رحيل السلطان جمشيد بن عبد الله آخر سلاطين زنجبار هل ظلمه التاريخ (1963-1964)
د. صالح محروس محمد| كاتب وأكاديمي
رحل عن عالمنا أمس الاثنين 30 ديسمبر 2024 اخر سلاطين زنجبار- المتحدة مع تنجانيقا عام 1964 السلطان جمشيد بن عبدالله البوسعيدي عن عمر ناهز 95 عاما قضى منهم 56 عاما بالمنفى وعاد في مارس 2021 الى مسقط – وشاءت الاقدار أن يرحل عن زنجبار إلى بريطانيا بعد سقوط سلطنة زنجبار في احداث يناير 1964 فهل ظلمه التاريخ ؟ وهل تم نشويه صورته ؟ وهل عاش على أمل العودة إلى زنجبار ؟ من هو هذا السلطان ؟
السلطان جمشيد بن عبدالله البوسعيدي ولد في زنجبار عام 1929 تعلم تعليماً خاصاً حيث أرسله أبوه بناء على توصية المعتمد البريطاني إلى كلية دارتسموث البحرية الملكية حيث خدم بعدها لمدة قصيرة في البحرية البريطانية.خلف السلطان جمشيد أباه السلطان عبد الله بن خليفة ولقد استمرت في عهده القصير الاضطرابات العنصرية التي أدت إلى نهاية الحكم العربي في زنجبار ونتيجة لهذه الاضطرابات قررت الحكومة البريطانية إخلاء مسئوليتها وذلك بمنح الحكم الذاتي لزنجبار في الرابع من يونيه عام 1963. كما منحت لها دستوراً وقامت بسحب جزء من قواتها العسكرية من زنجبار حيث استمر بعض الضباط البريطانيين الذين عملوا مع الضباط المحليين على حفظ الأمن وكذلك استمرت الإدارة البريطانية. وأعقب ذلك إجراء انتخابات عامة في الثامن من يوليو عام 1963 أسفرت عن فوز الحزب الأفروشيرازى بثلاثة عشر مقعداً والحزب الوطني بإثني عشر مقعداً وحزب الشعب بخمسة مقاعد.
وكان سلاطين زنجبار خلال فترة الحكم البريطاني تحت النفوذ البريطـاني، التى بدورها استخدمت سياستها لخلق الطائفية ولعبت دور أساسي في أحدث الثاني عشر من يناير 1964 التي أدت لنهاية أسرة البوسعيد في شرق إفريقيا
حكمت أسرة البوسعيد تقريباً 220 عاماً إمبراطورية في شرق إفريقيا كانت عاصمتها زنجبار في فترة السيد سعيد بن سلطان ( 1806- 1856) أقوى فترة في حكم آل سعيد في شرق إفريقيا، ترك العمانيون عموماً وآل سعيد خصوصاً حضارة اسلامية زاهرة في المجالات المختلفة ففي الاقتصاد أدخل السيد سعيد شجرة القرنفل المباركة التى وضعت زنجبار على الخريطة الاقتصادية العالمية، أسهمت أسرة آل سعيد في نشر الإسلام وثقافة التسامح الديني والمذهبي في شرق أفريقيا .
وقعت زنجبار تحت الحماية البريطانية 1890م وهي فترة ضعف لحكام البوسعيد في زنجبار انتهت بأحداث أحداث يناير 1964 التى كانت مؤامرة اشتركت فيها كل من بريطانيا واسرائيل ونيريري حاكم تنجانيقا آنذاك , وبمساعدة الحزب الأفروشيرازي الذي أنشأته بريطانيا لضرب الحزب الوطني الزنجباري ذو القيادة العربية . تركت هذه الفترة التاريخية آثاراً هامة على منطقة شرق أفريقيا عموماً وزنجبار بوجه خاص فمن الآثار السياسية انهيار سلطنة البوسعيد فى شرق أفريقيا . ومن النتائج السياسية أيضا قيام الإتحاد بين تنجانيقا وزنجبار ففي 27 /4/ 1964حيث وقع الرئيسان كارومى ونيريرى وثيقة الاتحاد فى البرلمان التنجانيقى ولقد كانت دوافع الإتحاد أن عبيد كارومى أراد أن يحمى نظامه الجديد من المخاطر التي قد تحيط به.وكذلك نيريرى وضمان عدم عودة الحكم العربي .وهو عبارة عن اتحاد فيدرالي تخص الشئون الخارجية فيه (جمعية تنزانيا الوطنية) ، وتحتفظ زنجبار بمؤسساتها التشريعية والإدارية .
وتقوم أسرة البوسعيد (بعد سقوط الحكم العربي) بجهود كبيرة فى زنجبار عن طريق إقامة مشروعات تنموية وتقديم المعونات وإقامة المعاهد الإسلامية. وتمثل ذلك فى أقامة معهد التمريض على نفقة سلطنة عُمان سنة1986 لتخريج ممرضين من الذكور والإناث والمساهمة فى تعبيد الطرق فى زنجبار وقامت بإرسال خمسين سيارة نقل عام للمواصلات فى زنجبار و بدأت فى إنشاء المعهد الإسلامي ومشروع معهد الثقافة العربية وقدمت سلطنة عُمان فى عام 1985 مساعدة مالية قدرها ثلاثة ملايين دولار مشاركة منها لشعب زنجبار بالإضافة إلى المساعدات التي يقدمها المواطنون بشكل شخصي إلى أقاربهم فى زنجبار على شكل مساعدات عينية ومالية فى مناسبات عديدة .
والحقيقة أن السلطان جمشيد طيب الله ثراه جاء في ظروف كانت اكتملت فيها خيوط مؤامرة انهاء الحكم العربي في زنجبار ( أندلس أفريقيا المفقود )وتم ترويج الاشاعات عنه منها أنه كان شغوف بالنساء وانه لم يهتم بإنشاء جيش وان عبدالناصر عرض عليه تقوية جيشه وأنه اهتم بالغناء وأن أنه دعى أم كلثوم للغناء في زنجبار كل هذه الاشاعات ليس لها أساس من الصحة من شهود عيان مقربين منه والذين شهدوا له بحسن أخلاقه وطيب نفسه . كان يتمنى أن يعود إلى بلده التي ولد فيها زنجبار وكان يقول سأعود اذا دعاني شعبي لذلك . حقيقة أنه ممن ظلمهم التاريخ فلم تسعفه الظروف لنرى انجازته رحمه الله.
—
د/ صالح محروس محمد
أكاديمي وكاتب