قصدية الاغتراب وظواهره في شعر عبد الرزاق الربيعي

إعداد الباحث: صادق حسن
إشراف: د. رسول بلاوي

الملخص

الحروب، والحصار الاقتصادي، والصراعات الطائفیة، والمجاعة التي حلَّت بالعراق دفعت فئةً كبیرةً من أبناءِ العراق إلی النزوحِ عن الوطن والاغتراب، وهذا ما دفعَ المغترب إلی الشعور بالقلقِ والخوف جرّاء الضیاع في الغربة. أصبحت هذه القضایا الإنسانیة مادةً علمیّة لعُلماءِ الإجتماعِ، والفلاسفة، والشعراء للبحثِ عنها. قام الشعراء بالتعبیر عن الاغتراب وظهر بکثافة في نتاجهم، حیث أنَّ هذا الظهور حصیلة القضایا اللاطبیعیّة في الآونة الأخیرة. فالنزوحُ عن الوطنِ، والشعورُ بالملل من الحياة؛ یعزل المرءَ عن قِیَم مجتمعه، وهذا كلّه یدخلُ في إطارِ ظاهرة الاغتراب. إنَّ الاغتراب من أهمّ القضایا التي تبحث عن مشاكل المجتمع المعاصر، ویعبّر عمّا تجیش به النفس من مشاعر الحزن والألم، فلم یكن الربیعي بعیداً عن هذه الظاهرة، فكثیراً ما تكلّم عما یعانیه من مشاكل یراها في مجتمعه.

الربیعي شاعر من جیلِ الثمانینیات عاش حُقبة حربٍ وحصار، كما أنَّه وجدَ قاطبة الأدباء في المنافي والسجون؛ فهذا الشاعر كان یری في العراق تراثاً إنسانیاً ضخماً؛ ویری كلّ المعتقدات الثقافیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة في إنهیارٍ تام ممّا أدّی إلی ظهور ظاهرة الاغتراب في حیاته وشعره قبل أن یهاجر ویغترب عن وطنه، تكاثرت لوعات الحنین في حنایا قلب الشاعر. هذا البحث من خلال المنهج الوصفي-التحلیلي، یقوم برصد ظاهرة الاغتراب في شعر الربیعي ویعالج قضایا ترتبط بهذه الظاهرة كـــالاغتراب الاجتماعي، والنفسي، والاخواني، والزماني، والمكاني، وآثارها السلبیة ومن أهمّ ما توصلنا إلیه في هذا البحث هو لجوء الربيعي للحنین إلی الطفولة من خلال وصفه للماضي وتذكرهِ لعشرته مع الأهل والجیران، وسعی أن یستعطف أحاسیس القارئ من خلال حواره مع أبیه وأخیه اللذينِ فقدا الحیاة، ومع أشلاء شهداء الانفجارات.

الكلمات الدليلية: الشعر العراقي المعاصر، الاغتراب، الحنین، الوطن، عبدالرزاق الربیعي.

1-المقدمة

أوّل مفهوم للاغتراب يتبادر إلی الأذهان هو الهروب من الشرق نحو الغرب، والتقلید في عادات الغربیین وثقافاتهم؛ لاشكَّ بأنَّ هذا المعنی هو جزءٌ من المعاني المتعددة. فمن یعاني الاغتراب باضطراباته النفسیّة یعیش حالة من الضیاع والعدم، ویری حیاته ملیئة بالمشقّات، فیكبت مشاعره ویبتعد عن الحوار؛ ومتی ما أحسّ بفقدان الأمن وضیاعه للأملِ، تقوی رغبته في الموت والانتحار. كلّ هذه الأمور المعقّدة سیاسیاً، واقتصادیاً، هي حصیلة العصر المتوتر الذي نعیشه، ومن هذا المنطلق استخدم إریك فروم مصطلح الاغتراب لیشیر به بشكل عام إلی «عدد من العلاقات المتنوعة كعلاقة الإنسان بذاته، وعلاقته بالآخرین وبالطبیعة، وبالعمل الإنساني» (حسن، 1995م: 67).

شهد العراق في القرن الأخیر تغیّرات سیاسیة حادّة، واقتصادیّة تأسفیّة، حیث بزغت ظواهر عدیدة انعكست سلباً علی الفرد العراقي وتأثّر الأدب بهذه الظروف الحرجة وواكب هذه الظواهر العدیدة منها اللجوء والاغتراب؛ وتكاثرت المفاهیم الحدیثة حول تسمیة الأدب الخارج عن خارطة العراق والتبس الأمر بین النُقّاد فیقول أبوعون:«ها نحن الیوم وكلّ البشریة معنا لا نعرف للعراقي الذي غادر وطنه توصیفاً أهو مهاجر؟ أم مهجّر؟ أم منفي أم نازح أم شتیت؟» (أبوعون، 2013م: 79). وبهذا ندرك أنَّ الاغتراب ظاهرة خطیرة «والأدیب حین یجد نفسه في واقعٍ مرٍّ وقاسٍ لا روح فیه بسبب التحولات الحضاریة المعقدة والأنظمة المتضاربة یصبح یحیا حیاة الضیاع والإحباط، والقلق والتوتر، واللاأمن والانكسار وجمیعها مظاهر برزت في الأدب» (مشقوق، 2014م: 478).

في هذه الدراسة ارتأینا أن نبحث عن مظاهر الاغتراب في شعر الربیعي ورصد ظاهرة الاغتراب ومعاینة ألوانها ودوافعها للكشف عن سمات الشخصیة الاغترابیة في نصوص الربیعي الذي عاش الاغتراب ودبّ في شعره بشكلٍ ملحوظ؛ وأن نتفحّص هذه الظاهرة وتجلیاتها الجمالیة والفنیة في شعره. وقد اخترنا المجموعة الكاملة لأشعاره نموذجاً لمأساة الواقع العراقي، والتحولات التي واكبت هذا الوطن الجریح وآلامه التي وفّرت للمتخیل الشعري مادة شعریة ناضجة وناجحة؛ حیث أبرزت للمتلقّي ألواناً عدیدة من الاغتراب، كالاغتراب الاجتماعي، والإخواني، والنفسي، والزماني، والمكاني.

1-1- مسألة البحث

ظاهرة الاغتراب في شعر عبدالرزاق الربیعي جدیرة بالدراسة؛ إذ ظهرت واضحاً بجلاءٍ في شعره، ولا یوجد دیوانٌ له یخلو من ذكر الغربة وألوانها لما أسهمت بشكلٍ فاعل في تكوین أساس مهمٍ في تجربته الشعریة؛ إذ أنَّ الظروف التي كانت تمرّ بها المنطقة والأمّة الإسلامیة قد خلقت في نفس الشاعر مبررات عدیدة حتی نظر إلی ما یحیط به من الأوضاع نظرة مرهفة تصطبغ برؤی سیاسیة، وأیدیولوجیة، ونفسیة، في أشعاره.

النزوح في السنوات الأخیرة من تاریخ العراق الحدیث هو جزء من الواقع الكئیب الذي عاشه الفرد العراقي وسار مذعوراً في ظروف حرجة، وبمأساة لا تُطاق نحو النزوح؛ ولكنَّه مرّ بهذه المأساة بكلّ قوة باحثاً عن أمل وقد عاش هذه التجربة المفجعة لهدفٍ واحد: هو أن یبقی علی قید الحیاة. كل هذه الظروف أدّت إلی ولادة نوع حدیث في النقد الأدبي سُمّي بالاغتراب الأدبي. استطاع الربیعي أن یعبّر عن شاكلة الحنین في الغربة، والیأس، والحرمان؛ فقد أدرك أنَّهُ هو الشخص الغریب ویجب أن یعیش الاغتراب مكبوتاً بأحزانه وآلامه، وشعره نموذج حيّ لتاریخ العراق في الحقبة الأخیرة؛ لهذا ارتأینا أن ندرس شعر الربیعي مترصدین الاغتراب وأهمّ مظاهره في شعره.

1-2- أسئلة البحث

هذا البحث يسعی أن يجيب عن السؤالين التاليين:كيف تجلّت ظاهرة الاغتراب في شعر عبدالرزاق الربيعي؟ وما هي أنواع الاغتراب في شعره؟

1-3- خلفیّة البحث

عبدالرزاق الربیعي شاعر من جیل الثمانینیات ویُعَدُّ من أعلام الشعر العراقي الحدیث، لم ینل حقّهُ من الدراسات، فكانت دراسات قلیلة عالجت قضایا شعره بصورة عامّة منها:

كتبت رشا فاضل كتاباً بعنوان «مزامیر السومري: قراءات في المنجز الشعري والمسرحي للشاعر عبدالرزاق الربیعي» ونُشِرَ من دار شمس عام 2010م. عالجت الكاتبة نتاجات الربیعي الشعرية، ثمّ أتت بالدراسات والمقالات التي درست نصوص الشاعر، وتحدّثت عن شخصیته وملامحه الإنسانیة من خلال انعكاس صورته في مرایا الآخرین.

 كتب ناصر أبو عون كتاباً بعنوان «عشبة جلجامش: جمالیات الإیقاع في شعر عبدالرزاق الربیعي» ونُشِرَ من دار كنوز المعرفة، في أردن عام 2013م. قُسّم الكتاب علی ثلاثة فصول. الأوّل: المرئي والمكتوب في شعر الربیعي ودراما الصورة الشعریة في نصوص الشاعر. الفصل الثاني: البنیة الإیقاعیة والأبعاد الجمالیة والتكوینیة في شعر الربیعي. الفصل الثالث: دراسة في دیوان «خذ الحكمة من سیدوري»، وإنتاجه للأسطورة.

وهناك مقال بقلم صادق البوغبیش ورسول بلاوي بعنوان «دلالات اللغة البصریة في شعر عبدالرزاق الربیعي» نُشِرَ في مجلة الممارسات اللغویة في المجلد11، العدد1، مارس2020. عالجا الباحثان مسألة التنقیط، وعلامات الترقیم، والصمت، والسواد والبیاض، والشكل المتموج، وتفتیت الكلمات التي تظهر اضطرابات الشاعر وتوتّره واغترابه.

وكانت ظاهرة الاغتراب من القضایا المهمة التي لفتت انتباه الكثیر من الباحثین وعلی سبیل المثال لا الحصر:

عبدالرزاق الخشروم، نشر كتابه عام 1982م، المسمّی بــ«الغربة في الشعر الجاهلي»، من منشورات اتحاد الكتاب العربي، وقد استهلّ الكاتب عوامل الغربة وأسبابها في المجتمع الجاهلي، ثمّ درس شعر الملتمس الضبّعي وعنترة، والشنفری، وعدي بن زید، وختاماً تطرّق إلی النوستالوجي العربي والحنین القدیم؛ ویُعتَبَر هذا الكتاب من أهمّ المصادر التي تناولت قضیة الغربة والاغتراب في المجتمع الجاهلي.

 كما أنَّ كتب محمد راضي جعفر كتاباً بعنوان «الإغتراب في الشعر العراقي»، ونُشِرَ من دار اتحاد الكتاب العرب عام 1999م ، وقد استهلّ بلمحة تاریخیة عن مفهوم الاغتراب مع عرضٍ لوجهات نظر فلسفیة، ودینیة، واجتماعیة، ومن ثمّ تناول الكاتب شواهد من روّاد الشعر العراقي في المهجر والحنین الذي عاش الشاعر بأمل الرجوع إلیه، والعودة إلی الماضي، واستعادة المجد، ونیل الأحلام، والمدینة الفاضلة، ثمّ في الفصل الثاني یبحث الكاتب البنیة اللغویة والتصویریة في شعر أولئك المغتربین وكیفیة التعبیر عن الاغتراب مع موازنة بین الغربة والاغتراب.

كتب أمیر فرهنگ نیا وآخرون مقال بعنوان «ظاهرة الاغتراب في شعر عز الدین المناصرة» ونُشِرَ في مجلة اللغة العربیة وآدابها، السنة 11، العدد3، خریف 1436هـ. وقد درس الباحثون الاغتراب لغة واصطلاحاً، والاغتراب في الشعر، وأقسام الاغتراب منها الاجتماعي، والذاتي، والمكاني والروحي.

وهناك بحث للباحث رسول بلاوي وآخرین تحت عنوان «موتیف الاغتراب في شعر یحیی السماوي» في مجلة العلوم الإنسانیة الدولیّة عام 2012، وقد عرّف الباحثون معنی الموتیف واعتبروا الاغتراب من أهمّ الموتیفات في شعر السماوي حیث ینطوي علی محاور تعود إلی إحساسه بالغربة، وأهمّها الحزن، والموت والحنین وبعض الرموز التي تدل علی الغربة كالطیور المهاجرة والحمامة والبحر والریح.

كتبت فاطمة جمشیدي وآخرون مقالاً بعنوان «ملامح الاغتراب في شعر علي فودة وردود فعله علیها» وقد نُشِرَ في مجلة إضاءات نقدیة، السنة السابعة، العدد27 أیلول2017م، وقد درس الباحثون الاغتراب لغة واصطلاحاً، وأنماط الاغتراب في شعر علي فودة كالاغتراب السیاسي، والنفسي، والإخواني.

ومن خلال اطلاعنا علی منجز الشاعر تبیّن لنا عدم دراسة الاغتراب في شعره بالرغم من مكانتها المهمّة في تجربته الشعریّة، فهذا البحث الذي بصدد انجازه یُعتبر الأوّل من نوعه في الشعر الربیعي.

1-4- سیرة حیاة عبد الرزاق الربیعي

«وُلِد الشاعر في عام 1961م في بغداد لیحمل لواء الشعر والمسرح العراقي في الغربة بعد هذا. غادر الربیعي العراق في عام 1994م هارباً من مأساة الحصار الأمریكي علی العراق والدمار الحاصل من حزب البعث وطغیانه حیث عانی منه العراق بشتّی أطیافه في تلك الآونة». (البوغبیش، وبلاوي، 2020: 171). وبحث في الغربة عن هویته في الكتابة «فعمل في الصحافة الثقافية في جريدة الرصيف» (أبوعون، 2013م: 57). وكان شعره «مندمج بالحياة اليومية بكلِّ طبقاتها وظلالها ومستوياتها، ويكاد يكون شعره سيرة شعرية مكتنزة بالتفاصيل الحياتية العراقية، فالمكان العراقي بتنوعاته المعروفة عنصر أصيل من عناصر شعريته». (المرسومي، 2015م: 4). وأهمّ أعماله المنشورة: «الحاقاً بالموت السابق عام 1987م، وحداداً علی ما تبقَّی عام 1992م، وخذ الحكمة من سیدوري 2006م». (فاضل، 2010م : 4-5).

2- الاغتراب[1]

الغربة والغُرب «النزوح عن الوطن والاغتراب، والتغرب كذلك تقول منه: تغرب واغترب، وقد غرّبه الدهر، ورجل غُرُب بضم الغین والراء، وغریب، بعید عن وطنه، الجمع غرباء والأنثی غریبة» (ابن منظور، 1998م: ج1، 638). فالاغتراب ظاهرة عاشها البشر منذ بدایات خلقه، وتعدّدت معاني هذه الظاهرة في الدراسات للعلوم الإنسانیة فــ«الاغتراب لغةً تعني النزوح عن الوطن، ولهذه الكلمة معانٍ أخرى منها: النفسي، والدينيّ، والاجتماعيّ» (الحلایقة، 2014م: 1).

الاغتراب في اعتبار الفلاسفة هو الاغتراب الذاتي الذي یری الإنسان نفسه منفطم عن ذاته الحقیقیة؛ ویری فرويد[2]: «الاغتراب هو شعورُ الانفصام والصراع بين قوى اللاوعي الدفينة في الذات وبين الذات الواعية» (نفس المصدر: 2).  وكان هیجل[3] هو أوّل من استعمل مصطلح الاغتراب في العصر الحدیث وبصورة منهجیة ویری الاغتراب هو «أن یضیع الإنسان شخصیته الأولی، ویصیر إنساناً آخر أغنی من الأول» (صلیبا، 2006م: 1/ 765). ویری للفلسفة غایة «هو العالم الموضوعي الذي یمثّل الروح المغتربة، وغایة الفلسفة أن تقهر هذا الاغتراب عن طریق المعرفة وتقدّم الوعي ونخلص في أن یفقد الإنسان ذاته، ویصبح غریباً أمام نفسه، تحت تأثیر قوی معادیة، وإن كانت من صنعه كالأزمات والحروب» (الطویل وزاید، 1983: 16). والاغتراب لا یختصّ بالبیئة والاجتماع الذي یقطنه الفرد لأنَّ الاغتراب عبارةٌ «عن حالةٍ نفسيّة من حالات الفرد السويّ، حيث إنّ الإنسان الاغترابيّ هو الذي يشعر بأنَّه غريبٌ في مجتمعه» (الحلایقة، 2014م: 2).

الوطن والابتعاد عنه يأخذ الحصّة الكبری في مفهوم الاغتراب فـــ«الغربة عن الأرض هي ابتعاد الإنسان قسراً عن وطنه الأم، فیضطره القهر أن یعیش بعیداً عنه، ویشعر بمرارة الغربة عن الأرض لأنَّ طموحه یتعارض مع ما هو حاصل فوقها من قمع للحریة، واغترابه عن الأرض یستمر طویلاً، ویعتبر عودته إلیها للموت فقط» (مغنیة، 2004م: 19).

تكاثرت أنماط الاغتراب عند العلماء والفلاسفة وجمیعهم اتفقوا علی هذه الأنماط المذكورة عند لویس فیور كما یلي: «1- العجز: أي الشعور الذي يولد في أعماق الإنسان بأنّ مصيره ليس في يده. 2- اللامعنى: شعور الإنسان بأنّه ليس للحياة أيّ معنى أو هدف. 3-العزلة الثقافيّة: انفصال الفرد عن قيم مجتمعه. 4- اللامعيار: عدم التزام الفرد بالمعايير السائدة في مجتمعه.5 – الغربة الذاتيّة: وتعني انفصال الذات عن عمق الذات وطموحاتها» (الحلاقیة، 2014م: 2).

أصبحت ظاهرة الاغتراب أهمّ ظاهرة في عصرنا جرّاء الحروب والاغتیالات، والإعدامات، وقد اغترب الكثير من أبناء الشعب العراقي تحت عناوین اللجوء السیاسي واللجوء الاجتماعي، واللجوء السیاسي إلی أوطانٍ كثیرة فــ«هناك اغتراب سیاسي یعود إلی تسیّد إیدیولوجیا ثابتة وتقدیسها أو الإذعان لكاریزما زعیم بعینه، إذ تتمحور القیم حول عبادة الشخص وتقدیسه السلطة واعتبار الحیاة الفردیة وهماً… فیفقد الإنسان حریته ویصیر مغترباً عن ذاته، بذا تنتفي الحریة ویزداد الاغتراب» (الحیدري، 2019م: 2). وتعدّدت وجوه الاغتراب في العصر الحدیث «منها الاغتراب عن الوطن إلی جهات بعیدة ونائیة ومنها الاغتراب النفسي وذلك حین یشعر المرء بأنَّه یعیش غریباً بین أبناء مجتمعه ومنها أیضاً اغتراب المرء عن نفسه، وذلك حینما تنفصل عری الوثائق بین الإنسان ونفسه، وكذلك الاغتراب الذي یفارق فیه الإنسان أهله وأصدقاءه ویرحل إلی مجتمعات أخری تنعدم فیها صلات القربی ویتوجّه إلی مجتمع آخر ویكوّن فیه أصدقاء جُدد لیعوّضوه عن أهله» (جمشیدي وآخرون، 2017: 71). ومن هذا المنطلق سنبحث الاغتراب الاجتماعي، والسیاسي، والنفسي، والمكاني، والزماني؛ ثم الاغتراب وآثاره السلبیة علی الهویة في مجموعة الربیعي الشعریة.

3- تجلّیات الاغتراب في شعر الربیعي

كان خروج الربیعي من العراق بمثابة خروجه من رحم الوطن، وانهیار معتقداته، والضیاع من مستقبله؛ ولكنَّهُ كشاعرٍ ملتزم بقي علی قید الوفاء؛ كانت تلك الحُقبة تحولاً مبدئیاً بالنسبة إلیه لیتواصل مع كوكبة من الشعراء والنُقّاد «خرج عبدالرزاق الربيعي من العراق عام 1994م متوجهاً نحو الأردن وكانت هذه المرحلة بمثابة الخروج من رحم بغداد الذي أطلقه لمدى أكثر اتساعاً لصوته وحروفه، فقد فتحت أمامه آفاقاً أوسع في التواصل الثقافي والحضاري نظراً لظروف الحصار التي شهدها العراق في تلك الفترة» (أبوعون، 2013م:  57). وهذه السنوات كانت بالنسبة للمفكرین والأدباء سنوات حرجة كما یقول حول هذه السنوات یحیی السماوي: «عشتُ الغربة في الوطن، حین أصبح العراق في ظلّ نظام صدام حسین غابة مشانق، بعدما كان بستان شعرٍ وخیمة َمحبةٍ، الأمر الذي جعل الهروب من الوطن أُمنیةً ومطمحاً جماهیریاً» (بدوي،2010م: 67و68). وقد اضطرّ الربیعي إلی جلاء الوطن بسبب المضایقات السیاسیة، والمجاعة التي حلّت بالبلاد جراء الحصار وتزایدت مخاوف الشعب من استخبارات البعث؛ فیشیر الربیعي قائلاً:

«أغلقَ بإحكامٍ/ علی نفسه بابَ الحمّام/ أخرج أسراره/ حدّقَ في الجهة المقابلة/ قرأ: هكذا أنتم دائماً/ تأكلون/ تتبرّزون/ ولاتطالبون/ انتفض واقفاً مثل صلیب/ جری ثائراً/ طالبَ/ بمسحِ الكتابة» (الربیعي، 2019م: 2/ 186).

یظهر لنا من خلال هذا النصّ القصیر أنّ الشعب عاش لحظة رعب واضطراب من مضایقات الاستخبارات البعثیة واستجوابهم للثوّار تحت التعذیب بشتّی أسالیبه. في عام 1998م خرج الربیعي من صنعاء متجهاً نحو مسقط. كلّ هذه الأمور جعلت الربیعي یعیش خارج ذاته، وقد عاش داخل الوطن تحت تأثیر عدّة عوامل حیث أعاقت انتاجیة إبداعه، ودمّرت إمكانیته في التعبیر الحُر عن وجوده الثوري، فكان خروجه كسر القیود المانعه من تفتّح إنتاجه الأدبي، ولكن هذا الاغتراب أثّر في نفسه، ونصوصه، وإنتاجه الشعري.

3-1- الاغتراب الاجتماعي

فقدُ المودّة والإخاء والتشاؤم بین الذات وذوات الآخرین وتجاهل الأفراد، هي النماذج الأساسیة للاغتراب الاجتماعي فـيُعتبَر «هذا الاغتراب هو الشعور بعدم التفاؤل بین الذات وذوات الآخرین ونقص المودّة والألفة معهم وندرة التعاطف والمشاركة وضعف أواصر المحبّة الإجتماعیة مع الآخرین» (عبّاس، 2016م: 36). كانت إحدی لوعاة الشاعر هي أن لایفهمه الشارع العراقي، فالربیعي هو الذي یحلمُ بوطنٍ آمنٍ كباقي الأوطان:

«فجأةً…/ في الشارعِ العامِ التقینا ومشینا/ حدّثتني عن عطورٍ/ عُرِضَت في (شارع النهر) أخیراً/ وبإسهابٍ… عن الأزیاء/ عن صبغِ الأظافر/ (تذكرُ الأنباءُ/ ملیونَ فقیرٍ/ لفظوا أنفاسَهم… والجوعُ كافر)» (الربیعي، 2019: 2/ 468).

یری الشاعر نفسهُ بین أولئك الذین یهتمّون بالعطور التي تُعرض في الشوارع ويتحدّثون عن الأزياء وصبغ الأضافر بإسهابٍ فكأنّ همّ الشاعر الوحيد هو هذه الأمور التافه، في وقت أنّ الأخبار تذكر مليون فقير يعانون أوشكوا علی الموت من شدّة الجوع، فهنا الشاعر يجد نفسه بين من يتحدّث عن أمور تافهة لا تعني له شيئاً وبين نشرة الأخبار اليومية التي تنقل أخباراً مؤسفة من داخل الوطن، فهذه القضايا تجعل الشاعر يعيش في غربة اجتماعية وهو جوف وطنه؛ وأكمل قائلاً:

«رشقتني بخطابٍ/ عن كمالِ السیّدات/ عن طباعِ السیّدات/ عن حفلةِ رقصٍ أبدعت فیها/ وعن تصفیفةِ الشعرِ الحدیثة/ ركض الجنديُّ/ أمتاراً/ بلا رأسٍ/ وماتْ/ سقط الجندي وبین الرأسُ والجثّةِ/ كانت خطوات» (المصدر نفسه: 468- 469).

وأثناء هذه التراجيدية التي يجسّدها الشاعر والتي جاء فيها داخل القوسين ليدلّ علی مشهد حدث قريباً منهم، يجد البعض يتحدّث عن كمال السيدات وطباعها وعن حفلات الرقص وتصفيفة الشعر الحديثة غير مكترث بالمشهد الذي حدث بالقرب منهم، فهذه الأمور تجعل الشاعر يعيش حالة اجتماعية مؤلمة يشعر من خلالها بالغربة. نقصان المودّة والألفة بین أبناء العراق وعدم التعاطف والتفاعل وضعف أواصر المحبة الإجتماعیة بین الربیعي والآخرین تتجسّد من خلال هذا النصّ، فنری الشاعر یستكره أمر أبناء شعبه ويراه بعضهم منشغلين بالأفلام الهولیوودیّة وحفلات رقصٍ بدل أن یهتمّوا بما هو واجب وطني وأخلاقي؛ ومن هذا المنطلق بقي الوطن بید الاحتلال الداخلي والخارجي محترقاً، وبقيت أبناء الوطن بین الموت والمنافي یتجوّلون، فالاغتراب یزداد علیه اجتماعیاً ونفسیاً ومكانیاً:

«حدّثتني عن ألن دیلون/ والفلمِ الأخیر/ وروت قصّتهُ حتّی الختامِ/ حجزوا للموتِ/ في مسرح بیروت المخرّب/ مقعداً یربضُ بالصفِّ الأمامي/ ثم ماذا؟ حرقوا المسرحَ واغتالوا/ عصافیرَ الكلام» (المصدر نفسه: 469).

یری الربیعي أنّ البعض من أبناء الشعب لا یرید أن یفهم حقيقة الأمر ولا یتعب نفسه كي یفهم الأحداث التي جرت، من مجازر، واغتیالات، ونهب الثروات، فجیل الشباب مهتمّ بثقافة الغیر ولا یعرف تاریخ حضارته وأحداثها، ویملّ الشاعر ویتعب من هذا التحامُق. فهذه الأمور التي یرویها الشاعر تدلُّ علی اغترابه في المجتمع، لأنَّ المجتمع لا یفهمه وحتّی من یفهمهُ یرید منهُ أيضاً أن یلزم السكوت. ثمّ یری المجتمع وأهلهُ یبتعدون عنه، وعن أفكاره، فيسأل منهم في قصیدة “البیت الأخیر” والتي تُعتَبَر نموذجاً بارزاً لاغترابه الاجتماعي:

«باردٌ كأسُك…/ أینَ الحانُ؟/ والندمانُ؟/ هل غابوا/ عن العیونِ/ خلفَ الغیم/ والخلانُ أینَ؟ هل أداروا الظهرَ للشتاء؟ أم أنتَ للغیبِ/ مضیت» (المصدر نفسه: 1/ 18).

في هذا النصّ یأتي الغیاب القسري لكلِّ شيءٍ أحبّهُ الشاعر، ویری أنّ حرارة المودّة والإخاء قد تغیّرت وأصبحت نیران المحبّة كالثلج، وقد غاب الأهل فبقي وحیداً یسأل نفسه أین الأهل وماذا حلّ بتلك المحبّة والمودّة والإخاء؟ ثمّ وجد نفسه وحیداً مُستكرهاً بین الأصدقاء، والمجتمعُ لا یقبل آراءه، ولا یساندهُ أحد في أفكاره. بقي الربیعي وحیداً مُستغرباً عن الناس وكان يحتاج حضورهم لتحقیق هویته، فالإنسان «لایستطیع تحقیق هویّته إلّا في وسط اجتماعي یتحقّق فیه التفاؤل بین الذات وغیرها من الذوات، وأنَّه لا یدرك هویّته إلّا من خلال المسؤولیة التي یستشعرها تجاه الآخرین» (خلیفة، 2003م: 66). وخلال هذه الغربة والوحدة والانزواء كتب قصیدة “عزلة”:

«حینما ینزوي/ یلبس الأفقُ جلبابه المطريّ/ البیوت تضیقُ/ تشیقُ الأضالعُ أیضاً/ وبالكاد تطلعُ منها الأفاعي/ یغوصُ…/ یغوصُ…/ إلی آخر القول» (الربیعي، 2019م: 2/ 390).

عادةً ینزوي الفرد عند حصول الفواصل بینه وبین أحبته، ویروي لنا الربیعي انزواءً لنفسه في هذا النصّ ویصف للقارئ حالات الشخص المنزوي وكیف یضیقُ به الفضاء! ثمّ یصوّر التنهدات كالأفاعي تخرج من صدر الشخص المنزوي. اهتمّ الربیعي بالقضایاء التي تختصّ بأبناء العراق في المهجر وأولئك الذین ضاعت حقوقهم بأوطانهم تحت عنوان “المنفیین”، حیث عاشوا حیاةً ملیئةً بالإحباطِ والیأس في أوطانٍ غریبة؛ وقام الربیعي من خلال شعره بتعریف أوضاع تلك الفئة من أبناء العراق وروي الكثیر عن أوضاعهم في نصوصه؛ وفي هذا النصّ امتزجَ الاغتراب الإجتماعي والنفسي لیخلقَ فضاءً خاصاً بالمنفیین. ثمّ ینقطع الربیعي عن الآخرین في غربته ویحسّ بالألم الشدید بسبب ما يحیطه النسیان، فیشعر بالیأس؛ ویری المشاكل والضغوطات السیاسیة والاجتماعیة كالطوفان داهمتهُ، وخاب ظنّه بأصدقائه:

«أصدقائي/ حینما داهمني الطوفانُ/ صاحُوا الیوم لاعاصمَ إلا…../ وبإغماضه روح هربوا/ أصدقائي/ من دَمي المُلقی علی الأیامِ/ ماذا كسبوا؟ بعضهم ظلّ علی العهدِ/ ومن لابدَ…/ ومنهم عادَ من غیبته الصغری/ ومن خیبتي الكبری» (الربیعي، 2019م: 1/ 22).

یستشهد الشاعر بآیة من سورة هود وهي ﴿ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (هود/ ۴۳)؛ فیشبّه الأصدقاء بابن نوح (ع) ویری نجاتهم في صلة الرحم والإخاء والمودّة. يری الشاعر خیباته من الغُربة وضیاع الأصدقاء حيث ضاعت أصدقائه في الشدائد وبقي هو وأوجاعه بعیداً عن أهله وأصدقائه وحتی عن ذاته، والاغتراب عن الأهل والذات علی امتدادٍ واحدٍ یسیران ولـــ«أنّ مفهومي الاغتراب عن الذات والاغتراب عن المجتمع المعاصر یتشابكان وإنَّ الإنسان المغترب عن الآخرین هو المغترب عن ذاته» (حماد، 2005م: 211). ثمّ یری الشاعر أنَّ الأصدقاء الذین تركوه في الشدائد هم سبب دماره وخراب كلّ شيء:

«بیتٌ خربُ/ بحرُ أوجاعٍ/ وسرٌّ ذائعٌ/ في الریحِ/ غیظٌ/ ودمٌ من قاع قلبي یثغبُ» (الربیعي، 2019م: 1/22).

كان یُعاني الربیعي من انقطاع صلة الرحم بینه وبین أهله وجیرانه وأصدقائه، ویری عدّة أسباب لهذا الأمر وأهمّ هذه الأسباب هي أنّ هؤلاء الأصدقاء لا یكتمون له سراً، فهؤلاء الذین كان یظنّهم أصدقاء كانوا سبباً لدماره، ولم یحافظوا علی أسراره فأذاعوها في المجتمعِ الذي شبههُ بالریح.

3- 2- الاغتراب الإخواني

لاشكَّ بأنَّ الحنین إلی الدیار هو الحنین إلی الأهل وتربطهما صلة تامّة، والاغتراب عن الوطن هو المسبّب الحقیقي للحنین إلی الأهل والإخوان «الاغتراب عن الوطن یسبّب الحنین إلی ما فیه من الأهل والأصحاب» (الربیعي، 2013م: 255). عاش الربیعي تجربة مُرّة في الغربة، لأنّ معظم أهله في العراق، ویسمع الأنباء السیئة من داخل الوطن، والاغتیالات لا تُعدُّ ولا تحصی؛ وقد فقد الأصدقاء في وقتِ الشدّة؛ هذا ما جعل الشاعر یعیشُ حالة ضعفٍ في الغُربة لأنَّهُ لم یحصل علی صدیقٍ وفيّ. و«المراد من الاغتراب الإخواني هو أنّ الإنسان قد عاشرَ أناساً كثیرین، وانعقدت بینه وبینهم صداقات وسیعة، إلّا أنّه سرعان ما یفقد هذه الصداقات؛ لأنّها لیست قائمة علی الوفاء والمؤازرة في وقت الشدّة، ولهذا فإنّه یندب حظّه العاثر» (اشكوري، 2015م: 552). یصف الربیعي معاملة الجیران في الغُربة:

«قلوبنا التي وصلت/ وصلت تالفه/ أُغادر (عمّان) مثلما ولدتني مدينتي/ عارياً إلّا من الأورام/ أورام بسبب البطالة السميكة/ أورام بسبب احتراق الإقامه /بسبب جاري الذي لم يقل لي/ صباح الخیر/ أغادر عمان/ حاملاً قبضة مطر»  (الربیعي، 2019: 2/ 179).

كان الشاعر یتأمّل حیاةً كریمة في الأردن ولكن سرعان ما تلفت الأفئدة وتزایدت الأورام من عمان العاصمة؛ بالرغم من عروبتها ولكن أهلها مختلفین عنه فقرّر الشاعر تركها لأسبابٍ مثل البطالة، وعدم تواصل أهلها مع المنفیین. فقد تضایق الربیعي بسبب المتاعب التي التفت به في هذه العاصمة ومعاملة سوء من قِبَل أهلها مع المهاجربن. ویروي لنا زیارة أخیه في عالم الرؤیا وكأنّهُ لم یبق غیره:

«حین زارني أخي/ في المنام/ كان التعبُ/ محفوراً علی حذائهِ/ لم أسأله عن ذبول صبغته بالطبع/ فالطریقُ من العالمِ الآخرِ/ طویلٌ/ والمطبّاتُ كثیرة/ لكنّهُ رغم كل ذلك زارني/ أنا المضطجعُ علی ظهر انتظاره في الظلامِ المكیّف» (المصدر نفسه: 1/ 406).

عدم زیارة أحدهم للربیعي یسبّب له غُربة نفسیّة حیث یحنّ إلی عبد الستار أخیه ویراهُ في عالم الرؤیا یأتي لزیارته. فمن خلالِ توظیف هذه المفردات «في المنام»، و«العالم الآخر»، و«الظلام» نعرف بأنّ “عبد الستار” متوفي. الاغتراب الإخواني في شعر الربیعي یأتي بصورة عتاب وحنین. فانفصال الربیعي عن الوطن والأحبة سبَّبَ مشاعر نفسیة كالحنین لأنّ الاغتراب كما تقول معاجم اللغة العربیة علی اختلافها النزوح عن الوطن، «أو البعد والنوی، أو الانفصال عن الآخرین، وهو معنی اجتماعي، بلا جدال فیه كذلك هو أنَّ مثل هذا الانفصال لا یمكن أن یتمّ دون مشاعر نفسیة، كالخوف أو القلق والحنین» (فرهنگ نیا، 1436هـ: 391).  واغترابه الإخواني یجعل نفسیّتهُ تهیم بین الماضي والحاضر، الماضي عندما كان “عبد الستّار” حيّاً یُرزَق، والحاضر اغترابه ولوعاته واستعادة الذكریات والتحسّر علی الواقع، ویكشف عن معاناة الغُربة وعن معاناة الذات في حال اغترابها وتوحّدها في بلادٍ نائیة، فیشعر الربیعي بغربة مریرة بعد كلّ هذا النفي والتشرّد ویحسُّ بشوق لماضیه الذي یعیش الآن في ذاكرته.

3 – 3 – الاغتراب السیاسي

الاغتراب السیاسي في العراق الحدیث هو النوع الأكثر شیوعاً بین أنواع الاغتراب وهذا الأمر حصیلة خیبة الأمل عند الشعب العراقي وانفصاله عن حزب البعث، فالاغتراب السیاسي «حالة من الشعور بعدم الرضا وخیبة الأمل والانفصال عن القادة السیاسیین والسیاسات الحكومیة والنظام السیاسي ویری أنّ مشاعر الاغتراب تضمّ علی الأقل خمسة مكوّنات وهي الشعور بالعجز، الاستیاء، عدم الثقة، الغربة والیأس» (عبدالوهاب، 2000م: 114). یری الربیعي أنّ حزب البعث كغراب الشؤم أخذ الشعب العراقي إلی الهلاك وجرهم إلی حروب كثیرة لا تُطاق:

«ماذا ستأخذُ یا غراب؟ وكلّ أشرعتي هوت/ واستسلمت لجیوشِ طاعونِ الخراب؟/ ماذا ستأخذ یا غراب؟ وقد أخذت مني ما أخذت/ فرشتَ لؤمك/ وانسللت بها/ إلی الأفق البعید/ وطرت/ سرّاً تاركاً قلبي وحیداً في زوایا اللیل» (الربیعي، 2019م: 1/55).

  الغراب من أكثر الطيور توظيفاً في القصائد حيث حمّله الشعراء دلالات مختلفة كرمز للشؤم أو الموت أو الفراق، وفي هذا النصّ یرمز إلى الذكرى الحزينة التي لا تنتهي أبداً، سنوات الضیاع التي مرّت علی الشاعر، سنوات استیلاء الحزب البعثي علی العراق. شبّه الربیعي ساسة الحزب بالغراب، لأنّهم أتلفوا وأتعبوا الشعب العراقي؛ وقد حلّ الخراب والطاعون في البلاد. العراق بلد الحضارة، وبلد الثروات وقد ضاعت كلّ هذه الثروات في الحروب ودعم الطاغیة الصدامیّة، وكلّ ما جلب للوطن هو الطاعون والخراب بأفكارٍ لا تغني ولا تسمن من جوع؛ هذا هو إحساس الشاعر الملتزم الذي عاش في الغربة وهو «إحساس بالغربة عن حكومته وعن النظام السیاسي، واعتقاده بأنَّ السیاسة والحكومة یسیّرها آخرون لحساب آخرین، وهو یشعر في هذه الحالة بأنَّ المجتمع والسلطة لا یعنیهما أمره وبأنَّه لا قیمة له في ذلك المجتمع» (عبدالوهاب، 2002م: 13). قصیدة “السلحفاة” تظهر رغبة الربیعي في القصاص من البعث بسبب الجرائم، والمجازر التي فعلها بحق الشعب العراقي فنقرأ:

«لا ماء/ لاحجر/ …لا جسد بهیئة صخرة/ لا شيء…/ غیر نجوم أفق عاطل/ سنصوغ من دمعاتها عطراً…/ نرش به النساء/ لا شيء…/ في الدنیا سوی قمر یدب كسلحافة/ سندوس جبهته/ لنغبر شاهد الزمن الوحید/ ونعتلي قاماتنا» (الربیعي، 2019م: 2/ 505- 506).

بقي الربیعي یخطو خطواته بهدوء من دون أن یسبّب لنفسه أو لعائلته أذی من الحزب البعثي لهذا التجأ إلی الرمز واختیار اللغة الرمزیة فهذه هي التقنیّة في نصّ الشاعر؛ لهذا یری الناقد “ناصر أبوعون” یجب أن نقرأ شعر جیل الثمانینیات قراءة متأنیة، لأنَّ بسبب المضایقات السیاسیة كتبوا الشعر برمزیة خاصة؛ «اهتمَّ جُل أعضاء هذا الجيل [الثمانینیات] بغروب الوعي السياسي والانزواء والانغلاق على الذات وعدم مجابهة السلطة وقراءة متأنية لشعرية هذا الجيل وبخاصة شعرية عبدالرزاق الربيعي تدحض هذه الرؤى الذاتية حيث كان له طقس خاص وتحرشات فكرية ومناوشات شعرية ورغبة دفينة في القصاص من النظام البعثي الذي اجتث أخاه السياسي والمعارض فقضى شهيداً للحرية» (أبوعون، 2013م: 35). وفي نصّ “وصیّة” یتأمّل حیاةً سعیدة لإبنه بعد ما أتلف الحزب أزهی أیام الشاعر وأبناء جیله:

«لملمتُ بقایا بحرٍ لجّيّ/ یترسّبُ/ في ذاكرةِ السفنِ الغرقی/ في أعماقي/ وحملتُ عصا زهرة أشواقي/ لوّحتُ لطفلي النائمِ/ في الغیبةِ/ أجِّل صرختك الأولی/ سنوات أخری/ واطلقها/ خارجَ الأزمنة البلوی/ فلعلَ یكون/ یكون لها –حینئذٍ- جدوی» (الربیعي، 2019: 1/466).

رمز الشاعر بطفله إلی الشعب العراقي في المستقبل وإلی الجیل الذي سوف یعیش خارج حكم الطاغیة، فیطلبُ منهم أن یجهّزوا صرخاتهم ربّما ستفي بغرضٍ. ویتلبّس بلباس النبي إبراهیم راجیاً من الله أن تعود الروح في طیوره:

«ألقِ بریشاتك من فتحات ِ الشُبّاك/ وصلِّ علی روحهِ/ یأتك سعیاً/ قال الشیخُ/ فخبّأ إبراهیمُ الدعوات الورقیّة/ بین جناحي جثّة طائرهِ/ وتداعي في صحنِ الظُلمةِ/ بین رفوفِ الزوّارِ/ اخلع نعلیك/ خلعتُ فؤادي/ وسماءً كاسدةً/ إنّك في الحضرةِ/ حیث طوافُ الناسِ الذهبيّ/ حماماتٌ تمشي كالأطفالِ/ علی حرفینِ ندیینِ/ افتح شمعةَ نذرٍ/ وانظر بعثرة الموتی» (المصدر نفسه: 1/ 488).

یروي الشاعر روایة عن إبراهیم الطفل الذي یحلم بأنَّ الروح ستعود لطائره حین یضعه في مقام ولي من الأولیاء مشفوعاً بالدعوات ویستلهم من هذه الآیة: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (بقره/260)؛ فیری الشاعر أنّ البلد الطیّب تنبت به أزهارٌ والبلد اللاطیّب تنبتُ به أشرارٌ، لذا یركب سفینة نوح لینجو من الغرق وهذا ما فعله الشاعر حینما غادر العراق؛ فكتب هذه القصیدة قبل أن یغادر العراق ولكنَّه نشرها بعد خروجه من الوطن. ویری علی الإنسان أن یموت خیر من أن یكون ذلیلاً بید الطغاة ویدعو الشعوب إلی الثورة ضدّ الطغاة والجبابرة:

«أحیاناً یكون الموتُ جیّداً وضروریاً/ خصوصاً عندما یبتلعُ روحَ لیلةٍ ماكرةٍ/ أو یضغط علی رقبةِ/ كلمةِ سوءٍ/ أو یدقُّ عنقَ حشرةٍ ضارّةٍ/ أحیاناً یكون الموتُ جیّداً ومناسباً/ خصوصاً عندما یعطي/ حلولاً نهائیّة/ لكل الأسئلة العاطلة/ لكل الأزمنة المعجونة بالالتباسات/ أحیاناً یكونُ حلاً لي/ ولك/ ولهم» (الربیعي، 2019م: 2/ 130).

یری الموت ضروریاً ویجب أن یدقُّ المرء عنق حشرة ضارّة ویرمز بها إلی الطبقة الحاكمة التي جرّت الشعب العراقي إلی الخذلان بسیاساتها الأنانیة والحصار الذي دمّر أواصر الشعب. إنَّ الشعور بالاغتراب السیاسي لدی الشاعر متجذّر في وعیه الفكري والسیاسي الذي كان لا یستطیع أن یتحمّل أي نوع من الظلم والجور، ویشرح الظلم الذي حلّ في العراق، وأصبح الموت للفرد العراقي خیراً من أن یكون حیاً، ولكنَّ الربیعي یرید من الشعب موتاً لأجل الحریّة من الحزب الطاغي الذي جعل حیاتهم في شدّة. ثم ّ في مجموعة “غداً تخرجُ الحربُ للنزهة” یروي للقارئ أحداث أخری من معاناة الشعب العراقي، معاناة بعد معاناة، فقد ظلمهم الحزب البعثي طوال السنوات الماضیّة ثم تأتي الحرب وحصیلتها ضحایا لا تُعَدُّ ولا تحصی، فیروي لنا الأحداث من داخل المستشفی؛ وهذا أهمّ عمل نشره الربیعي في شعره الثوري، والمعاند لإستیلاء الطغاة والجبابرة حیث یری الشعب العراقي من بعد الحصار والدمار، والمجاعة حان وقته أن تنزل علی رأسه صواریخ ویحضن المفخخات والسلب والنهب والنفي والفرار، فیقول:

«غداً تخرج الحرب للنزهة/ زیّنوا المستشفیات بالأدویة والضمادات/ والمشارط الباشطة/ غداً تخرجُ الحربُ للنزهةِ/ نظّفوا القبورَ من الأتربة والأدغال/ واحفروا أخری للحیطة/ إكراماً لأنفها من روائح الجیف النتنة/ ….الطائرات رتّبت زوادة الموتِ/ لترمیها هناك فوق سرّة الدُنی/ والنارُ في قلبي هنا/ الطائراتُ انطلقت نحو هناك كي توزّع النیرانَ والظلامَ والرصاصَ الأرعنا/ والقصفُ في بیتي هنا» (المصدر نفسه: 2/ 77 – 83).

یری الربیعي مصیبة حلّت بالعراق ولاحیلة بیده فبقي مضطرباً یتابع أخبار الوطن، وهذا هو الاغتراب السياسي، فـ«الاغتراب السیاسي هي حالة یشعر فیها الإنسان بعجزه عن المشاركة في الأمور السیاسیة وانشغاله عن كلّ التطورات السیاسیة علی الصعیدین الداخلي والخارجي جراء السیاسات التعسفیة التي تفرضها السلطات علی معارضیها في الحكم» (عبدالوهاب، 2000م: 114). ویتألّم حینما الطائرات تقصف العراق وهو بعید عنها، وهذا الإحساس یظهر التزامه الاجتماعي، والروحي، والنفسي، والسیاسي. لهذا فقد عاش الربیعي الاغتراب السیاسي بشتّی طقوسه، فقد خرج من العراق بسبب المضایقات من قبل حزب البعث الذي ضایق جمیع الأدباء ومن ثمّ قام بنشاطٍ سیاسي للتعریف بمعاناة الشعب العراقي في الداخل، وبقي جنباً لجنب جروح العراق التي تنزف علی مدی السنین. 

3 4 الاغتراب النفسي

حینما یشعر الإنسان بالضعف والانشطار یعیش حالة اغتراب نفسي وهذا مفهومٌ عام ٌوشاملٌ یشیر إلی الحالات «التي تتعرّض فیها وحدة الإنسان الشخصیّة للانشطار أو للضعف والانهیار بتأثیر الأعمال الثقافیة التي تتمّ داخل المجتمع مما یعني أنّ الاغتراب یشیر إلی النموّ المشوّه للشخصیّة الإنسانیة حیث یفقد فیه الإنسان مقوّمات الإحساس المتكامل بالوجود والدیمومي» (خلیفه، 2003م: 81). ولأسبابٍ كثیرة ینفصل الشخص عن المجتمع، وكثیراً ما نری تتعارض الأفكار بین أبناء حزب أو أصدقاء حیث تجعل الشخص یبحث عن عزلة وانفصال وهذا الشعور هو «شعور الفرد بالانفصال عن الآخرین أو عن الذات أو كلیهما» (نعیسه، 2012م: 120). فیتمنّی الربیعي أن لا یری الدمار في بلاده فیخاطب حبیبته طالباً منها حلاًّ للابتعاد من الظلمة وتعمّد بالنصّ لكي یشرح للقارئ أنّ أمور الشعب العراقي وحیاتهم أصبحت مؤسفة:

«حلّت نازلةُ الموتِ/ بــــأوروك فیا صاحبتي/ أیكونُ بوسعي/ ألّا أشهد ظلمةَ عالمنا السفلی» (الربیعي، 2019م: 2/ 226)

فیری الربیعي الموت في الوطن قد خیّم بظلّه، والظلام قد امتدّ علی امتداد الوطن وقد یعیش الشعب العراقي حالة حزن وضیاع، ثمّ في قصیدة “منفی- أغنیّة غفّاریة” یطابق ذاته المنعزلة مع وحدة أبي‌ذر الغفّاري حیث قال عنه الرسول «يرحم الله أباذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده» (قمي، 1404ق: 1/ 295). یری أحداثه كأحداث أبي‌ذر یعیش في المنفی جبراً وقهراً:

«طلع البدرُ علی دكانِ الكتبِ الخشبي/ فقامَ الشیخُ الطاعنُ/ في صحراء الربذة» (الربیعي، 2019م: 2/ 393).

یصوّر الشاعر نفسه كصحابة النبي الذي عاش وحیداً ومات وحیداً في الغُربة، ولو تغیّر الزمن لكن تبقی ردود فعل الطاغیة تجاه الأحرار. فالاغتراب النفسي هي التنهدات والآلام الحاصلة من جوّ نفسي مشوش، یبعد النفس عن واقعها، ویجعلها حائرة وتائهة، دائمة العزلة عن أقرب الأشیاء إلیها، وتجسّد هذا اللون من الاغتراب في مفرداته وخلجاته؛ ثمّ یری قهر أبي‌ذر من بعد الرسول (ص) حیث أصبح أسیراً ومناضلاً في سبيل الحق، يراه یشبه قهره في زمنِ الطغاة والجبابرة:

«في عقرِ الوقتِ/ وقصرٌ أخضر یعلو/ طلعَ القهرُ علینا/ بغطاء ذهبي/ فاطبع وجهك» (المصدر نفسه: 393).

والشاعر یری طغاة أمس قد ظهرت الیوم وبنت وشیّدت القصور لتستعبد الشعوب وتجوّعهم في الحروب؛ ثمّ یری نفسهُ مسلوخ الأنفاس، ناطراً موته في الغربة، والبرد یعشعش بین أضلاعه:

«عجبتُ لمن…/ أخرج مدحوراً/ مسلوخَ الأنفاسِ/ من الــ…/ صبرا…. موعدنا الموت/ في هاجرة المنفی/ بردُ الغربةِ بردٌ/ والفندقُ من زنخ الظلمةِ والقيء/ ترطّب بالمغتربین» (المصدر نفسه: 2/394).

یُصاب الربیعي بالیأس فالشخص الذي یری هویته الوطنیة، والقومیة في تعارض یصاب بالیأس والعزلة؛ فـ «أكثر الناس حینما یشعرون بأزمة الهویة یعانون من الغربة، والعزلة والانسلاخ» (أحمدیان، 2014م: 57). یری نفسهُ یعیش حالة ضیاع في الغربة وفي موسم قد اشتدّ البرد فيه فوظّف الشاعر هذه المفردات (مدحوراً، ومسلوخ الأنفاسِ، والموت، المنفی، برد، الغربة، والظلمة) لیخلق للقارئ فضاءات تدلّ علی اضطراباته النفسیّة في المنفی؛ ثمّ یصف مسیرة المنفیین وهي مسیرة تعب وضیاع، مسیرة بكاء ولوعة وأطفال جیاع، والمسیرة هذه لیست آمنة، فیظهر التعب والموت والضیاع في نصّه. ویروي الربیعي الاغتراب النفسي في قصیدة “أصابع فاطمة” ویشرح قضایا كثیرة تختصُّ بالذین هاجروا وعاشوا في المنفی:

«ذهبَ الذین………./ وفاطمه/ تركت أصابعها/ تسیلُ علی رمادِ أصابعي/ في وحشةِ الأسماء/ حیث الریحُ تصهلُ/  في جباة المعتمة/ ذهبَ الذین…../ تسرّبوا» (الربیعي، 2019م: 2/ 297).   

یصف الشاعر معاناة الشعب العراقي وتهجیرهم من بلدانهم بسبب الاغتیالات العشوائیة، والعربدات، وضیاع المستقبل، والهروب والفرار وضیاع الثروة الوطنیة، ومعاناتهم طوال السفر من خلال قصیدة “أصابع فاطمة”؛ هذه القصیدة المطوّلة یتكرّر فيها شطر «ذهب الذین..» ثمانیّة مرّات وقد وظّف لغة تحملُ في طیاتها حزناً وآلاماً غیر معهودة في نصوصه وهذا يدلُّ علی نفسیته التي تعبت من الفراق والاغتراب؛ ومن خلال مفردات كـــــــــ«تسیلُ»، و«رماد»، و«وحشة»، و«معتّمة»، و«تسربوا» یعطي طابعاً تراجیدیاً في بدایة القصیدة. أمّا العجز فهو من أهمّ ركائز الغربة، وهو الشعور الذي يولد في أعماق الإنسان بأنّ مصيره ليس في يده، فیحاول أن یخفّف عن آلامه بالبُكاء، ولم یبقَ شیئاً سوی الشعر في الغربة؛ وأسهل طریقة للربیعي في الغربة الشعر والنحیب:

«املأ نحیبي بالمناسبِ/ من أحادیث الطریقِ/ فإن عییتَ/ فلا تصدّق ما سأتلو» (المصدر نفسه: 2/ 401).

كان الربیعي في الغربة یخفّفُ عن ألمه بالشعرِ والنحیب ویحمّل الطغاة مسؤولیة ما یتعرّض له المنفیین في الغربة. یری نفسه وحیداً في مواجهة الزمن الكئیب وزمن الطغاة والجبابرة ولا یستطیع أن یفعل شیئاً لهذا الكم الهائل من المصائب. یتحدّد مفهوم الاغتراب في الشخصیة بجوانب مختلفة مثل «حالات عدم التكیّف التي تعانیها الشخصیّة، من عدم الثقة بالنفس، والمخاوف المرضیة والقلق والإرهاب الاجتماعي، غیاب الإحساس بالتماسك والتكامل الداخلي في الشخصیة، ضعف أحاسیس الشعور بالهویّة والانتماء والشعور بالقیمة والإحساس بالأمن» (وطفة، 1998م: 241- 242). ومن ثمّ یری الشخص نفسه غریب بین أهله، وهذا الاغتراب هو «نوعٌ من الاضطراب في علاقة الفرد بنفسه والعالم، حیث یشعر المرء بأنَّه غریبٌ عن ذاته منفصلٌ عن واقعه بسبب فقدان المعنی المتمثّل بصورة أساسیة في الهدف» (یوسف، 2005م: 14-15). فهذه الاضطرابات تجعل الشخص ینفصل عن المجتمع الذي یعیش في إطاره وحتّی ینفصل عن ذاته ویغترب عن نفسه وأفعاله.

إذن الاغتراب النفسي حصیلة الازدواجیة الثقافیة وینشأ عن تناقض بین داخل الإنسان والعالم الخارجي كما قد یتعلّق بما یحدث للفرد من اضطرابات نفسیّة وعقلیة، وما یستشعره من غربة وفتور جفاء في علاقة بالآخرین (إنظر إلی: مشقوق، 2014م: 479). ومن ضمنِ الاغتراب النفسي هو أن یهتمّ المرء بأمور معینه تبعده عن ذاته فیصبح المرء مغترب داخلیاً؛ والشرود الذهني الناتج عن اهتمام الإنسان بأمور معینة، تبعده عن ذاته ویتیه بها عن نفسه كما قد یعني فقدان الحسّ أو غیاب الوعي.

3 – 5 –  الاغتراب الزماني

الاغتراب الزماني هو أن یسیر الشاعر في عصرٍ مغترباً عن الحاضر أو الماضي وهذا الأمر لعدم تقبّله لأمور كثیرة في زمانه، حيث یهرب الشاعر من حاله وظروفه ویسیر ملتجئاً إلی زمنٍ غیر الذي هو علیه؛ فالاغتراب الزماني «یتجلّی في عدم تقبّله وتحقیره وعدم الانتماء إلیه، فهو حاضر الهزائم والانكسارات العربیة المتلاحقة والعقم والتخلّف المزري» (بركات، 2007م: 171). یبدع الربیعي في قصیدة “رؤی جدیدة علی طاولةِ یوسف” في السیرِ إلی الوراء لكي یشبّه غربته بغربة النبي یوسف:

«علّمك الجبُّ/ فأوّل/ أوّل یا یوسف/ تلك رؤی/ منفيٍّ مشدودٍ/ بمغارِ الفتلِ/بسعفِ النخلِ/ بنخلةِ برحيّ/ تأكل من شعفتها طیر/ بمناقیر عجاف/ ویعیش بها سبعٌ/ یتقلّد كلماً كذباً/ ویشیرُ إلی خوذته المحفورة/ في ملصق إعلان/ یتلقّی في حاشیةِ النسیان/ ویهتف: علمك الجبُّ» (الربیعي، 2019م: 2/ 230).

فيعتمد الربيعي علی التناص في هذه القصیدة لكي یشكّل نصاً جديداً من خلال تركيزه علی أزمنة مختلفة تعالج قضایا زمانه؛ الجُب هي الحُفرة التي احتضنت النبي یوسف ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (یوسف/ 10). فالشاعر یری الشعب العراقي في حفرة الحزب البعثي أسیراً ثمّ في هذه السورة نقرأ: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (یوسف/36). ویطلب الشاعر من النبي یوسف أن یأوّل للشعب العراقي:

«فأوّلْ/ أوّلْ یا یوسف/ رؤیا غربان تنعقُ/ في بوّابةِ أفقٍ/ مختومٍ بشظایا قمرٍ یتشقّق/ هبّت من كلّ صراطٍ/ ملعونٍ/ تنقرُ عروةَ جرحٍ/ یتدلّی/ في الكتفِ/وینزف» (الربیعي، 2019م: 2/ 231).

وبما أنّ تأویل النبي یوسف إلی أولئك الذین كانوا معه في السجن یحمل أنباء سیّئة فالربیعي یری للشعب العراقي أخباراً سیئة من البعث. ففي هذا الاغتراب الزماني یأخذنا الشاعر إلی سالف الأزمان إلی قصة یوسف، وطفولة الشاعر، وقد أبدع الربیعي في القیاس وقد تناصَّ مع القرآن الكريم: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ (یوسف/۳۷ و38). أخذنا الشاعر إلی سالف الأزمان من خلال توظيفه للقصص القديمة. فـ«غالباً ما یتمثّل الاغتراب الزماني في حنین الشاعر إلی سالف الأزمان، وبالتحدید عهد الشباب والصبا والطفولة، ذلك أنّ الإنسان لا یتحمّل مشاقّ الحیاة، ولا یدرك معانیها الصعبة، فتبدو له الطفولة وبراءتها جمیلة وادعة؛ فمن هذا المنطلق یمكننا القول بأنّ كلّ واحد منّا یعاني الاغتراب الزماني بشوقه إلی أیام الطفولة الحالمة؛ إلّا أنّ الشعراء تمكّنوا من بثّ لواعجهم وآلامهم الزمنیة في أبیات الشعر وصوّروا هذا الحنین إلی الماضي أحسن تصویر» (اشكوري، 2015م: 543). وفي قصیدة “مزمارُ العتمة” یری أیام المراهقة التي عاشها بسعادة ویعیشها في لحظته قائلاً:

«بهدوءٍ تغرسُ عینیها/ في القلبِ المفتوحِ/ علی مصراعیهِ/ تلاحقُ سربَ البطِّ/ تذكر/ مستغرقةً في حلمٍ یتشظّی/ عن ذكری تتشظّی/ هل كنّا نركضُ فوق الشاطيء؟/ كنّا/ مثل جیادٍ متوحّشة/ الله! تذكر لي أكثر» (الربیعي، 2019م: 2/ 242).

یتذكّر الربیعي تلك القریّة التي عاش بها أیّام الصبا ولعبه مع أبناء الحي ویتسائل عن الماضي ویردّ علی سؤاله الذي بات مفهومه واضحاً، كان الوطن في عهد الصبا بأمنٍ وسلام واليوم أصبح أبناءه منفیّین في الغربة. فمن خلال هذه النصوص الشعرية لقد تبيّن الاغتراب الزماني الذي عاشه الشاعر بضیقٍ وقد عاشَ حیاته بصعوبةٍ ویری الزمن الذي عاشته القدماء أثمن وأفضل بكثیرٍ من عصره هذا؛ فانتزع الربیعي من الحاضر المؤلم وانفك منه لعالمٍ آخر مملوء بذكریات الماضي الجمیلة.

 3 –6- الاغتراب المكاني

إنّ كثیراً من أبناء الشعب العراقي اختار سبیل الهجرة للحصول علی مكان آمن للعیش، وجلّ المهاجرین كانوا من الطبقة المثقفة، من الشعراء والروائیین والمسرحیین؛ فتحلّ الوحشة في أفئدة أولئك المنفیین عن الوطن، وتضیق صدورهم من فقد الأحبة، والبُعد المكاني مزیداً علی البُعد النفسي یجعل ظروفهم أصعب لأنّ «الإرتحال عن الوطن یولّد اغتراباً مكانیاً لا تنفتح معه إلّا أبواب الوحشة ولا یصبح العالم إلّا ثقب إبرة. والإنسان لولا ظروفه الحرجة واضطراره ومطاردته، لما فارق الأحبة وأرض الوطن من تلقاء نفسه» (بلاوي وآخرون، 2012م: 81).

     الاغتراب المكاني یراهُ المرء في المكان الذي یفقد فیه الألفة؛ وهنا ترتبط علاقة الأمور العاطفیة بالمجتمع فالأمور العاطفیة «لها جذور عمیقة في الثقافة والمجتمع والمعرفة الاجتماعیة، وثقافة المجتمع تلعب دوراً مهماً في تكوین هویة الفرد» (أحمدیان، 2014م: 57). والربیعي المهاجر الذي كان یخشی النظام السابق وعشوائیة إعداماته؛ في قصیدة “رمل” یری كلّ البلدان متشابهة بعینه ما عدی العراق، فیری أنَّ الأماكن التی هاجر نحوها بلون واحد لكن ذائقة الحیاة تختلف:

«تصفّحت رمل الجزیرة/ وجدت حقولاً من النار/ موتی…./یعدون للموت/ عشبَ أسرّتهم/ فتفقّس أكفانُهم/ حسكاً…/ ینطوون علی ما تبقّی لهم/ من ریاح مهرّبة/ وسعال الدموع الأخیرة/ تصفحتُ رمل الجزیرة/ تصفحت قلبي/ وجدت نساء/ یكحلّن أعینهن/ بزیت وریدي» (الربیعي، 2019م: 2/ 286).

یروي الربیعي وصوله إلی الیمن بأرضه الرملیة والصراعات التي كانت تدور بین أبناءه، حتّی سبّبت هذه الصراعات خروجه من الیمن ونزوحه نحو عمان؛ یروي الشاعر أوضاع الیمن حیث وجد حقولاً من النار، وهي الصراعات الداخلیّة بین أبناء الیمن ویقتلون بعضهم البعض؛ ثمّ یصف تجرباته من الأوطان الأروبیه وأحوال أصدقائه في تلك الأوطان ففي قصیدة “ما تبقّی من ظلام” ینشد قائلاً:

«صباح كلّ یوم/ اعتادَ أن یزیحَ الثلجَ/ عن نافذة وحدته/ من علی الطابق العاشر/ یلقي نظرةً علی ما تبقّی من ظلام/ یقول لشوارع «ماسترخت»/ -صباحُ الخیر» (المصدر نفسه: 1/ 15).

الطوابق العشرة، والثلج في شارع ماسترخت هما الفضاء المكاني الذي عبّر عنه الشاعر، فالفرد العراقي في الغُربة یعیش بأزمة الهویة وخصوصاً بین جیل الشباب الذين أصبحوا ثنائي الثقافة؛ «أهمّ مشكلة تسببها هذه الظاهرة هو أن الجیل الشاب ثنائي الثقافة لایفهم ثقافته الوطنیة وهو غریب علیها ولایستطیع أن یستوعب جمیع مؤلفات الثقافة الأجنبیة. لهذا تبقی الهویة الوطنیة لهذا الجیل ظاهرة غامضة ومستعصیة» (أحمدیان، 2014م: 56). یحاول الربیعي أن یوظّف زمكنة خاصّة بالغُربة وفضاءات غیر التي تعوّد علیها أبناء العراق؛ ففي غُربة الربیعي یأتي الثلج علی القلوب المثلجة، والغُربة في الطوابق رغم ازدیاد النفرات ولكن لا یعرف أحدٌ صاحبه؛ ویأتي بأسماء المدن التي لم یسمع بها الفرد العراقي من قبل ویخلق فضاءات كوّنها بدوالٍ تختلف عمّا في بیئة الشاعر لكي یظهر للمتلقّي اغترابهم وآثاره وأجوائه. وحضوره في الغربة یجعل منه كائناً معتاداً علی حركة الزمن ببطءٍ ومن دون تأثیر؛ تلك الغُربة التي حلّت بأبناء العراق منذ عام 1991م. یری في الغُربة لا ضوء، ولا أنهار، ویحنّ إلی مجالس المقاهي في العراق حیث أصبح من المقهی إلی المنفی؛ في قصیدة “البیت الأخیر” یری الشاعر أنَّ أوطانه بلاد الشمس ولكنَّه ترك الوطن لأنَّه نُفِيَ منه وخرج مضطرّاً:

«لا ضوء/ لا أنهار/ باردٌ/ لونُ الرُّخام/ باردٌ جلد الظلام/ وارتجافة الأشجارِ/ في العراء/ فما الذي بطائر الكلام/ من بلادِ الشمسِ جاء/ بالمنفی/ من مقهی/ إلی منفی علی الرصیف/ كي یرمیه/ في منفاهُ؟» (المصدر نفسه:1/ 17 – 18).

من خلال هذا النصّ نعرف بأنّ الربیعي یعدّ المكان عنصراً مهمّاً ومن خلاله استطاع أن یصف الواقع وعلی الأدیب «أن یصنع المكان في عمله الإبداعي بصورةٍ تشحن الواقع شحنات مختلفة من المشاعر والأجواء النفسیّة.» (سیزا، 1984م: 84). وكان المكان الجوهر للعمل الفنّي عند الربیعي. وتكاثرت الأمكنة في شعر الربیعي منها الأمكنة الطبیعیّة، والعراقیّة، والعربیّة، والغربیّة، فماسترخت هو المكان الغربي والذي یری من خلاله لا ضوء في تلك البلاد ولا أنهار، والبرد القارس جعل كلّ شيء یرتجف. وفي قصیدة “الهجرة”  يری الشاعر كلّ شيء یرجع إلی بیته في يوم ما عدی الإنسان الذي اغترب عن وطنه فهو لا یرجع إلّا أن یكون میتاً وهذا هو القدر للفرد العراقي:

«الطیور تهاجر/ تعود/ تهاجر / تعود/ الریح تهاجر/ تعود/ تهاجر / تعود/ تهاجر/ الإنسان یهاجر/ یهاجر / یهاجر / یها….» (المصدر نفسه: 2/ 63).

فیری نفسه لا یستطیع الرجوع إلی بیته، ووطنه، وأرضه، ويشعر بحالة إحباط وضیاع، وهذا الأمر یجعل الشاعر حزیناً وبعیداً من الحیاة السعیدة لأنَّه یعیش حالة اغتراب. وتوظیف الألفاظ في هذا النصّ یرتبط بدالّین محوریّین: العودة والهجرة؛ لیجعل من هجرة الطیور: رجوع، ومن هجرة الإنسان لا عودة وضیاع. لقد تكاثرت النصوص الدالّة علی الاغتراب المكاني في دیوان الربیعي حیث تظهر مدی حنینه إلی وطنه ووحشته من الغربة. وفي المقبوس التالي يتناص مع قصيدة للمتنبي:

«لستِ الوطنَ/ بكلِّ نصالهِ/ القویّة/ النابتة/ في أجسادنا/ التي تكسّرت/ علی الأجساد/ لترمي سهام المتنبي قشراً/ لستِ أنا الذي أفلتَ/ من قبضة ِ المكان» (المصدر نفسه: 2/ 16-17).

یشبّه الربیعي نفسهُ بالمتنبّي الشاعر العراقي في العصر العباسي، والذي عاش منفیاً من بلدٍ إلی بلد؛ وقد هاجر المتنبّي إلی سوریا واستقر في بلاط سیف الدولة الحمداني ثمّ اتّجه نحو بلاط كافور الأخشیدي، ویشكو في أشعاره من الغربة وكثرة الترحال وغدر الناس والزمن والملوك وعدم وفائهم. فيتناص الربیعي مع بیتٍ من المتنبي في قصیدة الحُمّی. يقول في هذا البیت: «جرحت مجرحاً لم یبق فیه، مكان للسیوف ولا السهام» (منصور، لاتا : 186-187). فیتلبّس الربیعي بقناع المتنبّي ویری هذه الشخصیّة التأریخیّة قریبة إلی ذاته المُشرّدة فیتوحّد الربیعي مع المتنبّي ویتمحور القناع حول علاقة تلك الشخصیّة بالمكان، وكأنّ تشرّد أبناء العراق لیس بجدید.

الخاتمة

تناولنا من خلال هذا المقال أهمّ أنواع الاغتراب في شعر عبدالرزاق الربیعي؛ وحصّلنا علی نماذج من الاغتراب الاجتماعي، والإخواني، والسیاسي، والنفسي، والزماني، والمكاني، وآثارها السلبیة علی القومیة العراقیة وتقابل الأجیال في الغربة، حیث السبب یعود إلی عوامل عدیدة منها حكم الطغاة والجبابرة والإعدامات التي لم تعرف رأفة، ثم إهمال الشعب العراقي للقیم النبیلة في أوطانهم ونسیانهم أمجادهم القدیمة، وابتعاد الربیعي عن وطنه العراق وتشرّده منذ شبابه، والخیبة التي أصابته بفقدان أصدقاءه ووطنه جعل شعرهُ یلبسُ حُلّةَ الاغتراب.

وقد كانت مظاهر الاغتراب في شعر الربیعي هي الإحساس بالقلق وعدم الإرتیاح والشعور بالضیاع، والإحساس بالیأس وبعدم الفاعلیة والأهمیة، كذلك الإنسحاب والعزلة الإجتماعیة. وكان موتیف الاغتراب والألفاظ التي تنمّ عن الوحدة والاغتراب كثیرة. هذا وقد لجأ الربيعي للحنین إلی الطفولة خلال وصفه للأیام الخوالي، وعشرته مع الأهل والجیران، وسعی أن یستعطف أحاسیس القارئ من خلال حواره مع أبیه وأخیه اللذينِ فقدا الحیاة، ومع أشلاء شهداء الإنفجارات، وقد أبدع بهذا الوصف.

الشاعر عبدالرزاق الربيعي في الكثیرِ من شعره التجأ إلی الرمزیة واستدعاء الشخصیات التراثیة الدینیة والتأریخیة والتغنّي بأمجاد الماضي للوصولِ إلی أهدافه الثورویة ومقابلة الطغاة. وقد تعدّدت مظاهر الاغتراب في شعر الربیعي، فمنها الاغتراب الإجتماعي، والاغتراب الإخواني، والاغتراب النفسي، والاغتراب الزماني، والاغتراب المكاني؛ وكان للإغتراب النفسي الدور الأكبر في شعر الربیعي، فقد عانی من ضغوطات نفسیّة حادّة واستطاع كبتها. قام الربیعي بكبت عواطفه ولجوءه إلی الشعر الإخواني والحنین إلی الماضي لكي یستطیع أن یخفّف من آلامه النفسیّة.

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكریم
  2. ابن منظور، جمال الدین الأفریقي، لسان العرب، ج1، بیروت: دار صادر، 1998م.
  3. أبوعون، ناصر، عشبة جلجامش/ جمالیات الإیقاع في شعر عبدالرزاق الربیعي، الأردن: كنوز المعرفة، 2013م.
  4. احمدیان، حمید، مناهج النقد الأدبي العربي المعاصر (علمي-تطبیقي)، منشورات سمت، ومنشورات جامعة اصفهان، ط1، 2014م.
  5. اشكوري، عدنان، «ملامح الاغتراب في شعر أحمد الصافي»، مجلة اللغة العربیة وآدابها، السنة 10، العدد 4، صص 563- 533. 2015م.
  6. بدوي، محمد جاهین، العشق والإغتراب في شعر یحیی السماوي، ط1، دمشق: دار الینابیع، 2010م.
  7. بركات، عبدالرزاق، الاغتراب في الشعر التركي والعربي المعاصر، ط1، كویت: دار القلم، 2007م.
  8. بلاوي، رسول، ومرضیة آباد، وعباس طالب زاده شوشتری، وعباس عرب، «موتیف الاغتراب في شعر یحیی السماوي»، مجلة العلوم الإنسانیة الدولیة، العدد19،  2012م، صص 77-93.
  9. البوغبیش، صادق، ورسول بلاوي، دلالات اللغة البصریة في شعر عبدالرزاق الربیعي، مجلة الممارسات اللغویة، المجلد11، العدد1، مارس 2020م، صص166-193.
  10. جمشیدي، فاطمه، وصال میمندي، وفاطمة قادري، ورضا أفخمي عقدا، «ملامح الاغتراب في شعر علي فودة وردود فعله علیها»، إضاءات نقدیة (فصلیّة محكمة)، السنة 7، العدد 27، أیلول 2017م صص 71-98.
  11. حماد، حسن محمد حسن، الاغتراب عند اریك فروم، بیروت: المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر، 1995م.
  12. خلیفة، عبداللطیف محمد، دراسة في سیكولوجیة الاغتراب، القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر، 2003م.
  13. الربیعي، أحمد حاجم، الغربة والحنین في شعر الأندلسي، ط1، بیروت: الدار العربیة للموسوعات، 2013م.
  14. الربیعي، عبدالرزاق، الأعمال الشعریة الكاملة، (الجزء الأول والثاني)؛ بیروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 2019م.
  15. صلیبا، جمیل، المعجم الفلسفي، قم: منشورات دار القربی، ط1، ج1و2، 2006م.
  16. الطویل، توفیق وسعید زاید، المعجم الفلسفي، القاهرة: المطبعة الأمیریة، 1983.
  17. عبّاس، دانیال علي، الاغتراب النفسي، دمشق: منشورات جامعة دمشق، 2016م.
  18. عبدالحمید، شاكر، الغرابة؛ المفهوم وتجلیاته في الأدب، الكویت: عالم المعرفة، 2012م.
  19. عبدالوهاب، طارق محمد، سیكولوجیة المشاركة السیاسیة، دراسة في علم النفس السیاسي في البیئة العربیة، القاهرة: دار غریب، 2000م.
  20. فاضل، رشا، مزامیر السومري/ قراءات في المنجز الشعري والمسرحي للشاعر عبدالرزاق الربیعي، بابل: دارشمس، 2010م.
  21. فرهنگ نیا، أمیر، وكبری روشنفكر، وخلیل برویني، ظاهرة الاغتراب في شعر عز الدین المناصرة، مجلة اللغة العربیة وآدابها، السنة 11، العدد3، خریف1436هـ.
  22. قمی، علی بن ابراهیم، تفسیر قمی، قم: دار الكتاب، 1363هـ.ش، 1404ق.
  23. المرسومي، علی صلیبي، بلاغة القصیدة الحدیثة/ قراءات في شعریّة عبدالرزاق الربیعي، دمشق: دار الحوار، 2015م.
  24. مشقوق، هنیة، «تجلیات الحس الاغترابي في روایة بحر الصمت لیاسمینة صالح»، مجلة المخبر، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة، الجزائر، صص 475- 488، 2014م.
  25. مصطفی، عرفات كرم، ظاهرة الاغتراب الفكري، لاناشر، 2010.
  26. منصور، حسن عبدالرزاق، الشعر والعقل، فضاءات للنشر والتوزیع، لاتا.
  27. نعیسه، رغداء، «الاغتراب النفسي وعلاقته بالأمن النفسي»، مجلة جامعة دمشق، المجلّد 28، العدد3، صص 113- 158، 2012م.
  28. وطفة، علي، المظاهر الاغترابیة في الشخصیة العربیة، الكویت: عالم الفكر، 1998م،.
  29. یوسف، محمد، الاغتراب الإبداعي لدی الفئات الإكلینیكیة، القاهرة: دار غریب للطباعة والنشر، 2005م.

المواقع:

  1. الحلایقة، غادة، «مفهوم الاغتراب في الفلسفة»، موقع موضوع، 4سبتمبر 2014: https://mawdoo3.com
  2. الحیدري، إبراهیم، «مفهوم الاغتراب بین الفلسفة المعاصرة والفرویدیة الجدیدة»، موقع معابر، 3 آغسطس 2019:  http://www.maaber.org

Representations of Nostalgia in Abdul Razzaq Al-Rubaye’ Poetry

Abstract

Nostalgia is one of the most important issues via which one can explore and excavate affairs in a society, and expresses everything that the human soul has of grief and sorrow. In today’s Iraq, wars, economic sanctions, religious strife, and the sea that swept Iraq forced many of its people to leave their homeland and emigrate. This has caused a kind of fear of anonymity in the heart of an emigrated person. Abdul Razzaq Al-Rubaye, an 80’s poet, who finds Iraq embroiled in war and sanctions, talks about his exile, so that in his poetry, he gives a high status on this issue.

This descriptive-analytical study examines the representations of nostalgia in Al-Rubaye’ poetry and explores its related themes, such as social, psychological, fraternal, fraternal, temporal, and spatial nostalgia, and their negative effects. Al-Rubaye is a poet who saw the destruction of Iraqi civilization and felt its culture in danger. This caused that the representations of nostalgia appear in his life and poetry, and he had caught by nostalgia even before he fled his homeland. One of the most important achieved results is that the poet remembers his childhood nostalgia, describes his socializing with his family, neighbors and friends, and tries to show his nostalgia by talking to his father and brother, his death, and the martyrs.

Keywords: Iraqi contemporary poetry, alienation, nostalgia, homeland, Abdul Razzaq al-Rubaye.

[1] Alienation

[2] Sigmund Freud

[3] Georg Wilhelm Friedrich Hegel

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى