مقال

من القلم والقرطاس إلى التكنولوجيا الرقمية

سميرة بن نصر| كاتبة وشاعرة  تونسية

        حين ولجت الحرم المدرسي في الآونة الأخيرة لم أجد تلك الصورة التي ارتسمت بذهني لسنين عديدة، أيام كان المعلم والمعلّمة أسياد وملوك هذا الفضاء، أيّامَ كان المعلم المالك الوحيد للمعلومة والمعارف الغزيرة يستحوذ عليها كلها ويمررها قطرة قطرة أو بإغداق نحو عيون مشرئبة وأفواه  فاغرة تنتظر ما يجود به قائدهم  ومعلمهم في تعطش للمزيد من المعارف،حينها كان المعلم  يُكيِّف تلك العقول بما اكتسبَ في خيلاء وأنفةويحق فيه القول”قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا” كم أنه ذو حظوة كبيرة حتى خارج فصله فالكل يحترمه ويبجله بفضل دوره الرّيادي في تكوين النشأ تعليما وتربية ويراه الجميع بعين الرضا حتى يلقبه الكبار أيضا بلقبِ “سيدي” وقد يلبس خارج فصله جبة الواعظ والقاضي فيعود إليه كل من تصادفه مسألة من مسائل الحياة فنجده يحكم بين الناس بالانصاف والحكمة زاده في ذلك ما جمعه من معارف طيلة حياته العملية المبنية على مباشرة أسُس المعرفة مباشرة يومية،هكذا كان المعلم والمعلمة وهكذا عرفتهم وأحببتهم برغم تردد صدى سياطهم  داخل أذني.. أما اليوم وأنا أدخل مدارس عديدة من أجل عمل أنيط بعهدتي تفاجأت بصورة أخرى لاعهد لي بها حيث وجدت المعلمين وقد غدوا حرّاسا لمجموعات من التلاميذ فيما يشبه الزنازين، وجميعهم مكبّلين داخلها يلقون عليهم الدرس كمادة هلامية لاتمت لواقعهم بصلة.

    واقعهم المفخخ باللاواقع “أبناء الرقميات والتكنلوجيات الحديثة” هم يعيشون داخل أجهزتهم الالكترونية أكثر مما يعيشون على الأراضي الصلبة، هم أجيال الافتراضي والصور الكرتونية التي تخرج من القمقم لتصير حياةً وواقعا. لقد تملكوا معارف أكثر فاعلية وتقدما مما يقدمها لهم  الاكاديمي ولا تعوزهم في ذلك الحيلة لبلوغ ما يريدونه، وبقيت حصة الدّرس من معوقات حياتهم بالنظر للمناهج  التعليمية العتيقة التي اعتراها  الترهل والذبول، لم يعد ذاك العزم القديم يسبق خطاهم نحو ساحة المدرسة ومختلف فضاءاتها بل لم تعد لهم الثقة فيما يعرض عليهم المدرس بالمقارنة مع المقاربات الضخمة والهائلة التي يجدونها في مواقعهم الرقمية وخاصة حين يلاحظون قصور معلميهم على الإلتحاق بركبهم المكوكي وهم يستنجدون بأقلهم معرفة على فك شيفرات هاتفه الجوال أو طرق الدخول لشتى المواقع والتطبيقات وصار المعلم يستقى المعلومة من تلميذه في شيء من الخجل والاعجاب وهذه الفجوة الكبيرة بين  جيلين(جيل القلم والقرطاس وجيل التكنولوجيا والرقميات)أحدثت هوة تكاد تكون سحيقة في مواجهة تحديات واقع التعليم والتمدرس لذلك وجب مراجعة وضعية المناهج التعلييمة  بكل دقة ووضوح  وتمكين الأكادميين من مدرسين وأستاذة من تدريبات تحيلهم إلى مراتب  متقدمة في تطوير معلوماتهم ومهاراتهم  تماشيا مع هذه  الروح الضوئية التي  اكتنفت العالم والتي تعتبِر الامية والجهل في عدم التمكن منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى