خلود.. رواية فيها رائحة القدس
جميل السلحوت | فلسطين
عن منشورات دار القدس للطباعة والنشر صدرت في الأيام الأخيرة من العام 2009 رواية(خلود)للكاتب المقدسي سمير الجندي، تقع الرواية التي يحمل غلافها لوحة للفنان المقدسي طالب الدويك،وتصميم ومونتاج الأستاذ شريف سمحان في 186 صفحة من الحجم الصغير.
سمير الجندي كاتب مقدسي مولود في حارة الشرف في القدس القديمة عام 1958 وسبق أن صدرت له مجموعة قصصية(الطوفان) عام 2006 و(نبضات) مجموعة نصوص أدبية عام 2007.
ورواية (خلود)هي باكورة انتاجه الروائي وهي خليط من الرواية والحكاية، والمذكرات الشخصية، والتأريخ لمرحلة معاشة، اختلط فيها الواقع بالخيال، ومن يعرف الكاتب عن قرب، فإنه لا يحتاج الى كثير من الذكاء، حتى يتيقن من أن الكاتب قد روى لنا جزءاً من حياته الشخصية،ومعروف منذ القدم أن أيّ كاتب يستوحي شيئاً من سيرته وتجربته في كتاباته، إلا أن سمير الجندي في هذه الرواية قد سخّر كثيراً من سيرته الذاتية في نسج خيوط عمله هذا.
كما أن ولادته وحياته في القدس القديمة، قد جعلت منه شاهداً على وقوع هذه المدينة تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 العدوانية.(كان بيتنا في حوش الشاي في حارة الشرف) ص17 .. (كنا داخل الملجأ النتن الذي تفوح منه رائحة كريهة تقتل كل مشاعر الأمان والجمال والحياة … فإذا صوت يعلو منادياً عبر مكبرات الصوت:على جميع الرجال والشباب الخروج من المنازل والتجمع في الساحة فوراً)ص16(وقف الجندي الذي يحمل بيده مكبر الصوت وقال:نحن جيش الدفاع الاسرائيلي نحذركم .. نأمركم بترك منازلكم خلال ساعات والا سوف نهدمها على رؤوس من فيها) ص17.
ومعروف أن المحتلين هدموا حارتي الشرف والمغاربة وحيّ النمامرة، المحاذية لحائط البراق-الحائط الغربي للمسجد الأقصى قبل أن يخمد هدير مدافع وأزيز رصاص تلك الحرب، وشردوا مواطنيها،وبنوا حيّاً استيطانياً يهودياً مكانها. ومع أن أهالي الحارة غادروها تحت تهديد السلاح، وانتقلوا الى أماكن أخرى في المدينة أو خارج أسوارها، وحتى منهم من نزح الى الأردن إلا أن والدة الراوي–حكيم–
وبالتأكيد هو المؤلف نفسه، لم تستجب لارادة زوجها في النزوح الى عمان(قالت له: لن نترك هذه المدينة أنا وأبنائي، هنا ولدنا وهنا نموت.)ص12 فهل هذا هو قدر الفلسطينيين أن تتكرر المأساة مع كل جيل جديد؟ فقد جاء على لسان الوالدة:(هاي هي قصتنا تتكرر يا بني، أخذت تعيد شريط ذكرياتها، رجعت الى طفولتها عندما تركت بيتها مع من بقي على قيد الحياة من أبناء أسرتها في قرية زكريا، وبعد أن جاءهم خبر استشهاد والدها في معركة سكة الحديد في يافا عام 1939 على يد الانجليزي المحتل).
ويخرج مواطنو حارة الشرف من بيوتهم الى سوق العطارين .. فخان الزيت .. فعقبة المفتي. وقد جاء في الرواية وصف لبعض أبواب القدس، وبعض أحواشها، وأسواقها، لكن الراوي ما لبث أن ابتعد ليعود الى حياته الشخصية، وكيف انقطع عن الدراسة عاماً اشتغل فيه بائع(علكة) ليحصل على ما يسد رمق العيش، وليعود الى المدرسة ثانية، مواصلا عمله،(تعودت على توزيع وقتي بين العمل والدراسة، أصبحت لا أستطيع الاستغناء عن أحدهما بالآخر،برمجت حياتي على هذا المنوال، كنت تاجراً،ودليلاً سياحياً، ونادلاً في فندق.) وينهي مرحلة الدراسة الثانوية، ويلتحق بالجامعة الأردنية في عمان، ويعمل أيضاً نادلاً في فندق، ويتعرف هناك على خلود، التي قضى معها ليلة حمراء في الفندق الذي يعمل فيه، ولينقطع عنها بعد أن فصله صاحب العمل في اليوم التالي.
ويعود الى القدس بعد انهاء المرحلة الجامعية الأولى، ويسجن لمدة عام، ويتزوج من ابنة عمته، ويعمل مدرساً، وتأتي الرواية على جنازة الزعيم جمال عبد الناصر الرمزية التي جابت القدس، كما يمر على قراءات الراوي لأبيه الكفيف وعلى رحلته الى تايلند.
غير أن الذي استحوذ على الجزء الأكبر من الرواية هو علاقة الراوي(حكيم) بحبيبته(خلود)، فبعد أن التقاها تلك الليلة في فندق الوردة الحمراء في عمان، انقطعت أخبارها عنه لمدة خمسة عشر عاماً، الى أن التقاها ثانية وبالصدفة في القدس، وكلاهما كان قد تزوج وأنجب، غير أن خلود لم تكن موفقه في زواجها،فيجري اتفاق بينها وبين حكيم على أن تنفصل عن زوجها كي يتزوجها، وانفصلت عن زوجها لكنه لم يتزوجها، وبقيت رافضة وساطات وضغوطات أخيها المغترب في أمريكا للعودة الى طليقها.
كما يتطرق الى مرض ابن خاله الذي هو من جيله بورم في الدماغ، وكيف ساعده للتخلص من هذا المرض بعملية جراحية في مستشفى هداسا الاسرائيلي.
وفي كل المراحل فإن هموم القدس رافقت الراوي يقول:(هم يغيرون أسماء الشوارع، صار الواد(حاجاي) والمصرارة( نفئيم)والشيخ جراح(هار هاتسوفيم) وحارة الشرف(حارة اليهود)والقدس وكل القدس صار اسمها(أورشليم)ص187. ومع ذلك فانه يؤمن بحتمية النصر(نحن وهذا التراب امتزجنا امتزاجاً عضوياً وهو موجود اذا أنا الانسان موجود،وهو مسلوب اذا أنا الانسان مسلوب الارادة والمكان) ص 187.
وختاماً فإننا نشتم في هذه الرواية رائحة القدس، هذه المدينة التي تستحق آلاف الروايات، فكل حجر وكل بناء وكل زقاق، وكل سوق يحمل يحمل في طياته روايات لم تكتب بعد.