مقاربة نقدية لنص “تشرينيات” للشاعر باسم العراقي
حاتم غضباني | ناقد وأديب تونسي
أولا – النص:
تشرينيات/{ارث الصرخة الحمراء / اصداء}
صدى الحاضر .. :
للجرحِ صاخٌّةٌ
……. عاتية
يزلزل قلاعَهم
بغضبةٍ مدوّووووية
يومَ يعانقُ النزيف
جمرَ العيونِ الظامية
لبسمةٍ توقدُها
في دامسِ قفارها
زهورُ فجرٍ شاااادية :
إن حرّفوا لنا الكَلِم
أو زيّفوا لونَ النهار
…..وعفّروهُ بالظُّلَم
وصلَّبوا أحلامَنا
على قبابٍ حافية
وهدروا دماءنا ..
بفتوةٍ مرااااااااابية
لأننا من سومرَ
ورثنا اسبابَ الخلود
وسرَّ تحطيمِ القيود
لن نستكين خانعين
لكلِّ خوانٍ أثيم
………. أو طاغية
قد ازفت غضبتُنا
فهدرت صرختُنا
تزلزلُ حصونَهُ
تستأصلُ ذيولَهُ البااااااااااغية ..
………..صرخة الأمس .. :
كلكامش….
أيااااااا أغنيةٌ أُورية^
على زقورةِ الازل
بتسعة^ اضلاع من نور
أسرجتَ لججَ الظلمات
أما دريتَ ..؟؟
عاشرةُ المرادي تسللت
تحت جلد رقيمك المسحور
.لتحفرَ
على انسانِ فلكك
خيبة آلهة التفاحة
في كوخ القصب^
حين سقتهم سيدوري^
كأسَ عُريها ..
فارغاً من فحولتهم ..
لتظلَّ أنت … وحدَك
سيدَ الأسرار
إلهَ القفار والبحار
دورةَ الليل والنهار
ربَّ الأسباب
حضورٍاً اوروكي
في كرنفال الغياب
خصبَ ابتسامة ايرش كيكال^
في مجمَعِ ناحري الهديل
وحدك من … رأى
قيامة انكيدو
في دلمون^
يغرس سنابل النور
يَحطِبُ حوالك الاحضان
يخصِفُ على جدبِها
من قُبَلِ البردي
زقزقتْ على ثغر عشتار
بكلَّ أبجديات العشق
فيصدح القصب
بصلاة بذار الغضب
في كبدِ الخَوَر
لتورقَ
في رحمِ الجراح
صرخة ميلاد
تحصد هشيم الأفول ..
—————–
هوامش النص:
^اور : من اقدم المدن السومرية ، وهي مهد مدينة الناصرية معقل “ثورة تشرين” في الوقت الحاضر
^اشارة للمرادي التسع ( وهي اشبه بقضبان خشبية طويلة ) التي دفع بها كلكامش “فُلكه” حين اجتاز به بحر الظلمات ليصل الى جزيرة “ثمرة الخلود”
^كوخ القصب و سيدوري : اشارتان الى منطلق / المحطة الاولى لرحلة كلكامش لبحثه عن ثمرة الخلود (يُنظر ملحمة كلكامش)
^ايرش ـ كيكال : ربة العالم السفلي في الميثولوجيا السومرية
^دلمون : الفردوس في الميثولوجيا اعلاه
ثانيا – المقاربة النقدية
شعرية الصوت بين القويّ الموغل في الوجع والوصف والتأثير، وبين الجواب الخافت الملفت للنظر والذي تتولّد منه أحداثا أخر… ففي شعر باسم السومري العراقي، ليس من السهل العبور قبل أن يستوقفك المجاز والتركيب والترميز والبناء المحبوك، ويستوقفك أكثر الجرس المبني على قوّة الخطاب.. فالآفعال والأسماء التي وردت في هذه النثرية ولنقل صدقا بأن تأصيلها هي احتجاجية أخذت من لباس الملحمة والتوثيق التاريخي جانبا كبيرا، فصارت تدور كرحى تسفسف حبّ الآحداث. ولنتوغّل قليلا في النصّ فنصنّف الأفعال والآسماء التي إستعمل فيها الشاعر النداء المثقّل إعتمادا على النص القرآني. نرى إذا الصّاخّة :أتت كاستفتاح لصورة الصّ?اخّة في القرآن بمدّ مثقّل وذلك لإلفات النظر حول هول هذه الساعة
العاتية:الريح العاتية في صورة المعارج، هذه الريح العاتية التي صخّرها الله عقابا للكفار.. ففيها قوة في الصوت تربك الأجسام والأسماع
الزلزال والغضب: تأويل لصورة الزلزلة
مدوّية: هنا نآى إلى الجانب المادّي ،فالدويّ مردّه القنابل والصواريخ التي تقصف البلد
بقوّة مرابيّة :استرجاع لمرحلة تاريخية مرت بها البلاد وهي فترة المرابيين وتلك الوحشية التي مرّ بها القوم
الطاغية والباغية ذكر مراحل من الحكم العراقي وما مرّ به الشعب من تعذيب واعتقالات…
فكلّ الذي ذكرناه هي أسماء دلّت على استعمال الشاعر لطبقة صوتية خطابية عالية وقد وظّف الشاعر حروف الإستعلاء
(خصّ ضغط قظ) لعلمه أنها حروفا قوّية جهرية ومباشرة.. ثم تأتي بعض الأفعال لتساند تلك الأسماء في نفس النسق يزلزل- يعانق/يحرّف/يزيّغ/يعفّر/يهدر/يستأصل..) فهذه الآفعال أشتركت في بناء اللوحات بين القوّة الخطابية وبين توزيع اللوحات من القتامة إلى المطلبية بوضوح ،بغية الفات نظر القارئ ألى أنّ هناك أحداثا متفاوتة في الوحشية مرّت بشهر أكتوبر /تشرين بالذات..
ثمّ نرى جانبا آخر من الإستعمال للتضاد
1_ المفردات المستعملة هنا قد تمّ توظيفها بحكمة بين التضاد وبين الجناس بمعنى انّها تتضاد في التسمية والوظيفة وأخرى تتجانس في الوظيفة رغم تباعد الأسماء
{الصّ??اخّة/العاتية}
{الجرح/النزيف}
{الدامس/الظلمة/الليل}
{الفجر/النّور/النّهار}
ثمّ ذكر العيون مرّة واحدة ودلالتها أنّها الوحيدة ضمن هذه الأحداث شاهدة وأنّها مسؤولة عند السؤال والإدلاء بالشهادة
2_ استعمال الميثيولوجا
فيها ترغيب ولفت نظر إلى أنّ العراق بلد الحضارات كما هي بلد القلاقل، ارضها ساخنة، تمر بها الأحداث من كلّ حدب وصوب…
نثرية جمعت أصناف الإبداع وبناء محبوك
جمّلها إلى حدّ التخمة…
أرجو أنني بهذه المقاربة لم أتعسف على نصّ ثري وقوّي قد يتعدّى قراءتي إلى عدّة قراءات أخرى