فكر

عصر التنوير وإخفاقات النهضة العربية

بقلم: عماد خالد رحمة |برلين

عرف العالم حركة فكرية وفلسفية لها خصائصها ومكوناتها صبغت القرن الثامن عشر والقرن العشرين بصبغة التنوير، وأصبح ذلك العصر معروفاً باسم (عصر التنوير) أو (عصر المنطق) كون تلك الحركة هيمنت على عالم الأفكار في القارة الأوروبية.
فقد انبثق عصر التنوير عن حركة أوروبية فكرية علمية وفلسفية عُرِفَت آنذاك باسم حركة (النهضة الإنسانية) حيث اعتبر الكثيرون كتاب: (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية) – الذي ألّفه عالم الرياضيات والفيزياء الانكليزي السير إسحاق نيوتن (Isaac Newton)‏ (25 تشرين الثاني 1642- 20 آذار 1727) وهو من أبرز العلماء عبر العصور وأحد رموز الثورة العلمية. حيث كان كتابه أول الأعمال التنويرية الرئيسية.
وكان المؤرخون الفرنسيون قد حدّدوا بداية عصر التنوير أو عصر النهضة بالفترة ما بين وفاة لويس الرابع عشر المعروف أيضًا باسم لويس العظيم أو ملك الشمس، الذي كان ملكاً لفرنسا منذ 14 أيار 1643 حتى وفاته في عام 1715. وكانت فترة حكمه البالغة 72 عامًا و 110 أيام هي أطول فترة مسجلة لأي ملك لدولة مستقلة في التاريخ. كانت فرنسا في عهد لويس الرابع عشر رمزًا لعصر الاستبداد والطغيان في أوروبا، فمنذ وفاته في عام 1715 واندلاع الثورة الفرنسية – في عام 1789 – التي أنهت نظام الحكم القديم، بينما حدّد المؤرخون نهاية هذا العصر مع بداية القرن التاسع عشر.
فقد نشر الفلاسفة والعلماء والمفكرين في تلك الحقبة أفكارهم على نطاقٍ واسع من خلال إجراء اللقاءات العلمية في الأكاديميّات والمحافل الماسونية، والصالونات الأدبية، والمعاهد والمقاهي، ومن خلال الكتب المطبوعة والصحف والمنشورات واسعة الانتشار .والتي ساهمت بتقويض أفكار عصر التنوير أو عصر النهضة، السلطة الملكية وسلطة الكنيسة، ومهدت الطريق أمام الثورات السياسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. حيث تعود مجموعة كبيرة ومتنوعة الطيف من الحركات الفكرية في القرن التاسع عشر، بما في ذلك الليبرالية كونها فلسفة سياسية أو رأي عام وسائد تأسست على أفكار الحرية والمساواة. والحركة الكلاسيكية الحديثة، بأصولها الفكرية والفلسفية إلى عصر التنوير. ولقد كان للعالم الإسلامي دور كبير في تاريخ الفكر التنويري، قام العلماء والمفكرون المسلمون مثل ابن رشد وابن سينا بدراسة الأفكار الإغريقية، الأمر الذي أدى إلى تطويرها، وإلى خلق مجالات علمية جديدة متطورة. فمن خلال ترجمة ابن رشد وتعليقاته حول كل ما كتبه أرسطو تم تقديم الفكر النقدي العقلاني إلى أوروبا بأكملها. وقد دُرِّست الأطروحات التي قدّمها الفيلسوف العربي الأندلسي أَبُو اَلْوَلِيدْ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ أَحْمَدْ بْنْ رُشْدْ اَلْأَنْدَلُسِيِّ المعروف بِابْنِ رُشْدْ اَلْحَفِيدِ، (مواليد 14 نيسان 1126م، قرطبة- توفي 10 كانون الأول 1198م، مراكش) فكانت أطروحات ابن رشد في الجامعات الأوروبية الأولى مثل باريس، وأكسفورد، وبولونيا، وبادوا.
هنا يمكننا استخدام معنى التنوير بمفهومه التاريخي المعاصر، المرتبط بالانبعاث العربي واليقظة العربية، الذي بدأت طلائعه منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد بدأت جذوره، بدعوات التسامح الديني، وقبول قوانين التطور والتقدّم ، واحترام الرأي والرأي الآخر، ومع أننا نميّز عصر الأنوار العربي عن عصر الأنوار الأوروبي، وأدبيات الدولة الحديثة ومآلاتها، التي عبّرت عنها أفكار الفيلسوف والكاتب والأديب الجنيفي جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau)‏ ،(1712_1778)، وهو من أهم كتّاب عصر التنوير، والفيلسوف التجريبي والمفكر الإنكليزي جون لوك (John Locke)‏ (1632- 1704)، والفيلسوف والقاضي ورجل الأدب الفرنسي شارل لوي دي سيكوندا (Charles Louis de Secondat)‏ المعروف باسم مونتيسكيو (Montesquieu)‏؛(1689-1755)،لكن أي محاولة للفصل بين منظومة أفكارهما، تبدو تعسفية وفي غير مكانها.
   أيضاً يمكننا اعتبار الكاتب والفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه(François-Marie Arouet)‏ ويُعرف باسم شهرته فولتير (Voltaire)‏. ‏(1694– 1778 م) عـاش خلال عصر التنوير وهو من أهم الفلاسفة والمفكرين في عصرالتنوير، والفيلسوف والمؤرخ والاقتصادي الاسكتلندي ديفيد هيوم ( David Hume)‏ (1711- 1776)، وهو شخصية مهمة في الفلسفة الغربية وتاريخ التنوير الاسكتلندي. وجميعهم قاموا بمهاجمة مؤسسات الكنيسة وملحقاتها ،والدولة القائمة آنذاك.
وكان الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (Immanuel Kant) (1724 -1804). آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانط آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم. فقد جسّد إيمانويل كانط عصر الأنوار خير تجسيد بتوازنه الصارم وحسه الأخلاقي العالي المستوى. ومن الشخصيات الأكثر شهرة الذين أيدوا أفكار ڤولتير وهم، جان جاك روسو، مونتسكيو،، ديدرو وكوت دالمبرت، كيناي وريشيليو، بوفون، كونديلاك.
كما اشتمل التنوير على مجموعة من الأفكار التي تركز على سيادة العقل والمنطق والأدلة على الحواس بوصفها مصدرًا أساسياً وهاماً للمعرفة، وعلى المُثُل والقيم العليا كالحرّية والرقي والتسامح والمحبة والإخاء والحكومة الدستورية وفصل الكنيسة عن الدولة بشكلٍ كامل. تضمنت المبادئ والقيم الأساسية لفلاسفة التنوير في فرنسا الحرية الفردية والتسامح الديني، مقابل الملكية المطلقة، والعقائد الثابتة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
    الجدير بالذكر في هذا السياق أن عصر التنوير يتميز بالتركيز على المنهج العلمي وعلى الاختزالية فضلًا عن التشكيك المتزايد بالعقائد الدينية وملحقاتها، وهو الموقف التي سلّط عليه الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط Immanuel Kant الضوء في مقالته: (تجرأ على المعرفة).
لقد ارتبط عصر الأنوار الأوروبي، بالمرحلة الرومانسية التي اتسمت بالهروب من قيود العقلانية والهروب من الحركة الفلسفية والسياسية والاجتماعية التي تعتمد على العقل كمصدر للحقيقة والتخلص من وصاية الآخرين، سواء كان أولئك الآخرون أدياناً وطوائف ومذاهب أو مؤسساتٍ أو أفراداً، التي عُرفت بعصر التنوير أو الأنوار.؛حيث كانت أوروبا تتجه نحو عقلنة الطبيعة، والاعتماد على العقل والفلسفة التجريبية الوضعية كمصدر للمعرفة، وساهمت في استبعاد التراث الأخلاقي والعواطف الشخصية كمحفز للسلوك الإنساني. وهو ما أسّس بدوره لما يُعرف اليوم بعالم الحداثة. فقد نشأت الرومانسية بحلول نهاية القرن الثامن عشر، كحركة مضادة لها. بخاصة وأنها ركّزت على المشاعر الفردية كمصدر أصيل للتجربة الجمالية. فمّجدت الماضي والخيال والطبيعة بعد القطيعة التي أحدثها عصر التنوير.
وكانت الحركة الرومانسية قد ظهرت بقوة في الأدب والفنون التشكيلية والموسيقى واتسمت بعدة مبادئ منها: أنها مجّدت التقاليد والأعراف التي نظّرت لها كشيء نبيل وسامي، على النقيض من العقلانية التي نظرت للتقاليد والأعراف كقوانين خانقة بالية عفى عنها الزمن، كما اعتبرت الرومانسية أنّ أساطير وقصص العصور القديمة والشخصيات الروائية الأدبية بتنوعها كلها عناصر جمالية أصيلة وقيّمة، ومجّدت الحركة من حسّ القوة والبطولة والملحمة الفردية للفنانين، الأمر الذي جعل الخيال هو السلطة العليا في الحياة.
    لذا فإنّ الحركة الرومانسية كانت قد بشّرت بجملةٍ من الأفكار والمفاهيم والآراء، جسدتها لاحقاً الثورتان، الفرنسية والإنكليزية. وقد شملت تلك الأفكار، مختلف الأنشطة الفكرية والثقافية والإبداعية والفنية بأوروبا، وعبّرت عن ذاتها بأشكالٍ مختلفة ومتنوعة، رمزية وسيريالية وتجريدية وواقعية، تبعاً لطبيعة المرحلة التي تمر بها، ولمساحات الحرية المتاحة، وأيضاً بمستوى النمو الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، والمناخات التي سادت في حقبة الانتقال نحو الثورة الصناعية الكبرى، وما سبقها من كشوف جغرافية لهذا العالم المترامي الأطراف.
    كانت الفلسفة العقلانية التي أسسها الفيلسوف وعالم الرياضيات والفيزيائي الفرنسي رينيه ديكارت (René Descartes)‏ (31 آذار 1596–11 شباط 1650)، مؤلف كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641م) الطريق للتفكير التنويري. لم تكن محاولته لتأسيس العلم على أساس ميتافيزيقي آمن ناجحةً بقدر منهجه في الشك ( الكوجيتو الديكارتي) المطبقة على المجالات الفلسفية التي أدت إلى عقيدة ازدواجية للعقل والمادة. نُقّح مبدأ الشك لرينيه ديكارت (René Descartes) من خلال الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الانكليزي جون لوك (John Locke) (29 آب 1632 – 28 تشرين أول 1704)
في عمله الهام:(مقال خاص بالفهم البشري) ومن بعده كتابات ديفيد هيوم (David Hume)‏ في أربعينيات القرن الثامن عشر. خضع ازدواجية ديكارت لتحدي تأكيد سبينوزا الذي لا يهدأ لوحدة المادة من خلال كتابيه الهامين (رسالة في اللاهوت والسياسة) و(أخلاقيات).
    وفقاً لجوناثان، رسم الكتابين خطين منفصلين للفكر التنويري الأوروبي،الأول: التنوع المعتدل، ويتبع رينيه ديكارت وكريستيان وولف وجون لوك، سعى هذا الخط للمواءمة بين الإصلاح والأنظمة التقليدية للسلطة والدين معاً ، والخط الثاني: التنوير الراديكالي، الذي استلهم طريقه من فلسفة الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (Baruch Spinoza) الذي يناصر الديمقراطية والحرية الفردية وحرية التعبير وتقويض السلطة الدينية وملحقاتها. فقد مال التنوع المعتدل ليكون ربوبياً، بينما فصل الميل الراديكالي كلياً بين الأخلاق بشكلٍ عام واللاهوت. حيث واجهت خطوط التفكير تلك معارضة في نهاية المطاف من تيار محافظ مضاد للتنوير سعى للرجوع إلى الدين ومؤسساته.
   في وطننا العربي، بدأ عصر النهضة أو عصر التنوير، أثناء مقارعة السيطرة العثمانية. وجاء في شكل مناداة بالوحدة العربية وإزالة الفروق بين المذاهب الإسلامية، وتحرير العقل من الأساطير والخرافات والأوهام، والأفكار البالية، ودعم العقائد بالأدلة والبراهين والوثائق، والتخلص من قيود التقليد والماضي الأعمى، وفتح أبواب الاجتهاد، ومناهضة الاستبداد والطغيان.

    وكان المشرق العربي، قد شهد منذ بداية القرن التاسع عشر، بروز حركة أدبية وفكرية وثقافية وسياسية واسعة وجمعيات علمية ناشطة. ومنذ ذلك الحين، توالت الصحف والمجلات والدوريات في الصدور. كما برزت اتجاهات اجتماعية وثقافية ودعوات فكرية إلى التحديث والتطوير ، وتغليب للمشاريع الوطنية، بديلاً عن الانتماءات الفئوية والجهوية، عبّرت عنها دعوة رفاعة رافع الطهطاوي(1801- 1873) هو رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع، ويُلحقون نسبهم بمحمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحُسين بن فاطمة الزهراء، من قادة النهضة العلمية في مصر في عهد محمد علي باشا الذي دعى إلى أن يكون الوطن (مكان سعادتنا العامة التي تُبنى من خلال الحرية والفكر والمصنع).

     اعتبر عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي (1855– 15 حزيران 1902م) أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي، اشتهر بكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يعد من أهم الكتب العربية في القرن التاسع عشر التي تناقش ظاهرة الاستبداد السياسي.اعتبر أنّ العرب أمة، واحدة، ورأى أن الأمة قد يجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين وحقوق مشتركة للجميع ، وأن اللغة العربية هي الرابطة الأولى والأساسية بين العرب. وقد تماهت هذه الرؤية، في بعض جوانبها، مع بروز الدولة القومية، بالقارة الأوروبية، التي كانت بدايتها على الصعيد العملي، بألمانيا مع عهد أوتو إدوارد ليوبولد فون بسمارك (Otto von Bismarck) (1نيسان 1815- 30 حزيران 1898) الذي أشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ «الرايخ الألماني الثاني»، وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871.
     وهكذا يمكن القول، إن التنوير العربي أو النهضة العربية أسهمت في انبعاث الوطنية الحديثة، التي تغلغلت فيها الآراء الغربية في الوطن والحرية والدولة الحديثة والعلاقات التعاقدية. والعلاقات الدولية، وقد زاوجت حركة التنوير، بين الإعجاب بالتراث العربي الإسلامي الغني الثر، والتأكيد على صلة العروبة بالإسلام، والافتتان بالفكر السياسي الحديث واستطالاته.

   والسؤال الهام الذي يواجهنا باستمرار هو لماذا حقّق عصر الأنوار الأوروبي أهدافه التي رسمها، واستمر يتقدم بثبات وقوة، جاعلاً من القارة الأوروبية مركزاً للعالم، في حين فشل التنوير العربي من الوصول إلى تلك النتائج التي وصل إليها الأوروبيون. بمعنى آخر، لماذا نجح مشروع النهضة الغربي، وفشل مشروع اليقظة العربية او النهضة العربية؟

    لقد تزامنت حركة الانبعاث العربي المعاصرة واليقظة العربية، مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية التي كانت متحكّمة بالمقاليد الاقتصادية، وغياب الطبقة المتوسطة بفعل الصعود الكاسح للاقتصاد الأوروبي، وتدمير الصناعات الحرفية المتنوعة في حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب توافد المنتجات الأوروبية وتوريد السلع رخيصة السعر للأسواق العربية المحلية، واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وهو من الطرق البحرية الاستراتيجية، مما أدّى إلى تراجع أهمية عدد من الموانئ العربية،مثل ميناء اللاذقية وبيروت وحيفا والأسكندرية، التي كان لها دور في رفد اقتصادات مصر وبلاد الشام.

    لم تتمكن حركة النهضة العربية، من مواصلة مهمتها التاريخية ودورها المنوط بها. فمن جهة شعرت، نتيجة لارتباطها الوثيق، بالثقافة التقليدية بخطر التغريب كمدمّر حقيقي لقيمها ومبادئها الحضارية، ومن جهة أخرى غمرها شعور بالحاجة للتطوير والتحديث. وهكذا حاولت المواءمة بينهما. وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات في العديد من المجالات، كبعث اللغة العربية وضرورة تعلمها،وتكييفها تكييفاً جديداً منسجماً مع متطلبات التجديد الثقافي والمعرفي والتقانة، وإيقاظ الروح النقدية لدى الكتّاب والنقاد والمبدعين، لكن بنيتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، لم تسعفها في تحقيق ما هو أكثر من ذلك نتيجة المعيقات والحواجز الكثيرة.
     يضاف إلى ذلك، أن اليقظة العربية، جاءت بعد انقطاع طويل لنهضة الأمة العربية. ذلك يعني أن عصر الأنوار العربي، لم يكن نتاج صيرورة وسيرورة وتراكم تاريخي، بل مشروعاً وافداً من الغرب الأوروبي بمجمل حمولاته . ولذلك بات صدى واهناً وضعيفاً لتحولات بنيوية كبرى بالمجتمعات الأوروبية. فكان أداؤه وجهاً آخر، للعجز عن المبادرة والإبداع والعطاء ، وتعبيراً عن ضحالة الفكر والثقافة.
وكانت مواقف حركة الاستنارة العربية مرتبكة ومتشابكة ، تجاه عنصري النهضة، الحرية والعدالة بسكلٍ أساسي ومن ثم حرية الرأي والتعبير. فبدلاً من ربطهما معاً في برنامج سياسي واحد له توجّه مدروس بإحكام ، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل ووضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تعارض وتشابك مع بعضهما البعض .

       مكمن المشكلة والمعيقات إذاً، هو وضع عناصر النهضة العربية، في مواجهة بعضها البعض. عنصر نهضوي ملحّ وضروري في مواجهة عنصر نهضوي آخر ملحّ وضروري، الحرية في مواجهة التنمية والعدالة والمساواة، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الحرية واستحقاقاتها، في متتاليات أقرب للتراتبية الميكانيكية، وليس لنظرية الدورة التاريخية وسيرورتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى