أدب

العتبة الإشهارية للقصة القصيرة (سعادة متأخرة) للقاص عبد الهادي والي

أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي
     العنوان هو العتبة المقدسة نصيا, فبه يتكثف المتن ومنه يأخذ هذا المتن شحنته التي تبقيه صالحا- وباستمرار- للقراءة بكل أشكالها المواجهة والفاحصة والمنتجة انه النص وعن طريق ضبطه نتمكن من إيصال طرود الانطباع والتأويل بسلامة تلق فاعل, على اعتبار أن العنوان هو الموجه الأساس الذي تسترشد به القراءة عن أخبار النص الأدبي والغاية التي يريدها, فهو أداة توجيه مهمة جدا بين الاداوات الأخرى انه تسمية النص, وجنسه وانتماؤه, ويعد العنوان أول المعايير التي يقاس في ضوئها – نصيا- مدى الاهتمام بالقارئ, ومدى الاشتغال على إغوائه عن طريق هذه العتبة الاشهارية – العنوان- أي الاهتمام بالقارئ المقصود , المخصوص بالخطاب, الذي – كما يرى وولف- يمثل فكرة النص المركزية التي تشكلت في ذهن الكاتب, فالاهتمام بالقارئ يعني الاهتمام بالنص نفسه, لان القارئ هو المتكفل بإعادة أنتاج النص وتشكيله على الدوام , فقد أصبح القارئ مشاركا ومتابعا ومفسرا لكل شفرات النص ودلالاته وفك شفراته انه مبدع ثان للنص.


     إن نظام العنوان يعمل وفق قوننة غاية في الحساسية, إذ يتبلور النص بموجبه , فإذا كان العنوان طويلا ساعد على توقع المضمون الذي يتلوه,أما إذا كان قصيرا فعندها لابد من قرائن تساعد على التنبؤ بالمضمون,ومن الممكن أن يكون دالا صوتيا كان تسمى القصة القصيرة بالنهاية الحتمية, أو أن يكون علامة محددة بنوعها مروية مثلا, أو علامة استفهام, أو على شكل نقاط وعند ذلك يبدأ العنوان عمله بوصفه بحسب امبرتو ايكو – مفتاحا تأويليا, أو مفتاحا لمدخل القصة القصيرة, على رأي الدكتور حمد محمود الدوخي ,فهو يختصر الكل, ويعطي اللمحة الدالة على النص المغلق, فيصبح نصا مفتوحا على كل التأويلات.
وهنا في القصة القصيرة (سعادة متأخرة), سنتطرق للعنوان عن طريق تقسيمه إلى مفردتين , لقد اشتغل المبدع القاص (عبد الهادي والي) العنونة الرئيسة الخارجية بترتيب متسلسل, إذ انطلقت من العنوان المفردة (سعادة) وهي طيب النفس وصلاح الحال ضد الشقاوة, لتصل إلى العنونة الخبرية (متأخرة) لم تتحقق في بداية حياة القاص, و التي تساعد على توقع المضامين القصصية التي تنضوي تحت هذا الشريط العنواني, فضلا عن ذلك فقد مثلت الهندسة العنوانية عند القاص (عبد الهادي والي) جملة من الوظائف التي تعد وظائف ترويجية لمحتوى القصة على قدر من الجودة, فنراه يقول: لقد آن له ان يستريح , بعد أن أرهقه المرض, في حياة ثقيلة مضنية عاشها كسير النفس والفؤاد, قليل الحيلة في كسب عيش ذقنا نكده ومضايقاته المنغصة.


     استطاع القاص (عبد الهادي والي) أن يبث الروح في شخصياتها,ويمنحها خصائصها المميزة على غفلة من قرائه,بحيث لا يستطيع المرء أن يحدد بسهولة أين,ومتى منحت الشخصية صفاتها المحددة,ورسختها في الذهن, فنراه يقول: حين اسلم حمدان الروح ذلك المساء الحزين كانت غمامة صفراء تتحلق حول وجهه المسبل العينين تخفق فوق جبهته المتغضنة أشرعة معبأة برياح قاحلة تجتذبه بحبال سرية نحو قاع بعيد تغلفه الظلمة والرطوبة.
   إن شخصية المرأة زوجته في قصة (سعادة متأخرة) هي بمنزلة محور تتجسد المعاني فيه والأفكار التي تحيا بالأشخاص أو تحيا بها الأشخاص وسط مجموعة القيم الإنسانية التي يظهر فيها الوعي الفردي متفاعلا مع الوعي العام في مظهر من مظاهر التفاعل بحسب ما يهدف إليه القاص في نظرته للقيم, والمعايير الإنسانية, والشخصيات أيضا تجسد القيم على اختلاف أنواعها في المجتمع, وتدل عليها,وتعمل على تفهمنا لها في إطار الإبداع الفني, وحديثنا عن الشخصية في العمل القصصي يجرنا إلى الحديث عن ثلاثة نشاطات في التحليل الأدبي, النشاط الأول هو أن نحاول أن نفهم طبيعة,ونفسيتها, وخفاياها الشخصية في العمل القصصي عند القاص عبدالهادي والي, والنشاط الثاني أن نحاول فهم الأساليب الفنية التي يتبعها القاص في قصته, والطرق التي يسلكها لعرض الشخصية النسوية وخلقها, وتصويرها في العمل القصصي لإقناع القارئ بحقيقتها, والنشاط الثالث هو أننا بوصفنا قراء مهتمون بمدى صدق هذه الشخصية وبمدى أيماننا بان القاص قدم شخصية يمكن أن نقتنع بها, ونصدق بوجودها, والنشاط الأخير يعني بالضرورة الحكم على الشخصية القصصية من خلال العمل وحدة متكاملة,وكيفية نجاح القاص أو إخفاقه في تصوير شخوصه ضمن إطار العمل القصصي, فنراه يقول: هرول بغتة في إرجاء المكان هربا من معاودة ذلك الواقع البائس لأجفانه التي يغرقها سيل سعادة هبط ليلامس روحه بهفهفات باردة كنسيم عذب في ليلة قائظة تلفت مسحورا تداعب إذنيه همسات صوت دافئ اقترب يا حمدان, هذا هو النعيم الذي حرمت منه.
     إن علاقة الحوار بعناصر السرد المختلفة علاقة بنيوية ووظيفية، لا يمكن الفصل بينه وبين تلك العناصر السردية المكونة لبنية القصة ,وهو مفتاح نجاح عناصر السرد في القصة, أفاد الحوار الداخلي من قدرتي الذاكرة /والمخيلة في تعزيز أنماطه، وتنويعها، فاستطاع القاص(عبد الهادي والي) من تطويع التقنيات السردية ليستخدمها في معالجة النص القصصي، كما في الاسترجاع,والحوار الداخلي الفني اللذين يسهمان في التعبير عن العالم الداخلي للشخصية, فنراه يسرد لنا الحوار الآتي في الجنة:- تطلع مبهورا ليغيب وسط خرافية المشهد الغريب: حورية بجدائل طويلة تنسحب خلفها, ينسدل فوق جسدها الناصع البياض, ثوب اخضر هفهاف بلون الخضرة الندية مد ذراعا أيبسها الجفاف والحرمان في تهويمات غير متيقنة من قدرتها على ملامسة شيء مادي, خشي كثيرا ان تغرق أنامله في فراغ أثيري لتنسحب الصورة الفاتنة.
    إن وصف الراوي في قصة (سعادة متأخرة) يتجه صعودا أو هبوطا نحو خطاب الآخر في إطار ما تطرحه مجموعة الخطابات من علاقات اجتماعية,ورؤياوية,وخصائص أسلوبية متنوعة,ومن هنا تصبح لغة السرد في الوصف تتسم بحركة الأنا,والآخر في آن داخل التشكيلات الوصفية للقصة, إن الوصف السردي لا يرقى بنفسه,ولا يضع مؤشرا بنفسه,وإنما من خلال اصطراعه مع صوت الآخر قربا أو بعدا, والقصة التي كتبها القاص (عبد الهادي والي) فيها ثمة وصف دقيق جدا ومن خلال لغة شعرية رائعة الجمال والوصف فيها عنصر مهم من عناصرها, تلك هي رسالة القاص في اغلب نصوصه القصصية,إذ تتضمن وصف في المجموعة القصصية تشيع فيه ثقافة المحبة, والحزن, والضياع, وتدمير البلد من قبل الجماعات الإرهابية, وقتل الأطفال والنساء والأبرياء العزل, وتفجير الأسواق, وقتل العمال ماعدا بعضها إذ كانت الأحداث يسردها راوي القصة, خيّلَ له انه يحاول الرد، ومحاولة أقناعها بأن الذي حدث كان خارج إرادته ولكنه لم يستطع ذلك فقال في سديم كالسراب حين اصطدمت كفه بملمس الحرير المنسدل من رأس الحوارية كالشلال, وتحدرت أنامله تلامس عنقا ناصعا بياض المرمر, أدرك متأخرا سر تلك السعادة الهائلة التي تثقل على قلبه كصخرة جاثمة لا يحتمل ضغطها المتواصل كان فرحا غريبا طاغيا يعصف بجسده الواهن النحيل ليحد من حركته كالمشلول لم يصدق أبدا ما تراه عيناه وما تلمسه يداه.
ولعل أهم ما يميز القاص المبدع (عبد الهادي والي) قدرته الفنية في التعبير السردي, وشعرية الكتابة ,انه يجمع بين الخيال والواقع, تميز أسلوبه بدقة اختيار المفردات لتنسجم مع المعاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى