الكاتب: نيكول إل. أوركوهارت
ترجمة: نجوى فوزي السودة
تعتبر فرجينيا وولف واحدة من أعظم كاتبات الحداثةفي الأدب القصصي الحديث.لقد أثرت تجربتها واتجهاهها في الكتابة وتيار اللاوعي لديها العديد من الكتاب الذين حذوا حذوها. إلا أن طريقة لها خصوصيتها الشيقة ولم يثار لها الإهتمام في عملها “لحظات وجود.”
في بداية الأمر قالت عن لحظات وجود في مقال لها بأنها” صورة من الماضي،”ذكريات من ماضيها من بداية حياتها. بدأت فرجيينيا بذكرى من أولى ذكرياتها : ليلة من ليل الحضانة في سانت إيفيس. تتذكر فرجينيا جيدا كيف أن الفاقدين للبصر يرتجفون من الرياح ،والضوء المنبعث عبر النافذة وصوت البحر. لقد كان لديها شعورا بأنها ترقد على مكعب عنب وترى الدنيا عبر فيلم يعرض صورا في شفافية بلون باهت وشفاف”(65).هذه الذكرى لا تكاد تفارقها أبدا لأنها حينما تسترجع تلك المشاعر تصير ذات حقيقة أكثر بالنسبة لها عن لحظتها الحاضرة.
دعتها هذا اللحظة لأن تتساءل في دهشة لماذا تكون بعض اللحظات في حياتنا أكثر قوة وتعيش في ذاكرتنا أكثر من غيرها –حتى وإن كانت هذه اللحظات نفسها غير ذات قيمة – حيث نستطيع أن نسترجعها في حين أحداث أخرى في حياتنا نتناساها سريعا .تستخلص فرجينيا أن هناك نوعان من الخبرات وهي :لحظات وجود ولحظات غيرها ليست في وجودنا .
لم تحدد وولف أبدا ماتعنيه بـ”لحظات وجود.”وبدلا من ذلك أعطت أمثلة لتلك اللحظات وقارنتها بلحظات ما أطلقت عليه “غير وجود “وصفت وولف يومها السابق بـ: وفوق معدل الوجود .كان يوما جميلا؛إستمتعت فيه بكتابة هذه الصفحات الأولى …سرت فوق جبال ميسري وعلى طول الطريق للنهر؛وباستثناء أن المد كان جارفا ،وأن الريف الذي ألحظه عن كثب شديد كان دائما يتلون بألوان وظلال كانت تروق لي دوما –كانت أشجار الصفصاف ،لا تغيب عن ذاكرتي، كل شئ بريشه الأخضر الرقيق والبنفسجي في تناقض مع اللون الأزرق .قرأت أيضا تشوسر وأنا مستمتعة ؛وبدأت كتابا…ذلك الكتاب أثار إهتمامي.(70)
لقد مرت فرجينيا بكل تجربة من تلك التجارب وعاشت فيها بحدة ووعي.إلا أن فرجينيا تواصل قولها بأن تلك اللحظات كانت مغروسة فيها في العديد من أبلغ لحظات اللاوجود على سبيل المثال ،لا تتذكر نقاشها مع زوجها حول الشاي.]
تبدو لحظات اللا وجود وكأنها لحظات لايدركها الفرد حتى وإن مارسها .ترى فرجينيا أن الناس يؤدون مهمات روتينية مثل المشي والتسوق دون التفكير فيها .هذا الجزء من الحياة لايعيشه الفرد بعقله الباطن ،”بل على العكس يغرس فيه كما لو كان “نوع من القطن ليس له وصف “(70).
ليس من طبيعة الأحداث أن تفصل بين لحظات وجودية ولحظات غير وجودية ليس من الطبيعي أن يكون حدثا بعينه أكثر رتابة أو يتخطى ليكون غير عادي عن غيره من الأحداث على العكس،فإن حدة الشعور ،وما يدور بالعقل الباطن من يخوض التجربة،تجعله يفصل ما بين اللحظتين .إن لحظة السير في الريف وحقول القطن الخام من ورائك من الجد اليسيرأن تكون لحظة عابرة من السهل عدم تداعيها ،لكنها بالنسبة إلى وولف تجربة عالقة بذاكرتها بشدة. I
تؤكد وولف أن تلك اللحظات الوجودية ،هذه اللحظات التي تشع من إدراكها،تكشف نمطا يتوارى هنالك يوميا خلف حقول القطن الخام، وأننا ،”أقصد كل الكائنات البشرية ترتبط بها؛لأن العالم بأجمعه عمل فني ؛وأننا كبشر جزء من أجزاء هذا العمل الفني .”إلا أنه لا يهم أن يكون الفنان متميزا في هذا العمل .على العكس من ذلك كما تقول فرجيينيا إنه عمل فني لكل الناس”نحن كلماته؛وموسيقاه ؛ونحن العمل ذاته “(72).
من أجل ذلك وكما ترى وولف أن لحظة الوجود هي تلك اللحظة التي يكون فيها فيها الفرد في كامل وعيه ،هي لحظة لا يدرك فيها نفسه فقط ولكنه يخطف بنظره ومضة تربطه بصورة أرحب تتوارى خلف سطح مُعتم من الحياة اليومية.على العكس من ذلك لحظات لاوجودية ،هي تلك اللحظات التي يعيشها الفرد ويسير معها دون أن يدرك ،ويقوم بأدائها بنجاح كما لو كان نائما ،إن اللحظات الوجودية هي لحظات تفتح الأبواب للحقيقة الخفية .
يمكننا أن نجد لحظات الوجود في أدب فرجيينيا القصصي .سوف أقوم في هذا البحث بإعطاء أمثلة من رواياتها السيدة دالووي ،وإلى المنارة.تتميز هذه اللحظات في الغالب بأنها لحظات ذات حدة وجمالا أخاذ.على النقيض من ذلك جويس،فإن تلك اللحظات لا تؤدي بشخصياتها إلى تجليات مصيرية .على العكس فإن تلك الشخصيات تقدم لحظات مفعمة بالطاقة والإدراك بحيث تتيح للشخصية التي تخوض تلك التجارب بأن ترى الحياة برمتها ووضوح أكثر،وإن كانت فقط مقتضبة .كما أن بعض الشخصيات تحاول أن تشارك بالرؤى التي يرون وميضها ،مما يجعل من العمل الأدبي مفعم بالحياة وبلا غموض للآخرين .
إن السيدة دالا ويتقدم شخصيتين من أكثر الشخصيات في كل أدب فيرجيينيا القصصي تلقيا للحظات الوجودية :هاتان الشخصيتان هما كلاريسا دالاوي وسبتيموس وارن سميث .إن كلاريسا تمارس لحظات وجوها في وقت يظهر لها في وسط هذه الممارسة أشياء لاقيمة، مما يدل على أنه ليس الحدث ،لكنها بوعيها تُدرك أن تلك اللحظة يخرج منها لحظة وجود بغض النظر تجاربها الأخرى .على سبيل المثال ،بينما كلاريسا دالاوي ترقُب عربات التاكسي تمر بالشوارع تجد فيهم شيئا يأخذ لُبها .”تميط اللثام عن أفكارها وترى أن “ما أحبته هي تلك العربات التي هنا، وأنها أحبت تلك اللحظة،التي أمامها ،وتلك السيدة البدينة التي بالعربة.هل يهم أن يكون حتمي عليها أن تتوقف عن ذلك تماما..أم أنه لم يعد شيئا يدعو للأسى أن كانت تحيا بطريقة حال الشوارع في لندن، وعند المنحدر وتداعيات الأشياء هنا،وهناك.”.
(9) من خلال هذه التداعيات طوال اليوم كانت كلاريسا تحيا وتعي ما بين ثناياها بكل تفاصيلهاوتربط بينها وبين الجو الذي يُحيط بها.
عند المساء تتوجه كلريسا نحو محل الآنسة بيم بائعة الزهور .تفتح عيناها ،وفي جملة ملحوظة أخذت تفكر : كم كانت الزهور وهي تتراص في أحواض الأغصان مثل ملاءة مزركشة وناصعة البياض جاءت توا من المغسلة؛وتتبختر زهور القرنفل في لونها الأحمر الغامق الأنيق،وتتبعثر البازلاء الحلوة في أوعيتها، بلونها القرمزي المُخضب،في بياض ناصع وباهت.. كما لو كان أمسية غدت فيه الفتيات بعباءتهن من الموسلين يقطفن البازلاء الحلوة والزهور بعد نهار بديع من الصيف.بسمائه الزرقاء الداكنة ،ونبات العايق ،والقرنفل ،وزهور الزنبق بعد أن إنتهى موسمها ؛تلك هي اللحظة بين السادسة والسابعة حينما يلوح على كل زهرة ،وعلى القرنفل، وعلى زهور السوسن، والليلاك المُتوهجة بألوانها؛ الأبيض، والبنفسجي والأحمر ، والبرتقالي الغامق ؛يلوح على كل منها أنها تحترق، في رقة، وصفاء في أحواضها الرطبة …..(13)
تلكم الطبيعة التي تلهث،من هذا الطابور تدلل على حدة الشعور لدى كلاريسا .لم تكن الصور متراصة في مُخيلتها بدقة ،لكنها كانت تتدفق بلا إنقطاع صورة تلو الأخرى .ولأن لحظات الوجود هي لحظات بديهية ،فإنها في الغالب لا تتُتيح الفرصة للشخصية أن يكون لها رد فعل أو أن يُحدِد لها معنى . لقد خاض سيبتيموس وارن سميث نفس التجربة بحدة رؤى لحظاتها . ينتابه تلك المشاعر وهو جالس على مقعد في متنزه متطلعا إلى الأشجار: تضع ريزيا يدها بوزنها الضخم على ركبته لذا مال بجسده لأسفل ،مبهوتا، أو أن حالة الهياج التي إنتابت أشجار الدردار جعلته كاد يجن جنونه وهي تعلو وتهبط ،تلو وتهبط فتتأجج أوراقها ويتخافت لونها ويغلظ من اللون الأزرق إلى اللون الأخضرفي هوة،كأنها شعر على رؤوس الخيل ، أو ريش على رؤوس سيدات المجتمع ،يعلون ويهبطن في خيلاء شديد وأناقة شديدة .
أدرك وهو جالس على المقعد،أن هناك ترابطا بينه وبين الطبيعة:كل منهم يومئ بإشارة ؛فالأوراق ماتزال حية ؛والأشجار ماتزال حية.كما أن الأوراق ترتبط بملايين الألياف من جسده ،هنالك عند ذلك المقعد ،يهزها الرياح لأعلى ولأسفل، وحينما تمدد فرع من الفروع ،عبّرَهوكذلك عن ذاته. لم يخلو المشهد من العصافير لتي كانت تُرفرف بأجنحتها ،وتطير عاليا ،وتهبط كنافورات متعرجة… في الحقيقة كان يعاني من إرتجاج في الدماغ ،إلا أن حالة الخرف التي كان يعاني منها لم تمنعه أن يخوض لحظات يستمتع فيها بروعة البيئة المحيطة.
بالفعل صوَرهم منفتحين أكثر على حقائق طبيعة العالم الذين يعيشون فيه ،العالم الذي أخفق كثيرون في يرونه .وكان هذا الوعي ليس في ظاهره جنونا أو إضطرابا إذا ما قورن بحالة الهيام لدى كلاريسا بالعالم الميتافزيقي حولها (“المرأة البدينة في العربة الأجرة “).. حينما علمت كلاريسا بوفاة سيبتيموس ،إستطاعت بخيالها أن ترى بوضوح ودقة دون أن يخبرها أحد كيف إنتحروكيف ربطت ذلك على نطاق واسع .إستوعبت كلاريسا لحظة ،في لحظة عناق ،ما معنى آخر فعل قام به سيبتيموس :”إن الموت كان بالنسبة له تحديا … إن الموت كان محاولة للتواصل ؛إن الناس الذين يشعرون بأنهم وصلوا إلى لحظة المستحيل ،لحظة ينتابهم فيها فزع داخلي ،و تراوغهم ؛وتتلاشى نشوتهم ،ويشعرون بالوحدة .فإن الموت يحيط بهم من كل حدب وجانب ،”(184)
إلا أن اليوم الذي كانت تُرَكز عليه كلاريسا هو يوم حفلتها القادمة .إن الحفل وسيلة لها لكي تكشف عن الشكل الذي تتألق فيه للحظة .إن الحفل بالنسبة لها إثارة مثل أي شئ آخر :” إنتابها إحساس إذا كان في الإمكان الجمع بينهم ؛ولذا فعلتها .وكان هذا بمثابة عرض ؛للجمع ،للإثارة ؛لكن لمن ؟”(122)حينما كان حفلا موفقا والتقى الناس ،صار عالمها عالما من الفن .
في الفنار، كانت السيدة رامسي في كثير من النواحي تشبه كلاريسا دالواي ،وكانت أيضا لحظات وجود لها .تماما مثل كلاريسا حاولت أن تخلق شكلا من القطن الخام مرئيا للآخرين .وفي الوقت الذي كانت فيه كلاريسا بحفلتها ،كانت السيدة رامسي في عشائها .وعندما أوشك العشاء على الإنتهاء وكانت على رأس المأدبة ،أخذت تفكر : كل شئ يبدو ممكنا .كل شئ يبدو على ما يرام .إنني الآن والآن فقط ( جال بخاطرها ،إلا أن هذا لا يمكن أن يستمر ،فاصلة نفسها عن اللحظة أثناء ماكانوا يتحدثون عن الأحذية ذات الرقبة )وصلت الآن إلى بر آمن؛أخذت تُحلق كما لو كانت صقراعالقا ؛مثل علم يُرفرف في حالة من السرور لا يعكرصفوه أي شئ ويغمر كل كيانه في عذوبة، وبدون أي صخب، وهيبة، فعلا في الجو ….كدخان يتصاعد في طبقات الجو العليا ،متشبثا بهم في حذر .ما من شئ يمكن أن يُقال ؛لا شئ يمكن أن نقوم به .هنالك كل شئ حولهم …كانت تفكر في مثل تلك اللحظة ،أخذت تفكر في الشئ الذي جعل ذلك يُطاق .(104-105)
كانت على دراية بأن هذا الربط قد حدث وأدركت مدى التضاد بين كل من الهروب والتحمل .. إلا أن هذه اللحظة تختلف كثيرا في إيقاعها عن تلك اللحظات في حياة كلاريسا دالاوي .إن السيدة رامسي ،شخصية في الغالب تتقوقع على نفسها في “بؤرة من الظلام ،”لتفصلها عن اللحظة التي على وشك أن تبتدأ من جديد .على العكس من كلاريسا،فإنها غالبا ما تظهر عاجزة عن خوض تجربة خالية مما يعكرها .على العكس من ذلك فإن تجاربها في الغالب تتسم بانعكاساتها .. لكنها تستطيع أن تمتثل للتجربة تماما ،حينئذ تُدرك أن الكلام لاجدوى منه.
في الوقت الذي تحاول فيه كلا من كلاريساوالسيدة رامسي أن تخلقا نمطا مرئيا للآخرين في لحظة من لحظات وجودهما ،إلا أن ليلي بريسكو ،تحاول أن تمسك بتلابيب هذه اللحظات كأنها عمل فني تجريدي تقوم برسمه.ترقب ليلي السيدة رامسي وهي تجلس مع إبنها،جيمس ،وتستولي على اللحظة،وهذه الرؤى ،وتترجمها لوحة تقوم برسمها :تتلألأ فيها زهرة الجاكمانا بلونها القرمزي ؛والحائط يتجلى بلونه الأبيض ،من اللحظة التي كانت تراهم فيها على هذا النحو، مطابقين لذوق العصر ،إلا أنه ومنذ أن زار السيد بونسفورت المكان ،وهي ترى كل شئ باهتا، أنيقا،ونصف شفاف .ومن تحت اللون يوجد الشكل .تستطيع أن تراه كله بوضوح شديد ،حينما تنظر إليها …(19)
إلا أن ما تُصارع من أجله هو أت تُحول ما تراه وتنقله على لوحتها من الكانفاس .تشعر بأنه يجب عليها أن تُجابه هذه الغرائب المهولة قائلة،”لكن هذا ما أراه ؛هذا ما أراه ،”(19).ما تُصارع من أجله هو أن تتمسك باللحظة بهذه الطريقة ليس جد يسير .سوف يستغرق منها عشر سنوات إلى أن ترى هذه الرؤى قد عبرت عنها بلوحة معبرة تعبيرا حقيقيا .
في رواية فرجينيا الأخيرة،بين المشاهد ،تخوض لوسي سويزن لحظة وجودية في نهاية الرواية .In Woolf’s بعد أن يقوم شقيقها صوت المنطق ، بتوبيخها ،تأخذ في مراقبة السمكة في بركة السوسن: حينها كان شئ ما يتحرك في الماء؛الذيل المروحي الذي يروق لها .تسير خلفها سمكة ذهبية تُلقي نظرة على سمكة الشبوط العملاقة بلونها الفضي ،الذي ما يحط على السطح إلا في حالات نادرة جدا… يزحفون بالداخل والخارج بين القصبات فضية؛ وزهرية؛ وذهبية؛ ومزركشة؛ ومقلمة؛ومتعددة الألوان .
ومن بين كل الشخصيات بالرواية،تبدو لوسي الوحيدة التي تستطيع أن ترقب العالم حولها .كان ذلك في الحقيقة مصدرا من الإثارة لجايلس :”لقد أحب هو كذلك المنظر .كما أنه لام العمة لوسي ،لأنها تتطلع إلى المنظر، بدلا من -القيام بذلك ؟”(53)
إن الآنسة تروب ،مثل ليلي بريسكو تحاول أن تستأثر بالمشهد وتشارك رؤياها .إن لعبها يمكن النظر إليها كمحاولة لتقديم لحظة وجودية للحاضرين .أخذت تفكر بينها وبين نفسها في نهاية المشهد الأول :” “ألم يكون ماقد قامت به ،على مدى خمسة وعشرين دقيقة ،يجعلهم يرون ؟رؤى أفصحت عن إرتياح بعد بأس …..ولو للحظة…. ولو للحظة .”لكنها في الوقت الذي كانت ترقب فيه الحاضرين يتجولون بعيدا وأدركت أنها “قد جعلتهم لايرون.كان إخفاقا، إخفاقا آخرا عليه اللعنة !”(98)
كان تخمينها صحيحا.خلال أحداث المسرحية يعيش المتفرج في الغالب حالة من الذهول والجدل الشديد.. لم تستطيع كفنانة أن تمسك في قبضتهم .وفشلت الآنسة لا تروب أن تُفصح عن الرؤى ،لأن مسرحيتها لم تكن جيدة جدا من ناحية. إن المسرحية مقتبسة وأن لغتها لا تسمو أبدا .نتيجة لذلك ،فإن لحظة من الإدراك العارم لا تأتي أبدا .
أدى هذا إلى ملاحظة هامة عن تلك اللحظات :كل منها ،تبدأبذكريات الطفولة لفرجينيا وولف نفسها ،وامتازت تلك الذكريات بلغة واضحة وقوية .لأن هذه اللحظات الوجودية هي لحظات الإحساس الدقيق،فإن اللغة التي إستخدمتهالتنقل هذه الذكريات كان حتميا أن تكون دقيقة وعبرة ؛وأن الشكل والمضمون ينبغي أن يكونا في تناسق تام مع بعضهما البعض .
لا يخفى علينا أن رواية بهذا الحجم كان من الطبيعي أن تتشح لغة سردها بعباءة تتميز ببساطتها :فليست كل المشاهد لها نفس القيمة ،و قل أنها تحمل ثقلا .لكن فيرجيينيا وولف في لحظات وجودها إستخدمت لغة تكاد تقترب من لغة الشعر .
وكما تقول جانيت وينترسون أن فرجيينيا وولف في الحقيقة ينبغي أن نقرأها ونتعلم منها كشاعرة لدقتها والتي تقترب إلى حد كبير إلى لغة الشعر أكثر من لغة النثر .تستطرد وينترسون قائلة :” إن فرجيينيا وولف تتمتع بجرأة متأصلة في شخصيتها ،هذه الجرأة جعلتها تُغربل أفكارها ولغتها التعبيرية من خلال كلمات منتقاة بعناية، تنسال في براعة وحيرة ، فنجد الكلمة والحدث ينسابان في لغة ثرية ونادرة ،”(77)