مقال

لعبة الثنائيات في الفيلم الروائي السوري (يومين)

بقلم: علي جبار عطية
عشتُ مئة دقيقة سينمائية ممتعة مع الفلم السوري الروائي الطويل (يومين)/٢٠٢٤ للمخرج باسل الخطيب، وسيناريو تليد الخطيب،والقصة للفنان دريد لحام الذي قام ببطولته مع نخبةٍ من الفنانين السوريين المميزين منهم : أسامة الروماني، ورنا شميس، ومحسن غازي، ويحيى بيازي، وحازم زيدان، ونجاح مختار، ووائل زيدان، ومؤنس مروة، ورهام التزة، ونور الوزير، وشهد الزلق، وجاد دباغ، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية التي عرفت بإنتاجها الرصين. وقد قدم الفلم في عرضه الأول الخاص ضمن مهرجان بغداد السينمائي/شباط ٢٠٢٤ على قاعة مسرح الرشيد. يمكن تصنيف الفلم ضمن الأفلام الاجتماعية وإنْ كانَ لا يخلو من إشاراتٍ انتقاديةٍ سياسيةٍ ذكيةٍ مرتبطةٍ بالحبكة وهي جزء منها، وغير مقحمة عليها.  وهو ثالث لقاء يجمع بين باسل الخطيب ودريد لحام بعد فيلمي (دمشق حلب) /٢٠١٨،و(الحكيم) /٢٠٢٣.
الملمح البارز في الفلم هو لعبة الثنائيات إذ يعتمد على قصةٍ بسيطةٍ ومحتملةٍ عن هرب صبي وصبية من تعنيف الأب السكير المقامر، ولجوئهما إلى شخصٍ يُدعى غيث أبو سلمى (دريد لحام) في قرية سورية نائية تدعى (طرنيبة) ليعيشا سوية مع ابنته سلمى لكن اشترط عليهما أن يبقيا ليومين فقط !
أما الثنائيات التي حفل بها الفلم فيُمكن تلمسها بعدة صور : فأبو سلمى يعيش مع ابنته المطلقة الوحيدة،وكذلك الطفلان الهاربان، وهناك طبقتان في مجتمع القرية هما طبقة فقيرة واسعة، وطبقة غنية محدودة.
وتتجلى المفارقة في التناقضات الحاصلة في القرية بين كذبةٍ لفقها الطفلان عن بطولةٍ وهميةٍ لأبي سلمى في تخليصهما من عصابة للاتجار البشري، وكذلك افتعال أبي سلمى لهذا في ما بعد بادعائه خطف الطفلين ليلقن أباهما درساً في أن يكون أباً حقيقياً.
ينقلك الفلم من المشاهد الطريفة إلى القاع الذي تعيشه الطبقات المسحوقة ليصل بالمشاهد إلى النهاية السعيدة بعودة الطفلين إلى أسرتهما وإيصال رسالةٍ مفادها مهما تكون الظروف قاسية فهناك نافذة للأمل.
وبعيداً عن التأويل تقرأ تصريحاً للفنان دريد لحام وهو يدخل العام التسعين في فلمه الخامس والثلاثين ذكر فيه أنَّ (الفلم حكاية اجتماعية خالصة تقدم عينة من حالات العنف الأسري، وما يمكن أن يسببه من مخاطر على المجتمع، وباعتبار الأسرة أول مؤسسة اجتماعية يترعرع في كنفها الطفل، فهي تؤثر في نموه النفسي والاجتماعي تبعا لظروف نشأة الأسرة ومدى تحقيقها في إشباع الحاجات النفسية للطفل من خلال المناخ السائد فيها وأساليب التربية المتبعة) .
أما المخرج باسل الخطيب فقال عن الفلم: (هذا النوع من الحبكة، من الحكايات، لا تتوافر كثيراً في السينما السورية، هذا الواقع، هو واقعي لكنه افتراضي في نفس الوقت، عندما كان الأستاذ دريد لحام يسرد لي القصة كنت أرى الأحداث والشخصيات وحتى موقع التصوير، وهكذا تأتي الفكرة وتسيطر عليك وتصبح هاجساً بالنسبة لك وهذا الهاجس تحول إلى فيلم يومين).
وهكذا يمضي المخرج باسل الخطيب في معالجاته السينمائية الواقعية الجمالية منذ أول أفلامه الروائية الطويلة (الرسالة الأخيرة)/١٩٩٨م، و(موكب الإباء) /٢٠٠٥م، و(مريم)/٢٠١٢م، و(الأب)/٢٠١٥م و(الأم)/٢٠١٥م، وسوريون/٢٠١٦م، و (دمشق حلب) /٢٠١٨م، وحتى فلمه الأخير (الحكيم)/٢٠٢٣ ففي أغلب أفلامه ينحو نحو المدرسة الواقعية، ولا غرابة في ذلك فهو منتمٍ إلى المدرسة الروسية العريقة في تناولها ومعالجاتها الاجتماعية والإنسانية والتاريخية التي تعود بدايتها إلى سنة ١٩٠٨م.
لقد اختزل هذا الفلم الأحداث الواقعية التي جرت في يومين بالزمن الفني، وكان حافلاً بمشاهد الطبيعة والموسيقى والكوميديا البيضاء، ولعلَّه كان يرد عملياً على موجة التسطيح والتتفيه والتهريج !

*الصورة مع الفنان دريد لحام والمخرج باسل الخطيب في مهرجان بغداد السينمائي في شباط /٢٠٢٤ بعدسة الفنان المخرج سعد نعمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى