أحاديث الفيبروميالجيا المنسية

د. أيمن يوسف- مصر

أخصائي الأمراض العصبية والصحة النفسية والتأهيل وأخصائي تمراض الفيبروميالجيا وال “إم إي”

مع مايو من كل عام شهر التوعية بمتلازمة الفيبروميالجيا، وتحديدا في الثاني عشر من مايو اليوم العالمي للفيبروميالجيا ومشتقاتها؛ تثار شجون ملايين المرضى على مستوى العالم وتثار آمال اكبر للتوعية والتبصير بأشد متلازمات الجهاز العصبي المركزي لدى البالغين إيلاما واشدها غموضا واكثرها تاثيرا على كافة مناحي حياة المريض الجسدية والاجتماعية والنفسية، كما تثار لدى الباحثين والعلماء والمتخصصين الاسئلة الاصعب حول هذا اللغز ومفاتيح الاجابة عنه، ولعل ابسط تلك الاسئلة هو: لماذا الفيبروميالجيا؟
تتنوع اجابات اي اصابة على مستوى العالم ما بين اسباب بيولوجية او مناعية او بيئية او هرمونية او عدوى مقيمة او سابقة او حوادث واصابات، إلا ان العنصر الجيني هو الجامع لكل ما سبق وهو المحدد والمعيار الذي يسمح بحدوث المرض او لا يسمح به طبقا للسلوك الجيني اوالسلوك ما فوق الجيني الذي يعد شريطا موازيا للشريط الجيني الموروث، وبسلوك الجينات تتحدد ماهية الاصابة وشدتها وتتحدد فرص حدوثها او تجاوزها او مقاومتها او الشفاء منها، وذلك وفق نظام دقيق وبرمجة زمنية يتدخل فيها عنصر الوقت والمرحلة العمرية والبيئة مجتمعين، وبالنظر الى الفيبروميالجيا تأخذ جينات دورة الميثيل الدور الاساسي في توجيه سلوك الجهاز العصبي المركزي موضع الاصابة في الفيبروميالجيا وان ظهرت الاعراض وتعدت الى العضلات والاربطة والمفاصل والقلب والجهاز الدوري والهضمي والحسي وما الى اخر الاعراض ومواطن المعاناة. تنقسم دورة الميثيل ومن خلال ثلاثون جينا الى اربعة دورات فرعية هم المثيونين والارجنين والفوليك والبيوبترين، تتشابك الاربع دورات معا من خلال مخرجاتهم وتتكون سلاسل بروتينات وانزيمات واحماض دهنية ومضادات اكسدة كلها تعمل على تروية الجهاز العصبي ومده باللازم لتنظيم اشاراته ووظائفه، وتتحكم في قدرته على ادارة الشعور بالالم وقدرته على ادارة دورة النوم واليقظة وادارة القدرات الذهنية وتوظيفها ومعالجة المعلومات الحسية الواردة من ضوء وصوت وروائح وتنظيم الشعور بدرجة الحرارة ونقل كافة الاشارة الواردة من الجهاز العصبي المركزي الى الاجهزة الحيوية والجهاز الحركي عبر الاعصاب الطرفية، وما يحدث انه نتيجة لاوامر جينية مغلوطة في بناء البروتينات اللازمة او ازالة الضار منها على المستوى الخلوي او اوامر مغلوطه في وقف عمل انزيم او زيادة نشاطه او اوامر مغلوطه في عمل ميتوكوندريا الخلايا او اوامر بطيئة ومتاخرة في تشابك الاربع دورات رئيسة المحركة لدورة الميثيل وتفاعل مخرجاتها، ما يشكل نضوب لبعض العناصر البنائية داخل الجهاز العصبي المركزي او استقرار للضار من بقايا التمثيل الغذائي لها، بالاضافة الى ضعف ووهن في قدرات الجهاز العصبي المركزي الذي نراه في صورة اعراض حادة ومتنوعة في كافة مناطق واجهزة الجسم، ونراه في صورة آلام عصبية وتيبسات عضلية واعراض باركونسونيه وصعوبات في التنفس والهضم والبلع والحركه والتركيز والحضور الذهني واليقظة والنوم والبصر والتحسس وفي بعض الاعراض النفسية.
تثير العديد من العوامل مسببات مباشرة في كسر هذا الميكانيزم الدقيق ومخرجاته ودوراته التي تحدث مليارات المرات في اقل من جزء في الثانية داخل الخلية، وان تعددت تلك المثيرات من اسباب نفسية او عضوية او جينية او بيئية او ما بعد عدوى؛ يظل هذا الميكانيزم هو المتضرر وهو المسئول عن حدوث الاصابه ومسئول عن شدتها وعن اساليب ومسارات علاجها، وتبقى احاديث الفيبروميالجيا المنسية ايضا حتى الان فوق كل ما سبق انه كيف لهذا المريض ان يقف وحيدا أمام تلك العواصف؟ وكيف لمخيلة المحيطين ولكثير من المتخصصين ان تظل عمياء حتى الان عن ما خلف الاعراض وما خلف مسبباتها وتاثيراتها الواسعة؟ وكيف انه “وفي احسن الاحوال” يتم ادراج الفيبروميالجيا والنظر اليها على انها مجرد ألم عضلي ليفي، ان الفيبروميالجيا متلازمة معقدة وممتدة على مستوى الجسد كله، متلازمة لها تاثيراتها العميقة والمعيقة للجهاز الحركي والذهني والحسي، ولا بد من النظر اليها والتعامل معها بقدر يماثل حجمها وتأثيراتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى