ترجمة

المُتَعَصِب.. قصة قصيرة

ألبرتو مورافيا رائد الرواية البرجوازية، وسيد الفطنة والبساطة والأناقة الأسلوبية

إعداد وترجمة: أسماء موسى عثمان – عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للغات بالمنصورة – مصر

ذات صباح مشرق وخلاب في شهر يوليو ، بينما كنت أغفو تحت ظل شجرة الأوكالبتوس، بالقرب من النافورة الجافة في ميدان “ميلوزو دا فورلي” إقترب مني رجلان و سيدة وطلبوا مني أن أنقلهم بسيارتي إلى مدينة ” ليدو دا لافينو”.
لقد سمعتهم وهم يتشاورون فى ثمن أجرة التوصيل بالسيارة وكان أحدهم رجل أشقر اللون، مفتول العضلات ويبدو عليه التقدم في العمر، كانت بشرته شاحبة جدًا ومخطوف اللون، و عيناه جاحظة زرقاء اللون ومحاطة جميعها بالهالات السوداء، و يبلغ خمسة وثلاثين عامًا . في حين كان الرجل الأخر أصغر عمرًا، حيث بشرته كانت سوداء و شعره كان مجعد، مرتديًا نظارة شمسية بإطار يشبة ذيل سلحفاة مزخرف، كان جسمه مترهل ولكن نحيف في نفس الوقت، يبدو أنه مازال طالبًا.

على الجانب الأخر كانت السيدة التي بصحبتهم نحيفة للغاية، ذات وجه نحيف وطويل، وينساب على جبينها بعض من خصلات شعرها الجميل الناعم ومرتدية زي أخضر جذاب فبدت وكأنها حية تتلوى وتغير جلدها. كانت شفتيها عريضة، وردية اللون، تشبه ثمرة الفاكهة الطازجة ولديها عيون سوداء ساحرة وجذابة، تلمع كالفحم الرطب، حيث من خلال نظراتها الجذابة لم أتردد قط ووافقت أن أنقلهم. في الواقع، قبلت ثمن الأجرة التي عرضت علي لتوصيلهم، ثم صعدوا داخل السيارة : الرجل ذو البشرة البيضاء جلس بجواري، والأخران في المقعد الخلفي، وانطلقنا في الحال.

لقد اضطررت إلى المرور بجميع أنحاء روما بسيارتي لكي أسلك الطريق الواقع خلف كاتدرائية “سان باولو” فهو طريق مختصر مقارنة بطريق “بأنزيو”. توقفت بسيارتي في طريق الكاتدرائية لتمويل السيارة بالسولار الكافي ومن ثم أنطلقت بسرعة .
كنت أظن أن المسافة المطلوبة لنقلهم هي خمسين كيلو مترًا، ولكنها كانت تسعة وثلاثين فقط، أي سنصل حوالي الساعة الحادية عشرة ، وكان الوقت مثاليًا للوصول، في الحقيقة لفتت نظري تلك الفتاة التي بصحبتهم وودت أن أتعرف عليها ونكون أصدقاء، في حين أن الرجلين الأخرين لم يبد عليهما الثراء وكان الأمر واضحًا من خلال لهجاتهم المختلفة الظاهرة في الحوار، ربما هم أجانب، أو من اللاجئين، ربما ينتمون إلى هؤلاء الذين يعيشون في معسكرات الإحتلال حول مدينة روما.
في حين أن الفتاة بدت وكأنها إيطالية الجنسية أو رومانية، ولكنها أيضًا بسيطة المظهر والمستوى الاجتماعى : يبدو على مظهرها العام وكأنها تعمل كنادلة في مقهى أو تعمل في كي الملابس أو ربما شيء من هذا القبيل.
بينما أنا شارد الذهن أفكر في هذه الأمور أثناء القيادة، لفت انتباهي الحوار المتبادل بين تلك السيدة الفاتنة والرجل صاحب البشرة السوداء حيث يتبادلان الكلمات والضحكات بصوت مرتفع. لكن ضحكات تلك الفتاة كانت من نوع خاص، فلاحظت أن ضحكاتها كانت مصطنعة مزيفة سمجة للغاية، مائعة كالثعبان الثمل، في حين لم يشترك معهم الرجل الجالس بجواري في حوارهم، فعندما تضحك الفتاة، يكشر بأنفه من تحت نظارته، لا يتفوه بكلمة قط ولا حتى يستدير ليشاركهم الحديث.
كان يكتفي فقط بمشاركتهم من خلال النظر إليهم من المرآة الأمامية ليتمكن من رؤية ما يحدث خلفه بوضوح. مررنا بمجمع “ترابيتسا الدولي” الثاني والأربعين ، تحركنا من خلال هذا الممر مسرعين متجهين إلى مفترق طرق مدينة”أنزيو”. هنا بالتحديد كنت أقود بهدوء ووجهت سؤالاً للرجل صاحب البشرة البيضاء الجالس بجانبي قائلا ً: “إلى أين تريدون أن أنقلكم بالتحديد؟”.
أجاب الرجل: “إلى أي مكان هادىء لا يوجد به أحد قط…. نحن نريد أن نقضي وقتًا ممتعًا لا يعكر صفونا شيء” قلت له : ” نحن الآن على بعد حوالي ثلاثين كيلو مترًا من الشاطىء المهجور … فعليكم أن تقرروا في الحال. تحدثت الفتاه بصوت مرتفع من خلفنا قائلةً: ” دعنا نجعله هو من يقرر ذلك” أجبتها قائلاً: ” وما شأني بذلك الأمر سيدتي؟” ولكن لم تبالى الفتاة بذلك الأمر واستمرت في ضحكاتها وكأني تفوهت ببعض النكات المازحة. فقلت على الفور: ” الليدو دا لافينو مكان شعبي للغاية … لكننى سوف أنقلكم إلى مكان ليس ببعيد ولا يسكنه أحد كما ترغبون.”

كلماتي هذه جعلت الفتاة تضحك من خلفى مرة أخرى ووضعت يدها على كتفي من الخلف قائلةً: ” ممتاز، فأنت شخص لماح وذكي للغاية لقد فهمت بسهولة حقًا ما نريده. لم يخطر على بالي أي شيء، شعرت بالضيق من تصرفاتهم ورغبت أن أنزلهم من السيارة في أقرب فرصة.
في حين أن الرجل الجالس بجواري صاحب البشرة البيضاء ظل صامتًا ، ثم استدار نحو الفتاة قائلا: ” أصمتي يا بينا قليلاً ، فلا يوجد ما يستدعى تلك الضحكات الصاخبة” دعينا نصل بسلام.

كان الطقس شديد الحرارة، لا توجد به نسمة هواء، وكان الطريق مبهر حقًا، بينما الاثنان الجالسان في الخلف يتبادلان الهمسات ويضحكان معًا، فجأة توقفوا دون سابق إنذار، وكانت هذه أبشع الدقائق التي مرت في السيارة حيث لمحت صاحب الوجه الأبيض ينظر إليهم من حين لآخر من خلال المرآه الأمامية ثم يقطب جبينه ويكشر بأنفه كما لو أنه رأى شيئًا غير مقبولاً.
في ذلك الحين كان الطريق الذي نسلكه على إحدى جانبيه حقول جرداء يابسة و على الجانب الآخر غابات كثيفة، ثم لمحت لافتة مدون عليها بعض الكلمات مثل ممنوع الصيد ، ولهذا كان يجب تقليل السرعة في الحال، واستدرت بسيارتي سالكًا طريق آخر متعرجًا غير مستقيم. لقد جئته من قبل في فصل الشتاء للصيد، وكان طريقًا منعزلاً، يصعب على أي شخص اكتشافه إلا إذا مر به من قبل. توجد بعد الغابة أشجار الصنوبر يليها الشاطيء ثم البحر.
كان لدى خلفية سابقة عن ما يوجد داخل غابات الصنوبر. منذ هبوط الأمريكان سابقًا في مدينة “أنزيو”، مازال هناك أثار وجودهم مثل العلب الصادئة والقذائف الفارغة، لدرجة أن الكثير من الناس تجنبوا الذهاب إلى هذا المكان خوفًا من الألغام. كانت أشعة الشمس في ذلك اليوم حارقة للغاية، وكانت أشعتها تغمر الغابة بأكملها فكانت تلمع، وبدت ذهبية اللون تمامًا كأشعة الشمس. سلكنا ذلك الطريق مباشرة إلى الأمام ثم غيرنا المسار إلى ساحة خالية، ثم عبرنا مرة أخرى بطريق الغابة.

وهنا شاهدنا أشجار الصنوبر عن قرب بفروعها الخضراء، تتمايل مع الرياح، وكأنها تبحر في السماء، والبحر الأزرق الامع والمتألق بين جذوعها الحمراء. وعندما فقدت الرؤية نظرًا لتلك الشجيرات، على الفور، اضطررت إلى القيادة بهدوء خوفًا من حدوث أي شيء. بينما كنت منتبهًا للقيادة في ذلك الطريق الوعر ، قام الرجل الجالس بجواري بتوجيه ضربة قوية لي، أختل على أثرها توازن جسدي بأكمله، حتى كدت أن أطير من النافذة. كنت أستغيث بصوت مرتفع قائلاً” يا إلهي، النجدة”.

في الوقت ذاته، كان خلفى مباشرة انفجار آخر، وتعاليت صيحاتي عندما رأيت ثقبًا بالنافذة، وشقوق في الزجاج الأمامي، وأيضا ثقبًا دائريًا في منتصفه، حينئذ ًا انفجرت غاضبًا وغلى الدم في عروقي، وحاولت أن أقفز من السيارة، وأنا أصرخ بصوت مرتفع “قتلة”، لكن صاحب البشرة السوداء، ذلك المحتال الذي أطلق النار ، قام بتهديدى، ووضع المسدس على ظهري، قائلاً: “لا تتحرك”.
بقيت صامتًا ووجهت سؤالاً إليهم: “ماذا تريدون مني ؟” أجابني صاحب البشرة السوداء: “لو كان أنتبه إليك الأحمق، لما كان يوجد ما نخبرك به الآن… نحن نريد سيارتك. أجابه صاحب البشرة البيضاء وهو مجزًا على أسنانه قائلاً:” أنا لست أحمق”. رد عليه صاحبه قائلاً: “لا أنت حقًا أحمق وغبي…. كان اتفاقنا هو أن أطلق عليه النار؟ فلماذا تحركت؟” أجاب صاحبه قائلاً: “واتفقنا أيضًا على أن نتركه عند اشجار الصنوبر.. وأنت أيضًا تحركت” فضحكت الفتاة ثم قالت:” نحن في خطر”.
أجاب الرجلان : “لماذا تقولين هذا؟” قالت الفتاة: “لأنه الآن في طريقه إلى روما وسوف يبلغ عنا الشرطة”، فعلق صاحب الوجه الأبيض على ما قالته الفتاة ملتفتًا إلى صاحبه:” حديثها صواب”، ثم أخرج سيجارة من جيبه وأشعلها وشرع في التدخين، ثم استدار صاحب الطلة القاتمة للفتاة الجالسة بجواره قائلا: ” حسنًا، ما الذي يجب علينا فعله الأن؟”. رفعت عيناى ناحية المرآه لأراها ، فلمحتها وهي تشاور علي بإصبعها و كأنها تخبره بإلقائي في الخارج. الأمر الذي جعلني اشتد غضبًا مرة أخرى ، لكن أخذت نفسًا وشعرت بالطمئنينة عندما سمعت صاحب الوجه الأسود يقول بنبرة عميقة مقنعة : “عليك أن تتحلى بالشجاعة لتقوم ببعض المهام ولو لمرة واحدة فقط في حياتك”.

    تنهدت بشجاعة وقلت: “لكن ماذا ستفعلون بالتاكسي؟ من سيقوم بتزوير الرخصة؟ من سيعيد رسمها ؟”، مع كل سؤال أوجهه لهم كنت على يقين تام أن ليس لديهم أي إجابه ولا يعرفون ما سيقومون به لاحقًا فهم قرروا التخلص مني وقتلي، ولأنهم لم ينجحوا في ذلك الأمر، فلم تعد لديهم الشجاعة لسرقتي. فقال الآخر الجالس في الخلف على أي حال:”لا داعي للقلق فكل شيء تحت السيطرة”. الرجل ذو الوجه الأبيض رد عليه مسرعًا:” من أين لك كل هذه الثقة، فنحن لا نملك سوى عشرين ألف ليرة ومسدس فارغ الرصاصات ” .
أثناء التشاور فيما بينهم، رفعت عيناى نحو المرآه ورأيت الفتاه تشاور على بعيناها مرة أخرى، فقلت لها :” تعلمين يا سيدتي، بمجرد وصولنا إلى روما سألقنك درسًا قاسيًا على تلك الحركة، التي ستكلفك عقوبة أخرى داخل المغفر . ثم وجهت حديثي للرجل الجالس بجانبها الذي مازال مصوبًا المسدس في ظهري قائلاً بحدة وعنف: “حسنًا، ولماذا تنتظر أنت الآخر ؟ هيا يا جبان، أقتلني في الحال”.
عم الصمت بيننا، ولم يتحدث أي شخص نهائيًا، فتدخلت الفتاة في تلك اللحظة متحدثة ولكن بنبرة عاطفية: “أتعلمون يا رفاق من هو الشجاع بيننا الأن ؟ “،ثم شاورت بإصبعيها ناحيتي وأخذ صاحب الوجه الأسود يسب ويلعن ويبصق من حين لآخر ، ثم فتح الباب ونزل من السيارة، وجاء ناحيتي قائلاً بغضب شديد: “ما طلبك بعد أن تنقلنا إلى روما دون الإبلاغ عنا؟…” حينها أدركت أن الخطر قد انتهى وقلت بكل هدوء: ” أنا لا يلزمني شيء، فقط سأجعلكم أنتم الثلاثة تطلبون الشفاعة من مريم العذراء لتغر لكم”.
لم تظهر علامات الخوف على صاحب البشرة السوداء، بل بدت عليه ملامح اليأس وفقدان الأمل، وقال: ” سوف أقتلك”. فأجبته بحدة:” إفعلها إذا كنت تستطيع… فأنا أعلم أنك لم تقم بهذا من قبل …. وأنا سوف أراك أنت وتلك المرأة الساقطة الجالسة بجوارك داخل السجن”.

فقال:”حسنا” بصوت مرتبك، ضعيف ومنخفض، وعرفت من تلك النبرة أنه سيقوم بشئ وبالفعل رفع المسدس نحوي، ولكن من حسن حظي تدخلت الفتاة في الحال تصرخ عاليًا :” ما الذي تفعله، بدلاً من أن تعرض عليه المال ليتركنا ، أعقلها جيدًا، وماذا تفعل بهذا المسدس الفارغ،أيها الذكي؟” .
فمال نحوى ذلك القاتل ثم شعرت بأصابعه تدغدغ أذني ، حرفيا شعرت بدوار ولم أرى أمامي، لقد شعرت بضيق في صدري، لأنني أشعر بالحب نحو هذه الفتاة، ولا أعرف لماذا؟، لكن كنت على إقتناع تام أنها تبادلني نفس الشعور، ثم تحدثت مع ذلك الرجل الذي مازال يوجه مسدسه نحوي، ثم نظرت إليها لأرى عيناها الامعة،الخلابة وقلت: “دع أموالك معك، لاداعي لذلك فأنا لست لصًا مثلكم، لكني لن أنقلكم إلى روما… لكن سآخذ معي فقط هذه الفتاة لأنها امرأة ولا يجب تركها بمفردها معكم على الطريق “.

كنت أظن أنهم سيعترضون، لكن حدث ما لم يخطر على بال أحد ، فالرجل الأبيض نزل من السيارة قائلاً: “أتمنى لك رحلة سعيدة”. وأنزل الأخر سلاحه، ثم بدلت الفتاة المفعمة بالحيوية مكانها وجاءت لتجلس بجواري. فقلت لهم: “وداعًا أيها اللصوص أتمنى أن تكونوا في القريب العاجل داخل السجن.”

اعتدلت في مجلسي وأكملت القيادة ولكن بيد واحدة لأن اليد الأخرى كانت ممسكة بيد الفتاة، لم يشغلني أن الرجلين فهموا غرضي من ذلك بشكل خاطئ. ثم عدتُ من نفس الطريق مرة أخرى ولكن بسرعة فائقة حتى أني تجازوت مسافة خمس كيلو مترات دون أن أتحدث بكلمة واحدة.
كنت ممسكًا فقط بيدها وهذا كل ما يكفيني. وبدأت أبحث عن مكان منعزل للتحدث معها ومعرفة قصتها، أي أن هذه المرة لغرض أخر تمامًا، يختلف عن غرضهم، ولكن عندما توقفت لأسلك طريقًا أخر تجاه البحر ، وضعت يدها على الدريكسيون قائلةً: “أين تذهب، دعنا نذهب إلى روما”. قلت لها :” نعم فنحن بالفعل ذاهبون الليلة إلى روما”.
فتحدثت بحزن شدید قائلةً: “حسنًا فأنت مثلهم لا تختلف عنهم، جميعكم تشبهون بعضكم البعض. ثم شرعت في البكاء وبدا عليها الخوف والغضب، كأنها تمثل ذلك ، وحاولت أن أفهمها ولكنها رفضت بكل الطرق، ولم تسمح لي بالتحدث. حينئذًا غلى الدم في عروقي بسبب موقفها هذا، ولسوء الحظ أن في تلك الرحلة الملعونة، نفذ البنزين وساد الخوف والقلق يحاوطني، وكنت غاضبًا بشدة، وهي تحدثت معي بعنف قائلةً:” أفضل الذهاب للجميع على أن أبقى معك أنت”.

لم أهتم بتلك الإهانة، وكنت أقود السيارة بهدوء، ولم نتفوه بكلمة حتى وصلنا إلى روما. بمجرد وصولنا أوقفت السيارة وفتحت الباب، وأمرتها بالخروج من سيارتي، فوراً، قائلاً: “أخرجي حالاً وأذهبي للانتظار في ذلك الطابور”، فقالت وهى مندهشة من طريقتي : “ماذا بك؟ أنت غاضب من حديثي معك؟”، لكن كنت على وشك الأنفجار ولم أتحملها قط، وصرخت في وجهها قائلاً:” ضاع يومى بلا فائدة، ونفذ بنزين سيارتي وخسرت أموالى…. وبعد كل ذلك لا ينبغي علي أن أغضب منك؟” أشكري ربّكِ أنني رغم ما حدث، لم أسلمك للشرطة”.
أجابت الفتاة قائلةً:” تعرف شيء؟ كم أنت شخص عصبي “، ثم نزلت من السيارة معززة مكرمة، ثم تنقلت بين السيارات وحركة المرور عند المزار السياحي” بورتا سان جيوفاني” وأختفت في تلك اللحظات. ركب شخص آخر سيارتي وأخذ يصيح بصوت مرتفع قائلاً:” أريد الذهاب إلى میدان بوبولو من فضلك”.

ألبرتو مورافيا

يعتبر ألبرتو مورافيا رائد الرواية البرجوازية، التي من خلالها، كان سيد الفطنة والبساطة والأناقة الأسلوبية، استكشف بلا تحفظ موضوعات الاغتراب الاجتماعي، مبينًا النفاق والمادية والفقر الأخلاقي في عصره . يعود عمل ألبرتو مورافيا إلى أشكال الواقعية والوضوح العقلاني والأزمة الوجودية للبرجوازية التي مرت خلال سنوات الفاشية وفترة ما بعد الحرب ، والتي كانت تتشابك باستمرار بين الذاتية والموضوعية.

ولد الكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا واسمه الأصلي (ألبيرتو بنكيرلي) في مدينة روما عام 1907، ويعتبر الكاتب ألبرتو مورافيا من أشهر الكتاب في إيطاليا ، بسبب ما قدمه من أعمال متعددة في الكثير من المجالات، هذا وقد ولد الكاتب الإيطالي بعائلة من الطبقة المتوسطة بروما، وكان من الطلاب المتفوقين علميا، حيث تعلم اللغتين الفرنسية والألمانية إلى جانب لغته الإيطالية،الأمر الذي جعله يكتب الشعر بثلاث لغات الإيطالية والفرنسية والألمانية ، ويعد ذلك الأمر من أهم الأسباب التي جعلته يتمتع بشهرة كبيرة وسط الكثير من الشعراء والأدباء، ولقد تعرض البرتو في صغره للإصابة بالسل ، مما جعله لم ينتهي من دراسته وجلس في المنزل لمدة خمس سنوات ، الأمر الذي جعله يتجه إلى القراءة ويعشقها.
من هنا لم يكن غريباً في الحقيقة أن يقول ناقد إنجليزي كبير عن أدب مورافيا يوماً، “إن مورافيا صاحب أدب وجودي عبثي، روعته أن وجوديته وعبثيته لا تظهران إلا للمنقبين بدقة”. وكان من الغريب أن المنقبين لم يكونوا كثراً، على عكس القراء الذين كانوا منتشرين في العالم ويقرأونه بلغته الإيطالية الجميلة، ولكن أيضاً مترجماً إلى عدد كبير من اللغات متوخين المتعة أكثر من الفهم. وهم لو توخوا التعمق كانوا سيجدون المتعة مضاعفة بالتأكيد.

ولعل هذا سر نجاح عدد من مخرجي السينما الكبار في نقل أعماله الرئيسة إلى الشاشة. فمن برناردو برتولوتشي إلى جان لوك غودار مروراً بدي سيكا وداميانو دامياني وصولاً إلى دينو ريزي وكثر غيرهم، دائماً ما أحب السينمائيون الأكثر جدية والأشد رغبة في قراءة ما بين سطور رواياته، الذين تبقى أفلامهم المقتبسة عن رواياته بعض أفضل ما حققوا. فهو في نهاية الأمر عرف كيف يزاوج بين الشكل والموضوع، بل كيف يدنو من أكثر المواضيع خطورة بلغة تتيح تحقيق أفلام قد تكون شعبية، لكنها تبدو قادرة على طرح أعقد الإشكالات السياسية والإنسانية. وحسبنا للتيقن من هذا أن نستعيد فيلمين من كتابته حققهما برتولوتشي وغودار ولقيا ترحيباً هائلاً من الجمهور. بخاصة فيلم قد يبدو أقل ادعاء من الناحية الثقافية، لكنه أتى أكثر شعبية بكثير وأكثر استجابة للحرب التي لم يتوقف مورافيا عن خوضها طوال حياته، حربه ضد الحرب والعنف باعتبارهما بلهاً بشرياً لا مبرر له.

تميزت أعماله الأدبية بالبراعة والصدق والواقعية ، حيث اهتم ألبرتو مورافيا بمناقشة الكثير من المشاكل الاجتماعية التي كانت موجودة في إيطاليا، حيث هاجم من خلال رواياته الفساد الأخلاقي والذي كان متفشيا في بلاده إيطاليا، فقد كتب في الكثير من المجالات والتي لازال أثرها قائم حتى وقتنا هذا.

ولقد حظيت أعماله بالكثير من الاهتمام من جانب جمهور القراء، ولقد تمتع أيضا بشهرة واسعة بسبب غزارة إنتاجه الأدبي والمتمثل في كتابة العديد من الروايات والكثير من الشعر ، ولقد تم ترجمة الكثير من الأعمال الأدبية للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا إلى العديد من اللغات الأجنبية المختلفة ، ولذلك فقد ذاع صيته بسبب ما قدمه من أعمال واقعية.
ومن أهم السمات التي تغلب على أكثر الأعمال الأدبية التي قام الكاتب ألبرتو مورافيا بكتابتها، هو اهتمامه بالاندماج في سرد الكثير من المشاعر الخاصة بالجنس والتي ظهرت واضحة في الكثير من التداخلات الموجودة بين الكثير من الشخصيات في رواياته، ولقد اتسم أيضا بالتركيز على القيام بعملية التحليل النفسي لنوعية العلاقة بين الجنسين أو الزوجين والتي ظهرت واضحة من خلال أشهر أعماله رواية الاحتقار والتي تعد واحدة من أهم الأعمال الأدبية للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا.

ومن أهم أعماله: زمن اللامبالاة وهي روايته الأولى التي كتبها ونشرت سنة 1929 م ويتناول فيها الفلسفة الوجودية حيث تحدث فيها عن أسرة من الطبقة المتوسطة كان فيها الفساد الأخلاقي واضحًا وصورها وهي تمد يد المساعدة إلى الفاشية الإيطالية.
السأم: وهي رواية حازت على أكبر جائزة أدبية في إيطاليا (جائزة فيارجيو).
دولاب الحظ: نشرت سنة 1939 م.
امرأة من روما: نشرت سنة 1947 م، وهاجم فيها قيم الطبقة المتوسطة.
المرأتان: نشرت سنة 1947 م. تصور معاناة امرأة وابنتها في ظل الحرب.
العصيان: نشرت سنة 1948 م.
حكايات من روما: نشرت سنة 1954 م.
الفردوس: نشرت سنة 1970 م.
الاحتقار: رواية تصور حياة اجتماعية جرت وقائعها في إيطاليا بين زوجين تفاوتت ثقافتهما فأدت إلى تحطم حياتهما العاطفية.
مراهقون… ولكن: تصور تجربة طفل من الطبقة الثرية مع مجموعة من الأطفال الفقراء الذين يفتحون عينيه على أسرار عالم الكبار.
مجموع “الحكايات الرومانية” التي كتبها ألبرتو مورافيا أكثر من مائة وثلاثين ونشرت في الصحف والمجلات بين عامي 1948 و 1959، وخاصة في Corriere della Sera وفي La Letto ، الدورية المرتبطة بـ Corriere della Sera . جمعت سبعون قصة قصيرة في مجلد عام 1954 بعنوان ” حكايات رومانية”؛ الباقي من مجموعة 1959 بعنوان “قصص رومانية جديدة” والتي تستمر في السابق دون تغييرات جوهرية. تصور “الحكايات الرومانية” مقتطفات من الحياة اليومية في العاصمة بعد الحرب العالمية الثانية. تُروى القصص بضمير المتكلم، والأحداث لها أبطال مختلفون ينتمون إلى حالات اجتماعية مختلفة: في الواقع ، تتراوح من الفقراء المضطهدين من الجوع إلى الرجل ذي الظروف المتواضعة الذي يعاني في مجتمع به الفقراء كثيرون حتى الوصول إلى تقلبات المواطنين الأثرياء، تتحدث الحكايات عن الواقع الروماني في حقبة انتقالية أي عصر إعادة الإعمار، الذي يخلف وراءه أهوال الحرب العالمية الثانية. قصة المتعصب مأخوذة من المجموعة القصصية” الحكايات الرومانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى