محمد البريكي يصدح بأعذب قصائده في دبي
دبي| عالم الثقافة
في أمسية شتوية مضمخة بعبير القوافي، استضاف مسرح الشباب للفنون في دبي، الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، ضمن سهرة أدبية شعرية قدمتها الشاعرة الهنوف محمد، لتكون أولى فعاليات القطاع الأدبي للمسرح، وحضرها جمهور عريض من الأدباء والشعراء والمثقفين. وفي بداية الأمسية التي شهدها سعادة ناجي الحاي رئيس مجلس إدارة مسرح الشباب للفنون، رحبت الشاعرة الهنوف محمد بالشاعر محمد البريكي، وأشادت بتاريخه الأدبي والشعري الحافل، وإنتاجه الشعري الغزيز والمتنوع، والذي تنقل فيه ما بين الشعر العمودي والشعر النبطي، فهو الشاعر الذي أطر المدن في مرايا الغمام، وألهم الليل ليترك باب المقهى، وكانت قصائده وتراً يداعب أفئدة القلوب على امتداد خريطة الوطن العربي الكبير، وغدت أشعاره موضوعاً للعشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات والكليات العربية من المحيط إلى الخليج. وابتدأ الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة، الأمسية بقصيدة عاد فيها إلى شعر الأقدمين مستحضراً شاعر المعلقات الأول امْرئ القَيْسِ، ومازجاً في توليفة بديعة ما بين شعره وشعر رهين المحبسين أبي العلاء المعري بقوله:
صُعوداً إلى المَعْنى الّذي لا يُطاوَلُ
أَقولُ: نَعَمْ أَسْطيعُها لا أُحاوِلُ
فإنَّ الّذي بَعْدَ امْرئ القَيْسِ قَدْ أتى
سَيَأْتي بِما لَمْ تستطِعْهُ الأوائِلُ
وفي تنويعة لطيفة وبانتقال سلس وجميل، أبهج الحضور ورفع حرارة اللقاء الشتوي، ألقى الشاعر محمد عبد الله البريكي، قصيدة من شعره النبطي، عطرت الأجواء الشتوية الباردة بالمسك والعنبر، ثم أخذ جمهوره في جولة سريعة إلى وادي عبقر الشهير حيث يقول البريكي:
واحِدٌ أَيْقَظَ النُّجومَ لِيَسْهَرْ
زَفَّ لِلشِّعْرِ ماءَهُ فَتَشَجَّرْ
كُلَّما شَدَّ لَيْلَهُ وتَجَلّى
سَقَطَتْ في السَّماءِ دِيمَةُ عَنْبَرْ
لَمْ يَكُنْ حَوْلَهُ سِواهُ أَنيسٌ
حِينَما مَرَّ غَيْرُهُ دَرْبَ عَبْقَرْ
شَرِبَ الحُلْمَ مِنْ جِرار الأَغاني
ومِنَ الوَرْدِ في المَعاني تَعَطَّرْ
ولم يكتفِ البريكي بالنزهة مع النجوم في وادي عبقر، بل حمل مستمعيه في رحلة عبر البحار والجبال والصحارى والوديان، ليقودهم إلى مصر العروبة متغزلاً بنهر النيل العظيم في أشعار حملت صبغة العروبة الخالصة، والحنين الشديد لأم الدنيا أرض الكنانة، ونيلها “هبة مصر” حيث يقول:
نظـــرتُ إلى بــــابِ الأمير فقالَ لي:
تقــدّمْ، فقلـــــتُ: النهرُ ما مدَّ معبَرَهْ
لأُلقي بهـــذا اليــــمِّ طفـــــلاً إخالُهُ
سيجعلُـــهُ التاريــخُ ضوءاً ليُشهـِـرَهْ
إذا قالَ شعراً في “الزمالكِ” طَوَّفَــتْ
على مصرَ حتى يبلُغَ الصوتُ أنقـَـرَةْ
وفي منتصف الأمسية طرحت مقدمة اللقاء الشاعرة الهنوف محمد، سؤالاً على الجمهور العريض الذي كان أغلبه من الشعراء المقيمين في دولة الإمارات والزائرين لها من أقطار الوطن العربي، حول انطباعاته عن مهرجان الشارقة للشعر العربي الذي أسدل الستار على دورته الـ 20 منذ أيام قليلة، فعبر الجمهور عن إعجابه الشديد وانبهاره بالتنظيم والحفاوة وكرم الضيافة والمشاركة الغنية والرائعة للشعراء من كافة أقطار الوطن العربي، مشيداً بجهود إمارة الشارقة ورعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للشعر والشعراء والأدب والأدباء، وشارك الإعلامي والشاعر يوسف علي الغضبان في أبيات شعرية شكر فيها للبريكي جهوده الجبارة في تنظيم وإخراج المهرجان بأبهى حلة وعلى أكمل وجه حيث قال:
يا حاتم الشعر والأخلاق والفقرا
يا ابن الإمارات يا شمساً ويا قمرا
أدامه الله للإنسان قاطبة…
هو البريكي يغذو الزهر والثمرا…
هو البريكي ضرغام بمنبره…
وسيد الحرف والقاموس والشعرا…
إن كان للجود في أزماننا وطن…
فكفك الوطن الفياض منهمرا…
أو كان للطيب في أرجائنا بلد…
فقلبك الياسمين الغض مزدهرا…
لن يبصر الدهر مقداماً كمثلكم…
وليس تشهدكم أرض وليس ترى…
ثم تابع الشاعر محمد عبد الله البريكي إلقاء أشعاره العذبة وقصائده الشجية، صادحاً في فضاء الليل البهيج، بألحان أشعلت حرارة الأمسية، فكانت نسائم ألحانه الشعرية الدافئة كطير السنونو ينقر على شغاف القلوب، فيزيد حميمية اللقاء الذي جمع المثقفين والشعراء ومحبي أشعار البريكي، في أمسية من أجمل الأمسيات اختتمها البريكي بقوله:
وقلتُ للأرضِ هذا الكونُ محتفلٌ
بما لديَّ من الألحانِ، فاقتربي
وقرّبي لي الحزانى، كي أهُزَّ لهم
جذعَ الشعورِ فيدنو نحوهُم رُطَبي
وكي أقدّمَ فنجاناً بدهشتِهِ
من الأحاسيسِ مغليّاً على حطبي
وفي ختام الأمسية تقدمت الشاعرة الهنوف محمد بالشكر الجزيل للشاعر محمد عبد الله البريكي، على ما قدمه من أشعار خلبت ألباب المستمعين، وأدخلت السرور إلى نفوسهم، ليقوم بعدها سعادة ناجي الحاي رئيس مجلس إدارة مسرح الشباب للفنون، بتكريم الشاعر البريكي على مشاركته الرائعة، مثنياً على جهوده الجبارة في خدمة الأدب والشعر محلياً وعربياً، وداعياً حضور الأمسية للتعرف على أقسام مسرح الشباب للفنون، ونشاطاته المختلفة والمتنوعة