الأخلاق المذمومة

محمد أسامة | أمريكا الشمالية

 إنَّ الإنسان دومًا كثيرًا ما يجتمع فيه الخير والشر، والحسن والقبيح، والجميل والرَّديء، والحق والباطل، فيجمع بين الصفات الممدوحة والمذمومة، ويخلط بين الفضيلة والرذيلة، ويحار كثيرًا بين الخطأ والصواب، ويتأرجح بين الاستقامة والاعوجاج، وخيرُ الناس من استطاع بفضائله أن يسترَ عيوبه، وبحسناته أن يغفرَ ذنوبه، وإن أخطأ أحيانًا فإنَّه لا يُديم على ذنب، وإن أساء فلا يُصِرُّ على إثم، ثم يُتبعُ السَّيِّئةَ بالحسنة، ويستغفر ويُديم على التوبة.

وحولنا كثير من الأخلاق المذمومة، والعادات السيئة، التي تضر بالإنسان، وتتنافى مع مكارم الأخلاق، وهي صفات تُنقِص صاحبها وتقلِّلُ من قدره، وتُوهنه وتُضعف منزلته، وقد حذَّر رسول الله ﷺ منها، ونهانا عنها، وأمرنا ألَّا نُديم عليها، ومن تلك الأخلاق المذمومة التي حذَّر منها رسولُ الله ﷺ  كان الغضب.

 فالغضب نارٌ تأكل صاحبها، وتُحرق من وقع بنارها، فهي تَصْرِفُ عن الرشد، وتعمي البَصر، وتجعل صاحبها كالكرةِ في يد الشيطان يحرِّكها كيف يشاء، ويقذف بها أين يريد، لذا كان المؤمن القوي من كتم غيظه، ولم ينسقْ خلف غضبِه، فحفظ قوله، وصان عن الخطأ نفسَه، فكانت شِدَّته ليست في الصُّرعة، إنما في امتلاك نفسه عند الغضب، وكبح جماحها عند الخطأ.

 فلطالما كان الغضب جمرةً من النَّار تودي بصاحبها إلى الجحيم، وتقذف به في مرتعٍ وخيم، وتُصيب صاحبها بضررٍ عظيم، فيتلفَّظ بما يُغضب ربَّه، ويرتكب ما يُؤذي قلبه، وربَّما اجترأ على فعل الفُحْشِ، وارتكابِ الرذيلة واجترامِ القذف، وكلِّ ما يعبر عن الخطيئة وسوءِ الخلق، وربَّما دفع الإنسانَ غضبُه إلى فعل مُنكرٍ لا يُغتفر، وارتكاب إثم لا ينجلي، فيتهوَّر ثم يندمُ حيث لا ينفع الندم، ويعظم حينها الوجع والألم.

 وإذا لم يُكبحْ جماحُ الغضب فتُطفأ جمرتُه، وتَهدأ ثورته، فإنَّه حتمًا سيحمِلُ الإنسان على الكبر والسَّفه، والحقد والعته، ويذهبُ به إلى العدوان والظلم، ويعلِّمه الشَّقاء والضيم، فيذهَبَ حِلمُه، ويضيعَ رشدُه، ويَضلَّ عقلُه، ويغلب عليه انفعالُه، لذا كان على الإنسان التحكُّمُ في نفسه وقت غضبه، حتى لا يَفسدَ ما عَرف الناس من خلقه، فطوبى لمن تخلَّص من غضبه، فسارع إلى الإستعاذة من الشيطان، واللجوء إلى سعة الرَّحمن، وخير ما يُطفأ به نار الغضب أن يتوضَّأ الإنسان، وإنَّما خُلِق الشَّيطان من النَّار، وكان الغضب كذلك من نار، ولا تُطفأُ النار ويَهدأُ لهيبُها إلا بالماء.

 وكانت النَّميمة كذلك من الصِّفات التي انتشر لهيبها، واشتدَّت وطأتها، فكان نقلُ الكلام بين الناس إشعالًا لفتنةٍ هي أشدُّ من القتل، وساء فيها الفِعْلُ والقولُ، فإنَّه لا يدخلُ الجنَّة نمَّام، ولا يقربها من أصرَّ على ذلك الزُّور والبهتان، وسار بين الناس بالقالة والوقيعة، وتملَّكت نفسه تلك الصفة الوضيعة، ففي النميمة فراقٌ بين الأحبَّة، ونزاعٌ بين الأُخوة، وهي فعلٌ يُذهبُ المروءة، ويَنسِفُ المحبَّة.

 وكان الحسد كذلك نارًا تأكل أصحابها، وتبثُّ الكراهية بين أهلها، فإنَّما حدثت أوَّلُ جريمةٍ على الأرض بسبب الحسد، ولطالما كان الحسدُ يأكل الحنسات كما تأكلُ النَّارُ الحَطَب، وإنَّ هذا لا يُدفع إلا بالرَّضى بقضاء الله وقدره، وقبولِ الإنسان بما قسم الله من حظه، وعدمِ إمعانِ النَّظرِ في نعمة غيره.

 والغشُّ أيضًا من الصفات التي حُرِّم على صاحبها الجنة، ومُنع في يوم القيامة من الرحمة، وهي تصيب صاحبها باعتلالٍ في الضميرـ وتقهقرٍ في الإيمان، وتعمل على بثِّ العداوة بين الأصحاب، وهي تعرِّض صاحبها للطرد من مصافِ المؤمنين، ولأشدِّ أنواع العقاب يوم يقومُ النَّاسُ لرب العالمين.

 

 ولا أضرَّ كذلك على الإنسان من الكِبْرِ، فهو مجلبةٌ للوهن والبغضاء، والعداوة والشحناء، وهي تُعمي صاحبها عن اتباع الحق، والإقرار بما فيه الصَّواب والصدق، وما طُرِدَ إبلبس لعنه الله من الجنَّة إلا من الكِبر والحسد، ومن ابتُلِيَ بالكبر أعرضَ عن الحق، وجحد الفضل، واتَّبع الباطل، وهو إثمٌ لا يزول إلا بالتواضعِ وبذلِ الخير، ولا يدخل الجنَّة من كان فيه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبر.

 ومن الصفات المذمومة التي حذَّرنا رسول الله ﷺ السخريةُ الاستهزاء، والغلوُّ في الدين، والكذبُ والغيبةُ، وشهادةُ الزُّورِ، والاستعلاءُ والغرورُ، وانتهاكُ الحُرمات، وعدمُ الرِّضى، وكذلك السَّبعُ الموبقات وهي الشركُ بالله والسحر وقتلُ النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يوم الزَّحف، وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات.

 لذا كان على المؤمن أن يدع تلك الصفات، ويتجنَّب ما استطاع آثار تلك الموبقات، حتَّى لا يقع في مصيدة الشيطان، فيجلب على نفسه تلك الشرور والأحزان، ومن وجد في نفسه شيئًا من تلك الصفات البغيضة، وبعض هذه الأمور الذميمة، فعليه أن يُتبعها بما يسعه من أخلاقٍ حميدة، ثم يسارع إلى التوبة، ويلجأ إلى الاستغفار، ويكثر من فعل الخير حتى تُمحى ذنوبه، وتتبدَّد سيئاته، فبذلَ المعروف، وحدَّث بالصدق، ومرَّن نفسه على البِرِّ، وأكثرَ من الدُّعاء والصَّدقة، وصدق الله في عبادته، فأكثر من صلاته وصيامه، وزكاته وصدقاته، وطهَّر نفسه من النفاق، وكان في قلبه بعضٌ من الإيمان، وميلٌ إلى الإحسان، وحياءٌ من الرحمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى