حقيبة الذكريات (3)

سالم بن محمد بن أحمد العبري
و…. ترى النساء يتهامسن: (نحيسة ماتت مقتولة لأنها كانت حاملا)، وكان صاحبها يأتي لها بملابس النساء ليلا، فقالت حُصة: هذا يبدو له غاية…. ليست غايته الحُرمة فقط؛ لأن الحريم التى قد تشبع غريزته كثيرات؛ حتى من فصيلته التي تؤيه، فلماذا يأتيها؛ وكأنّه (جِنيّ), وقالت مرهونة: ذاك لئيم وحقود، لكنني ما أظن يوصل به الأمر إلى ارتكاب هذه الجناية وهاتيك الفِعلة الآثمة. وقالت مُريرة: أصلا الأهل يجبرون بناتهم على البِغاء حين لايزوجوهن؛ حتى لا تخرج عنهم نخيلات حقهن من الميراث، وبعضهم يحسب نفسه من آل هاشم ومن نسل فاطمة(ر). قالت سعادة: ومَنْ فاطمة. قالت: بنت الرسول. شهقت وقالت وصلنا المدينة. قولي: أم صاحب المِكْفِية، أو أم بني على.
قالت صُويلحة: أقول لك: هذا هو حالُهم؛ يرددون: (قال أبو هريرة، وقال ابن مسعود). وقالت شَغيلة: ولاتنسي ابن عمر، وتشوفهم حاملين (بيان الشرع)، والشرع بعيد منهم خصوصا في حقوق الحريم، ما يزوجهن ويأكلون أموالهن.
وذات يوم سمعت ذاك المقيم بالمسجد الكبير وهو يقول: (أنكح أمه ليلا وآكلُ ماله نهارًا)، وقالت سميرة: هو دواهم كذلك ينفس عن كربهن ويحضنّ ولو لسويعات. وقالت مُريرة: وبعدين هِيب بالرأس. ويُقال: شِرِقت أو انحرقت، وخِلُّوها في الكفن، وهيّا بهدوء إلى المقبرة. مسكينة نَحيسة. كانت تعطينا خبزًا وتمرًا، لما نِسير معهم. قد يكون ما عاجب أبوها، خليه يجمع ويبيع ويشتري، ويبخل. ما يُخلَّد، ليته يشوف (أم الفقراء) كيف. تعطي كل سائل، ومحتاج. الله يرحمها ما حد خلفها منهم أو من غيرهم، لكن أقولك: اصبروا عليهم ربنا يجازيهم. تلك الأموال يجيها الشيطان ويبددها. وقولوا عني لما تشوفن كلامي حصل. قالت سَرِّية: بعد الخير موجود. رُوحَن مع الشمس وضحاها، تجدن شيء من الرحمة والعطف، رغم ما عندهم ربع ما عند من ماتوا وساروا بجانب برج المقبرة.
والحريم يرمسن نهارا مرّ(مبروك). وقالت إحدهن: هذا مبروك خادم الإمام. ما خبره؟ أطلّت راوية وقالت: موهناك؟ قال أحد المارة: مات الإمام.. وضجّت (العَرْشة) بنحيب النسوة، والكاتب الصغير لا يكاد يعي الأمر.
نعم لا يكاد، وقالت الحكيمة: الله يحفظ عُمان كلهم. متربص ينتظر موت الإمام حتى يأخد شطفة من إرث الأرض. قالت عَجيبة: إي (الحيّ) كلها مبيوعة حتى التى تحت القلعة وقربها. و(الحَبَاب) ناصر مشتري مقصورتين من بهلا (بستان الخوخ). قالت الحكيمة: ما أقصد أموال الخضرة، بل أعني كل متربص من الغرب والشرق والكل باغي مملكة له أو إمارة أو شِحنة عيش من السيد سعيد.
قالت أم البنات: لكن الأمر سيعود لـ(غالب)؛ لأنه متفق عليه. وهو مناسب. ويقال إن عمله إلى جانب أبيه الوالي بالرستاق كان مماثلا لأبي زيد في (بهلا).
قالت الحكيمة: من قال؟ اسألي (الطاير) أو (العنقود)، يقولون: ما يترك حرمة تِحِشّ بالرستاق. قالت أم البنات ذلك ليضبط ويبسط العدل ولايستخف بالأمر. قالت الحكيمة لأم البنات: زوجيه بنتك حتى تزوريها بالقلعة وتكوني كالتي بـ(عبري). أو عزة بنت حميد أو نجية الحارثية، صرخت أم البنات: ما يخرجن من البيت إلا للقبر ما أصبر و لا أستغني عنهن ولا يُهَانن.
قال الكاهنة: شوفوا هذه الأمهات ما تريدن أن يتزوجن. تريدنهن. يقارّنهن ببيت أبيهن يخبزن، ويطبخن، ويغسلن الثياب لهم. ما رُحت عبري لما (العلامة) و (محمد) بها. قالت أم البنات: كلهم ما دهَّروا بها أيام بعبرى وشهور بالعراقي ينتظروا جيش (قيد الأرض) يرجعهم. وعاد هو وحريمه. وقالت الحكيمة: ولا كنت تحبيهم لو بقوا بالحصن. اتفخفخي أما هُنَا فهم ثِقَال عليك كأن البيت بيتك أنت. ما تعبوا عليه. قالت أم البنات: البيت بيتي، والأرض أرضي، حتى غُرفته التى يبنيها ما كنت موافقة!! لكن (الشايب) يحبه أكثر من الكُل، ولما أشوف البنّاء خلفان بن حميد. جاي يبني أدعو الله يطيح، كما سقط وهو يِلْحَم العَرْشة. قالت (السلم): حَيّ وهو غاضب منك. لما سألته: خلفان ضاع الجدار؟ قالت أم البنات: ظل (يترزَّح). قالت العوش: (حَيَ)، أنتِ ما سألته عن سلامته. كان همك الجدار فقط. أما خلفان ويديه ورجليه. ما همك. قالت أم البنات: نقول الشايب يبني له غُريفة معكم أو رُحوا أنتم. وهو يخرّف، قالت العوش: اه والله الجماعة ما لها صديق.
قالت زوجة ابن إبراهيم: قلعة الرستاق تضاهي قلعة نزوى، وقالت (العبيد): حيِّنا ما زلت تذكر الزوج الأول والرستاق، والحباب الله يرحمه مو باغي تاخذ البنت من زوجها وهي أول ما عرفت الرجال عرفته، خليها معه. إن خرجوا أينما ذهب هو هي معه. وشوف حروب عُمان. الحرّاصي يريد. يخرجه من الرستاق وجهز الجيش، ولما أخرج ابن أخ الإمام. قالوا له لك: (الحَزم). وشوفوا القدر صار بـ(الحزم). لكن العرابة. تذكره. وضحكت (العبيد) ضحكة عريضة، وقالت لها الحكيمة: اسكتي لا تزيدي الطين بلة. وقالت بنة الائمة: السيد سعيد وصى له، و خلاه معه بمسقط ثاني شخص يحلّ محله؛ لأنه يعرف إنه معروف مع عُمان كلها ومحبوب ويعرف يسوسهم. ويحبوه لأن الأمام عزان عمُه والعمانيون متعلقين بالأئمة. وأبو الكاتب كان يتغني بأشعار كانوا يقولون. إن الخليلي يرددها وهو يمشي في بستانه (ومن لي بسيف يقطع الهَامَ حده/ ويملي من الأعداء كل كفور).
وقالوا إن الطير المهاجر من الشمال للجنوب كان يجيبه. (عزان عزان) وظل يبحث عنه حتى قيل: إنه بالرستاق. قالت البليغة: لو استمر عزان وقرينه على الحياة سنين. ولم يقتل لغزا كل بلدان عُمان كما فعل بـ(نفعة) قالت يَسْرُوه، اتصل هنا. قالت العبيد: سمعت الحي موزة تقول: إن جدها محسن احتمى بوادي السحتن، وعاد بعد مقتل عزان. قالت ابنة الأئمة خلوكم. من هذا الاسترجاع، خلا يا حكيمة؛ لأن العلامة أيسر هو عبدالله. لنزوى لمبايعة الإمام (غالب). قالت أم البنات والشايب ممكن معهم. لأن أولاد علي بن هلال حبايبه. صحّ أبوهم كأنه أخوه ومربتنهم شَنانة.
قالت كاهنة: أسمع حنين (البوش)… فعلا العرابة يذهبوا اليوم. إذن نذهب ممكن (ياسر) و(سويدان معهم)؛ وسمعنا العلامة يقول: نصلي قبل ما تتأخر، وتتابع حنين المطايا. وهي مهيئة للحركة ومصفوفة وكأنها ستصلي معهم بمالسجد أو خلفهم.
وشربت النساء القهوة على عجل وخرجن يتنشجن ببكاء خفيف بعضهن يعرفن ويتابعن كابنة الأئمة والحكيمة، وبعضهن. معاكم بالزفة وانتهت الحفلة والمأتم، وسارات المطايا براكبيها قاصدة نزوى لتُعزّي وتبايع، وإذا بناقةِ أبي سعيد ترقص لأنها مستريحة من فترة فاستأنست للجري أوهي مأمورة؛ فسقط أبو سعيد من مطيته وقال. تقدَّموا سآتي غدًا أو بعد أمد إن أُعقت كثيرا، وذهب الركب دون العلامة (وكان قدرا مقدورا).


