مقال

فيينا أو المستحيل المهدور

أجدور عبد اللطيف | المغرب 

   أتذكر مطالعتي في طفولتي الأولى، لقصةٍ مترجمة يتحدث فيها طفل مشرد يعيش في فيينا بالنمسا عن حياته اليومية، وعن تفاصيل معتادة لكن بسرد ممتع منساب جعلني أقع في حب المدينة، وأتذكر جيدا تدوين اسم المدينة والدولة التي تقع بها في قصاصة ورق خبأتها بإحكام داخل كتبي المدرسية. كانت في ذلك الوقت تبدو إمكانية سفري لهذا المكان ضربا من الخيال المنحرف الذي خجِلتْ مخيلتي الصغيرة آنذاك حتى من الإقتراب منه، نظرا لظروف الفاقة الشديدة التي كانت أسرتي ترزح تحتها، حيث كان مجرد الانضمام لرحلة مدرسية واجب المشاركة فيها لا يتجاوز عشرين درهما شيئا يفوق استطاعتنا.

   لقد كانت القصاصة الورقية مجرد حفظ لمتعة القراءة عن فيينا، وتحنيطا للذكرى لا أقل ولا أكثر.

تمكنت بعد زهاء عشرين سنة خلال الصيف الأخير من تحقيق المعجزة، معجزة الطفل صاحب القصاصة، الذي كان وعده آنذاك بإمكانية تحقيق هذا الشيء يساوي بنظره وعدا بإمكان إحياء ميت أو زيارة المريخ.. لقد استمتعت خلال خمسة أيام بكل إنش من المدينة، بكل تفصيل ممل، بكل رائحة أو طعم أو همسة أو ومضة، لقد استدعت الزيارة الذكريات الطفولية حول القصة، وأدركت أنني كنت أحمل هذا الحلم طوال مراحل حياتي حتى في الأوقات التي كنت أظن أنني أبعد شخص في الكون عن هذا المكان.

ترهل مفهوم المستحيل في نظري بعد الزيارة، وتداعت رهبة المعجزة، وأضحت كل فكرة قد ترد على مخيلتي أتوماتيكيا ممكنة وقابلة للتطبيق، بما فيها إمكانية زيارتي للمريخ في المستقبل، أن أصبح مالكا لأغلب الأسهم في شركة أمازون، أن أتزوج ابنة عاهل هولندا، أن ألعب لبرشلونة للكرة الطائرة وليس كرة القدم طبعا.

الرسالة باقتضاب أن لكل شخص الحق الكامل التام الناجز في أن يحلم أي حلم لعين يؤرقه، مهما بدا الحلم غريبا ومتطرفا، فلولا غرابة عباس بن فرناس وايديسون في الحلم ما حلقنا في السماء ولا استضأنا ليلا بضياء، مع ضرورة اتخاذ العمل المكثف الصادق دافعا نحو الإقتراب من لفظ المستحيل الذي سيظل – كما أردد دوما – عبئا على المعاجم والقواميس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى