مقال

المشكلات الاجتماعية و أسبابها من المنظور السوسيولوجي

ظهير طريف فالح| العراق

العمر 16 سنة

      تعتبر المشكلات الاجتماعية من السمات الملازمة للتجمعات البشرية على اختلاف تكوينها، و لا شك أن نتائجها تنعكس على مكونات هذه التجمعات سواء كانت أسرة ام جماعة، أي أنها تؤثر في المجتمع ككل.
و المشكلات الاجتماعية قد أخذت سماتها تبرز بشكل متزايد خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية ، التي خرج منها العالم مثقلاً بالأعباء الاقتصادية و الاجتماعية التي خلفتها وسائل الخراب و الدمار .

     والمشكلة الاجتماعية هي حالة اجتماعية او وضع اجتماعي غير مرغوب فيه، أو بمعنى آخر هي ظاهرة اجتماعية باثولوجية (مرضية)، من شأنها أن تحدث خللا في نسق القيم الأخلاقية والنظم الاجتماعية القائمة مما يساعد على تفكك العلاقات الإنسانية و اهتزاز مكونات البناء الاجتماعي، وإعاقتها عن تأدية وظائفها على الوجه الأكمل.

الظروف المهيئة لوجود المشكله الاجتماعية

     لا شك أن شباب اليوم يعايش واقعاً يتسم بالتغير الاجتماعي السريع و الصراع الاجتماعي الحاد، باعتبارهما ظاهرتان متلازمتان بطبيعتها ، فالتغير يولد الصراع، كما أن الصراع يؤدي الى التغير، هذا التفاعل اللولبي القائم بينهما قد اثر بشكل حاد في المجتمعات البشرية.
مما تجدر الإشارة إليه، أن غياب المشكلات الاجتماعية من المجتمع لا يشير بالضرورة إلى مثاليته ، كما أن كثافة هذه المشكلات في المجتمع لا تعني بالضرورة أنه مجتمع يتجه نحو التخلف، بل من الممكن أن يكون العكس هو الصحيح، فمثلا نجد أن مجتمعاً كالمجتمع الصيني الذي ينظم عملية التغير تندر فيه المشكلات الاجتماعية، و لكنه ليس مجتمعاً مثالياً، و في مجتمع متغير كالمجتمع الأمريكي فأن وجود المشكلات الاجتماعية فيه ربما تكون اعراضا للتقدم و التغير نحو الأفصل.

صلة المشكلات الاجتماعية بالطموحات الأساسية للأفراد

   توجد المشكلات الاجتماعية في المجتمع حينما تفشل العلاقات الاجتماعية بين الناس في تحقيق الأهداف الذاتية الرئيسية و إشباع طموحات عدد كبير من افراد هذا المجتمع، فالمشكلة ليست محصورة فيما ينبغي أن تكون عليه الطموحات، وأنت فيما تكون عليه في الواقع. فمثلاً ، قبل أن تبرز طموحات العبيد في التطلع نحو الحرية بشكل حاد ، لم تكن العبودية تشكل مشكلة اجتماعية خطيرة بشكل مطلق، و إنما كانت تمثل مشكلة اجتماعية لدى للبعض ، و تمثل مشكلة أخلاقية لدى البعض الآخر .

المشكلات الاجتماعية تحل نفسها بنفسها

ان الاعتقاد السائد بأن المشكلات يمكن أن تزول اذا ما تركت وحدها ، يقوم على نظرية التقدم التلقائي الحتمي . تلك النظرية التي لا يقبلها أى عالم اجتماع في عصرنا الحاضر . ذلك أن تطبيق هذه النظرية على المشكلات الاجتماعية يعتبر عملاً غير فعال ، فعلى الرغم من أن بعض المشكلات لا تشكل خطورة رغم استمرار وجودها ، الا أن مشكلات أخرى مثل : الجريمة – التلوث – مشكلة المرور ، يشكل وجودها خطورة كبيرة ويتطلب حلولا عاجلة ، دون أن تترك هذه الحلول للزمن ، ولذا ، فان القول بأن المشكلات الاجتماعية تحل نفسها بنفسها بمرور الوقت أمر يصعب قبوله ، لأن ذلك سيحد من تصرفنا ازاء هذه المشكلات التي تواجهنا في حياتنا ، ويساعد على انتشارها بشكل يصحب وضع الحلول المناسبة بصددها .

أسباب المشكلة الاجتماعية من المنظور السوسيولوجي

    إن عدم قدرة المجتمع على تنظيم العلاقات بين الناس غالبا ما بتم تفسيره في ضوء التفكير الاجتماعي، وكلمة”مجتمع” تنطوي في معناها على “التنظيم” والمجتمع ليس مجرد حشد مت الأفراد فحسب، وإنما يقوم بتنظيم هؤلاء الأفراد في نظام معين ، ذلك النظام الذي لايعتمد على القوة، وإنما يعتمد على القبول العام لقواعد معينة لتنظيم العلاقات بين الناس .

هنالك عاملان رئيسان من خلالها يتم تقويض العلاقات السائدة:
1 – انهيار الجماعة الاجتماعية التقليدية (الأسرة مثلاً) .
2 – الصراع بين قواعد العلاقات و الطموحات.

١ _ انهيار الجماعة التقليدية

يميل الناس عادة إلى تشرّب القيم والطموحات، و قواعد السلوك الاجتماعي السائدة في الجماعات والتنظيمات التي ينتمون إليها، وأن قدرة هذه الجماعات والتنظيمات على نشر قيمها وتقاليدها يعتمد بشكل مباشر على قدرتها في فرض الاحترام و الولاء و الإخلاص لها، ويشير التفكك الاجتماعي في الأصل إلى ضعف هذه الجماعات والتنظيمات التي تنقل قيمها الأساسية بشكل تقليدي مثل: الأسرة ، و المدرسة ، المجتمع المحلي والخ.. فالأسرة مثلا؛ لم تعد وحدة متماسكة كما كانت في السابق، فأغلب الأسر الحضرية لايرتبط اعضاؤها بمشروع اقتصادي عام، كما كان الحال بالنسبة للعائلة الزراعية التقليدية. هذه النظم الاجتماعية قد فقدت اهميتها الوظيفية تجاه أعضائها، كما فقدت قدرتها على ربط اعضائها بعضهم ببعض، فلم تعد تطالبهم بالولاء و الإخلاص لها أو حتى تقمصهم لشخصياتها، وبالتالي لم تعد تشكل وسائل فعالة في الضبط الاجتماعي، وفي نقل القيم الاجتماعية كما كانت من قبل .

٢_ التعارض بين المعايير والتطلعات أو الطموحات

     حينما تبدأ الجماعات التقليدية في المجتمع في فقدان وظيفتها، فإن قدرتها على نشر قيمها تصبح ضعيفة، وبالمثل حينما تصبح القيم السائدة في هذه الجماعات موضع تساؤل أو غير فعالة بالنسبة لأعضائها، فان قدرتها على إقرار الولاء لها من قبل أعضائها تصبح أيضا ضعيفة. ويمكن للطموحات المتغيرة أن تعرض بعض قوانين المجتمع التقليدية لحالة من التوتر بحيث تصبح هذه الطموحات مصدرا من مصادر القلق داخل المجتمع . وفي هذه الحالة يكون المجتمع أمام أمرين:

أولهما: ضرورة المحافظة على قواعد السلوك الأساسية من خطر الطموحات الجديدة .
وثانيهما: ضرورة تغيير بعض قواعد العلاقات لتتلاءم مع الطموحات الجديدة .

      والمشكلات الاجتماعية الناجمة عن هذه الطموحات المتغيرة تتسم بنوعية مختلفة عن تلك التي تنجم عن فشل المجتمع في نقل قيمه ونشرها، فالصراع بين القوانين التقليدية والطموحات الجديدة غالبا ما يكون طبيعيا، وحالة صحية مصاحبة للتغير ، ففى أثناء الحرب العالمية الثانية، وجد ملايين من الفقراء الفرصة أمامهم لتحسين وضعهم الاقتصادي، وذلك بسبب الحاجة الى خدماتهم في المصانع الحربية ورأى الكثير منهم أن في ذلك امكانية فعلية لتحقيق مركز يشعرون فيه بالمساواة مع غيرهم، وحينما تصبح الطموحات أكثر حدة فانها تؤدى في النهاية إلى خلق حالة من عدم الرضا تجاه العلاقات القائمة .

     ولهذا، فإن التفكك الاجتماعي لاينبغى النظر اليه كمدخل لدراسة الأمراض الاجتماعية أو الشخصية فحسب، وإنما يعتبر مدخلا لفهم نوع الصراع الذى يصاحب التحول والتقدم الاجتماعي، وهو بذلك اتجاه عام يرتبط بالتغير التاريخي الواسع الذي لابد من النظر إليه باهتمام متزايد عند البحث في المشكلات الاجتماعية، وذلك بهدف الكشف عن العوامل المسببه لهذه المشكلات، ومن ثم اخضاعها للعلاج الاجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى