أدب

قراءة في كتاب “رنين القيد” للأسير الفلسطيني عنان الشلبي

بقلم: هدى عثمان ابوغوش

“رنين القيد”مجموعة نصوص حبلى بالوجع والقهر والاشتياق والعاطفة، يبوح بها الأسير الفلسطيني عنان الشلبي ابن مخيم عسكر الجديد، وتجعلنا نقف أمام كلّ مشهد لنشهق أين أنت أيتها الحرّية؟ وهل الوطن أغلى من الإنسان؟

العنوان”رنين القيد”قصد  الأسير الكاتب أن هناك صوتا للقيد،صوت الرفض والقهر والتمرد والحرية.. نصاب بالصدمة من خلال أول جملة في الكتاب “قررت أن تكون هديتي لأمي (عيد الأم) عرسا أزف به إليها محمولا على الأكتاف”لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن وتكون رياحه القاسية في السّجن.

تكشف نصوص الأسير عن تسارع الزمن،فلقد تمّ اعتقال الأسير في الثامنة عشر من عمره، وقد بدأ بكتابة الكتاب بعد عشرين عاما من الاعتقال،ولذا يبين لنا الأسير التغيرات التي حدثت خلال تلك السنوات فيما يتعلّق بعائلته والأصدقاء،وداخل السّجن،فالطفلة روان أُخت الأسير أصبحت صبية،مرض الأم وإصابتها بجلطة دماغية،واستشهاد عائلة زملاء الأسير.. إن ما يميّز نصوص الأسير هو مضونها الذي يسلّط الضوء على العائلة والأصدقاء،بعيدا عن الإسهاب بتفاصيل أجواء السّجن وأحداثه،ولذا نجد العاطفة بارزة وتساهم في تصورنا للمشاهد التي يلتقطها بعدسة الأسير.

نجد عاطفة الشوق والحنين من قبل الطفلة روانومواجهتها الصعاب في سبيل الحصول على تصريح من أجل زيارة أخيها فقوبلت بالرفض،لهفات الاشتياق عندأهل الأسير، مشاعرهم أثناء الزيارات،البكاء والحزن والصمت.نجد عاطفة الغضب عند الأسير أثناء صراخه  في وجه السّجان على سبيل المثال”أنتم مغتصبون”،ونجد مشاعر الذنب تجاه والدته لأنه جعل من عيدها ذاكرةللحزن.”وكأنني أحلت يوم عيد الأم يوما للحداد وبذلك الرّحيل المستمر وذلك الوجع المتجدّد”.

نجد عاطفة الحقد والخوف من قبل الاحتلال من أطفال فلسطين ،كما حدث مع أخت الأسير الطفلة التي وجدوا في جيبها قصاصة ورق  قد نسيتها،فيها قصيدةةعنالرّاحلياسر عرفات وذمّ المحتلّ فتمّ عقابها.نجد عاطفة الفقد والحرمان ومشاعر الصداقة والإخوة،من المشاهد المؤثرة التي وردت في نصوص الأسير هي التقاء الأسير عنان الشلبي بصديق طفولته الأسير أحمد العارضة في مكان واحد ألا وهو البريد( البوسطة)،وهنا يجتمع الماضي بالحاضر،الطفولة والشباب.

نجد المفارقة في عاطفة الفرح في تاريخ عرس شقيق الأسير الذي يصادف ذكرى بلفور،ونجد المفارقة في اعتقال الأسير قبل يوم الأم،فهديته لأمه في فدائه للوطن تتحول لعذاب. وأيضا المفارقة في محاولة التضحية والمساندة من قبل والدة الأسير في السجن فيما يتعلّق بالهواتف التي أخفتهم بين الكتب تتحول لعقاب تجاهها من قبل إدارة السّجون. ونجد المفارقة في تذكر الوالدة ابنها الأسير عندما سمعت كلمة السجن،مع العلم أنها فقدت الذاكرة.

تميزت بعض عناوين النصوص بالعاطفة مثل:”لقد صرت أبا”والقصد أن الأسير أصبح بعاطفته أبا لوالديه الذين أصبحوا بمشاعرهم كالأطفال.”جوع كافر”يحمل العنوان العاطفة الحزينة،والمقصود هنا عن اضراب الأسرى القاسي.”بلفور يؤجل عرس شقيقتي”هنا تتجلى عاطفة الوطن ما بين الفرح والحزن.”طفلتي التي لم أُنجبها كبرت كثيرا”تكمن هنا العاطفة القوية كأن الأسير عنان هو والد الطفلة روان،ومن المشاعر الجميلة أنه ذكر طفلتي وليس الطفلة،فجاءت الجملة تزخر بالمشاعر.”شمس وخمسة أقمار تغيب”الشمس تعبر عن عاطفة حزينة،والمقصود بالعنوان هو استشهاد إخوة أحد الأسرى ووفاة والدته.”ثائر يرفض الحرية”عاطفة الوطن ولكن أكثر حين الولوج المضمون نكتشف عاطفة الإخوة.

نلاحظ أن الأسير كتب نصوصه في أماكن متعددة من السّجون المختلفة مثل:سجن النفخة،الرملة،شطّة، ومن اللافت في هذا الكتاب أن تصميم غلاف الكتاب هو أيضا لأسير،فالأسير عنان هو الكاتب والمصمم هو الأسير نادر صدقة،ونجد في الإهداء مختصر للشخصيات التي ذكرها في كتابه،ألا وهم أفراد عائلته والأصدقاء والصحفية شرين أبوعاقلة.. أمنياتنا أن يتحرر كلّ الأسرى من سجون الاحتلال،وينطلقوا كالعصافير في سماء الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى