة المتمردين بتسريح مسئول الشرطة البريطاني لرجال الشرطة وأخذ مفاتيح مخازن السلاح من العدد القليل من رجال الشرطة التي كانت موجودة . ورفضت التدخل في زنجبار لمساعدة السلطان سواء منها أو من دول شرق أفريقيا وعندما تمرد الجيش في كل من تنجانيقا وأوغندا وكينيا سارعت القوات البريطانية التي كانت موجودة في كينيا بقمع هذه التمردات بسرعة. مما يوضح الدور البريطاني المتعاون مع الإسرائيلي لتحقيق هدف واحد وهو القضاء على الحكم العربي في زنجبار.

ولقد قدمت الحكومة الإسرائيلية الدعم المالي والأسلحة لأوكيلو الأوغندي الأجنبي ورجاله عن طريق مكتب رجل الأعمال اليهودي ميشا فينسيبر Misha Feinsiber وحزب نيريري في تنجانيقا بواسطة أوسكار كمبونا Oscar Kmbona السكرتير العام لحزب تنجانيقا القومي TANU الذي كان صديق شخصي لعبد الله قاسم هانجا(كان على علاقة بإسرائيل عبر السفارة الإسرائيلية في دار السلام وذهب إلى دار السلام ليلة الانقلاب ) والذي سافر إلى الجزائر واقنع أحمد بن بله رئيس الجزائر آنذاك لتزويده بالأسلحة لسبب ظاهري وهو استخدامها تحت قيادة لجنة الحرية التي كان رئيسها . وبالفعل أبحرت سفينة محملة بالأسلحة اسمها ابن خلدون ليلة الانقلاب بالإضافة إلى الأسلحة التي جاءت من إسرائيل إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام.

الذين قاموا بالانقلاب هم أوكيلو الأوغندي ورجاله من أفارقة البر ليس لهم مصلحة سوى أنهم جنود مرتزقة تم تمويلهم من إسرائيل بمساعدة أعداء النظام العربي بعض رجال الحزب الافروشيرازى مثل سيف بكري رئيس اتحاد شبا ب الحزب وعبد الرحمن بابو ورجاله الذين تدربوا في كوبا على استخدام الأسلحة والقيام بالانقلاب ضد الوجود العربي، ونيريري وحزبه المؤيد من إسرائيل حيث كان يحصل على مكاسب من إسرائيل مقابل ذلك. خططت ودعمت إسرائيل الانقلاب بسبب اتجاه القادة العرب في زنجبار من أمثال على بن محسن البرواني وغيره إلى الدول العربية وسعوا إلى أن تلتحق زنجبار بجامعة الدول العربية وتكون دولة عربية إسلامية. ولتقويض دولة مصر من الجنوب والوقوف ضد عبد الناصر العدو اللدود لإسرائيل.
لقد كان لحاكم تنجانيقا نيريري دور في أحداث 12 من يناير 1964 حيث زار زنجبار قبل الاستقلال ودعم فكرة الوحدة الإفريقية ضد الحكم العربي وساهم في نشأة الحزب الافروشيرازى المناهض للوجود العربي ونقل الدعم الإسرائيلي ( المالي والعسكري )للمتمردين إلى اتحاد شباب الحزب الأفروشيرازى ورجال أوكيلو بمساعدة السكرتير العام للحزب تنجانيقا القومي أوسكار كمبونا .ورفض مساعدة السلطان وحكومة شامت للوقوف ضد قادة الانقلاب ثم دَعم النظام الجديد بإرسال رجال شرطة لإعادة النظام والأمن وكذلك دعم فكرة الاتحاد مع زنجبار أيضا لدعم حكومة الانقلاب.
لقد اخُتلف في عدد الضحايا واللاجئين والمعتقلين في أحداث انقلاب يناير في زنجبار من خمسة آلاف قتيل إلى عشرين ألف قتيل أغلبهم من العرب (عرب عمان) وفر عدد كبير منهم إلى دول الخليج بملابسهم فقط تاركين منازلهم وأموالهم. واعتقل الآلاف منهم في أبشع مذبحة عنصرية عرفها التاريخ العربي الحديث. لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية علي علم بتخطيط أحداث 12يناير على حد قول بعض المعاصرين للأحداث من الأمريكيين وأن كان السفير الأمريكي في دار السلام علم بمجيء الأسلحة إلى السفارة الإسرائيلية في دار السلام. ، وكان كل ما يهم السياسيين الأمريكيين مسألة انتشار المد الشيوعي والاشتراكي بها وكانت تخشى من أن تصبح زنجبار كوبا أفريقيا حيث ينتشر منها المد الشيوعي إلى ربوع القارة الأفريقية.
وقفت مصر مع الحزب الوطني الزنجباري قبل أحداث 1964م وقامت بدعمه للحصول على الاستقلال ولم يع محمد فايق على حد قوله مدير العلاقات الإفريقية ومستشار الرئيس عبد الناصر للشئون الإفريقية حجم المؤامرة التي كانت تدبر للحكم العربي في زنجبار. ولقد اعترف عبد الناصر بحكومة الانقلاب خوفاً على انتشار ما حدث في زنجبار في باقي دول شرق أفريقيا حيث كثرة العرب ولعدم أخذ الدول الإفريقية مساعدة مصر لزنجبار بشكل عنصري مما قد يفقد مصر علاقتها مع بعض الدول الإفريقية.
تركت هذه الأحداث آثاراً هامة على منطقة شرق أفريقيا عموماً وزنجبار بوجه خاص فمن الآثار السياسية انهيار سلطنة البوسعيد في شرق أفريقيا وإنهاء الدور الزنجباري في شرق أفريقيا. وكذلك هزت أحداث زنجبار ثلاث دول من شرق أفريقيا حيث قامت ثلاث محاولات لانقلاب في كينيا وتنجانيقا وأوغندا من الجيش ولكن تدخلت بريطانيا عسكرياً وقمعت هذه المحاولات.
ومن النتائج السياسية أيضا قيام الاتحاد بين تنجانيقا وزنجبار ففي 27 /4/ 1964حيث وقع الرئيسان كارومى ونيريرى وثيقة الاتحاد في البرلمان التنجانيقى ولقد كانت دوافع الاتحاد أن عبيد كارومى أراد أن يحمى نظامه الجديد من المخاطر التي قد تحيط به. وكذلك نيريري وضمان عدم عودة الحكم العربي. وهو عبارة عن اتحاد فيدرالي تخص الشئون الخارجية فيه (جمعية تنزانيا الوطنية)، وتحتفظ زنجبار بمؤسساتها التشريعية والإدارية. ومن النتائج السياسية لهذه الأحداث عدم الاستقرار السياسي حيث شهدت زنجبار بعد الاتحاد عدة اغتيالات واعتقالات ونفى لبعض القادة السياسيين فتم سجن علىّ محسن وأحمد اللمكي أشهر القادة العرب. وتم سجن عبد الله قاسم هانجا أحد المشاركين في أحداث يناير وقتله في السجن بواسطة نيريري وعبيد كارومي ثم اغتيال كارومي على يد بن أخو على محسن (محمد حمود البرواني). ثم سجن عبد الرحمن بابو بعد اغتيال كارومي. وفي الانتخابات البرلمانية سنة 2000 في زنجبار حدثت مجازر بسبب تزوير في الانتخابات لصالح حزب الاتحاد . ولقد عارضت الجبهة المدنية المتحدة Civic United Front الحكومة . تبقي ذكرى سقوط الحكم العُماني أليمة لمن يعتبر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سؤال للإستفسار فقط : ألم تكن إسرائيل ما زالت في هذه الفترة في نهاية مرحلة التكوين و بداية التمكين حتي تنشغل بمثل هذه الأمور ؟!
    الأمر الآخر : يبدو تورط دول الإحتلال من انجلترا و كذلك فرنسا في هذا الأمر ، انجلترا دورها واضح بعمل الغطاء الإنقلابي و حمايته بقمع الثورات المضادة للإنقلاب و هذا ما حدث في فلسطين أيضا لزرع الكيان بعمل غطاء له عن طريق الانتداب البريطاني على فلسطين أما فرنسا فكان تحريك سفينة أسلحة للمتمردين من الجزائر من خلال أذناب الاحتلال و حكاما كانوا يحكمون لصالحهم بالوكالة
    ثالثا : دور عبد الناصر هنا يبدو مشبوها كدعمه لكل ما هو معادي للإسلام مثل دعمه لتيتو الشيوعي في يوغسلافيا و قتل مئات الآلاف من المسلمين في البوسنة والهرسك و كوسوفا أبان الحرب العالمية الثانية كذلك غض الطرف عن مساعدة العرب المسلمين في زنجبار وكان يستطيع كما عمل في اليمن .
    هذه ثلاثة ملاحظات عن المقال.
    و تقبل مروري و تحياتي لشخصك الكريم دكتورنا الحبيب و علي هذا السفر الرائع في إيقاظ الهمم و الوعي في أوساط الأمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى