لماذا لا يُوجد عملاءُ إسرائيليون؟
توفيق أبو شومر | فلسطين
يتردد خبرٌ منذ أيامٍ في معظم صحف إسرائيل عن ضابط إسرائيلي مرموق، يعمل في تكنلوجيا المعلومات، انتحر في سجن استخباري إسرائيلي، خلال عدوان إسرائيل على غزة يوم 14-5-2021م، تهمتُه؛ تعريض أمن إسرائيل لخطر بالغ، الأخبار القليلة التي نُشرتْ عنه تُرجِّحُ تورطه في قضية استخبارية (حساسة) فهو معتقلٌ منذ شهر سبتمبر 2020، دُفنَ بسرية في مقبرة (مدنية) ليست عسكرية! ما يزال حظرُ النشر عن تفاصيل القضية ساريا حتى كتابة المقال!
رسَّختْ إسرائيلُ منذ قيامها الدعايةَ بمناعة الإسرائيليين من عيوب مجاوريهم، وأنهم يختلفون عن محيطهم، لذا جرى ابتداع تقنيات إعلامية خاصة، أو نسج أساطير يمكنهم بها التعمية على تناقضات فسيفساء هذا التجمع السكاني، أو أشتات المجتمعات المختلفة، كان الغرضُ من نسجِ تلك الأساطير توحيدَ أشتات سكان إسرائيل، المختلفين، المتناقضين.
ولكي تكتمل هذا المناعة المزعومة، اخترعوا أيضا أسطورة عدم التفريط في جنودهم، سواء أكانوا أمواتا، أم أحياءً، لكي يشعر الإسرائيليون بالرفعة والسمو، فاستبدلوا جثث الجنود بمئات الأحياء، وألفوا عشرات القصص عن إنقاذ جُثث الجنود أثناء الحرب حتى لا يقعوا في يد الأعداء، ووضعوا الجوائز الثمينة لمن يُرشدهم إلى جنودهم الأسرى والمختطفين!
وضع المخططون أسطورة أخرى لتعزيز هذا النسيج المتنافر، وهي أن الإسرائيلي لا يمكن أن يخونَ وطنَه، أو يُصبح عميلا لدولة أجنبية، من أجل ذلك نحتوا الروايات، وكتبوا القصص عن كفاءة مخابراتهم في تجنيد العملاء، واختراق كل المجتمعات! لذلك ظلَّ كثيرون يتساءلون: لماذا لا نسمع عن عملاء إسرائيليين يخونون إسرائيل؟!
أخفتْ إسرائيلُ كلَّ الأخبار عن الإسرائيليين الذين اخترقوا هذا التابو، وعملوا جواسيس لدولٍ أخرى، وما أكثر هؤلاء الجواسيس! غير أن الامبراطورية الإعلامية الإسرائيلية حظرتْ نشر أخبار الجواسيس، وخصصتْ مراسلين إعلاميين عسكريين ينشرون أساطيرهم فقط!
نشرتُ منذ فترةٍ قصةَ عميلٍ إسرائيلي كبير كان عضوَ كنيست عام 1994م، وكان وزيرا سابقا للطاقة في إسرائيل عام،2004م، الجاسوس هو، غونين سيغف، لم يكن شخصا عاديا، هذا الجاسوس جندته إيران عميلا لها عام 2012م، زار إيران، سلمته إيران جهاز إرسال خاصا، اعترف هذا الجاسوس بكل التهم الموجهة ضده، إلا أن القضاء الإسرائيلي، أغفل تهمة الجاسوسية، حفاظا على أسطورة النزاهة، والشرف، والتفوق الإسرائيلي! هذا الجاسوس أدانته المحكمة فقط بتهمة تهريب المخدرات، وحكم عليه حكما مخففا، حتى لا تُكشف عورةُ هذه الدولة المنيعة، وتنهار أسطورتها!
هناك أيضا قصة مشهورة، قصة الموظف السامي في مفاعل ديمونا، مردخاي فعنونو، في ثمانينيات القرن الماضي حيث كشف أسرار هذا المفاعل، اختطفه قراصنة الموساد من إيطاليا، وحكموا عليه ثماني عشرة سنة سجنا، مع الإقامة الجبرية بعد السجن، ثم اتهموه بأنه يساري متطرف، ثم أشاروا إلى أنه ولد في (المغرب)، ثم أسدلوا الستار على ملفه!
حاول الإسرائيليون أيضا إسدال الستار على قصة، إيهود (أودي) أديب، وهو يساري إسرائيلي، ما يزال حيا يُرزق حتى اليوم، عمره ستة وسبعون عاما، قرَّر أن يُناصر الفلسطينيين لأنهم على حق، دُرب عام 1972 في دمشق، ومُنح جواز سفر مزيفا باسم، جورج خوري، أسس خلية فدائية ضد المنشآت الإسرائيلية، أُلقي عليه القبض، حُكم عليه بالسجن سبعة عشر عاما، حاول الإسرائيليون أن يحصلوا منه على توبة لإلغاء تهمة الجوسسة ليُعززوا أسطورتهم؛ [مناعة الإسرائيلي ضد الجاسوسية] حتى أنهم وضعوه في سجنٍ مع الإسرائيليين ليعزلوه، ولكنه رفض، وأصرَّ أن يقضيَ 12 سنة في السجون مع الأسرى الفلسطينيين، لذلك كرَّمه الفلسطينيون وُوضعوا اسمه في رأس قائمة صفقة الأسرى عام 1985، وجرى تحريره من الأسر، بعد أن قضى اثنتي عشرة سنة!
إن الإسرائيليين ليسوا بارعين في إخفاء عوراتهم فقط، ولكنهم بارعون أيضا في كشف عوراتنا!