أدب

قراءات سيموطيقية لقصائد عراقية

كتاب نقدي للناقد الأكاديمي أ. د مصطفى لطيف عارف

قراءة: عقيل هاشم
لقد أفادت الدراسات الثقافية كثيرا من علم السيمياء او السيميولوجيا في قراءة النصوص دلاليا, والتي يمكن اعتباراها اشارات او دوال تحيلنا على مدلولات اعمق وتمنحنا فرصة استكشاف النصوص الشعرية والسردية وتأويل مبتغاها ومقصدها .اذ بات جليا ان النص/ الشاعر في العصر الحديث مهموم بالإنسان وبقضاياه، وأظن أن شعره سيبقى طويلًا، فمثل هذا الشعر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يندثر أو يُمحى من الذاكرة. لأنه كتب على مهل وبعناية فائقة ووعي شديد ، لأن لغتها هادئة ورائقة وسامية وجذابة وتبتعد عن الصخب المجاني، كما أنها إنسانية للغاية، وتنفتح على تأويلات شتى، فتثير المتلقي عبر تساؤلات متعمقة، بعد تلك المقدمة المختصرة؛ أتركك أيها القارئ الكريم مع الكتاب، والذي أرجو أن يكون إضافة مهمة للمكتبة، وأن يكون ملاذا للدارسين والمهتمين .إذا كانت اللسانيات تدرس كل ماهو لغوي ولفظي، فإن السيميولوجيا تدرس ما هو لغوي وماهو غير لغوي، أي تتعدى المنطوق إلى ماهو بصري. السيميولوجيا هو علم العلامات أو الإشارات ,وبهذا نقول أنها تدرس النص في نظامه الداخلي عبر دراسة شكل المضمون والمرجع والحيثيات السياقية والخارجية والتي لا ننفتح عليها لمعرفة التداخل النصي وعمليات التفاعل بين النصوص وطبيعة الاشتقاق النصي للنص المرصود سيميائيا. وعليه، فالهدف من دراسة النصوص سيميائيا هو البحث عن المعنى والدلالة و استخلاص البنية المولدة للنصوص منطقيا ودلاليا.بالتأكيد مثل هذه الكتب لها أهمية كبيرة خصوصا إذا كان الباحث الدكتور مصطفى عارف له حضور اكاديمي فاعل وصاحب بصمة واضحة في مجاله البحثي قدم العديد من البحوث والكتب النقدية ساهمت في اثراء الباحثين والدارسين والقراء .صدر مؤخرا عن دار امارجي للطباعة والنشر 2023كتاب نقدي “قراءات سيميوطيقية لقصائد عراقية للكاتب الباحث الدكتور مصطفى لطيف عارف , من يقرأ له يلاحظ أنه اكاديمي مثقف وموسوعي وقارئ جيد للتراث والحداثة، يلتقط بهدوئه وبحسه المرهف وبمهارته المغايرة صورًا لتفكيك النصوص –شعرا ونثرا-وبأسلوب علمي وسلس غاية في الجمال والروعة، بالإضافة إلى أنه يؤمن إلى أبعد مدى بما يكتب ،فهو يعي جيدًا معنى النقد وغاية الحداثة.ومما كتب من مقاربات و ما قدمه وما يقدمه قراءات نقدية عن تجارب الشعراء، أنها سوف تثري المشهد الشعري لأن القصيدة ستظل باقية وحية ولن تموت نظرًا لعمقها ووعيها وما تحمله من رؤى جديدة للحياة وللعالم. في مجملها تصنع حالة شعرية لا تتكرر؛ تساعد على تزكية النفس وتصحيح المسارات..تضمن فهرس الكتاب العناوين التالية :*المقدمة –القصيدة –الاخر المدحي في قصيدة “الطاف النوال “ل عبود عبد الواحد”رثاء الاب في ديوان “هي ذي العبود”ل عهود عبد الواحد ” *فراءة سيميولوجية في كتاب (ممكنات الشعرية في القصيدة العربية المعاصرة -*النظرية والاجراء للدكتورة انسام محمد راشد -*التفرد والخصوصية في شعر الشاعر اديب كمال الدين -*مسرحة القصيدة في ديوان مسافات الماء وجرار المعنى للشاعر الدكتور مسلم الطعان-*مقاربة تاويلية لقصيدة الشخصية في ديوان جنوب المراثي للشاعر الدكتور مسلم الطعان -*القصيدة القصيرة في ديوان عشقتك عن ظهر قلب للشاعر حسن البصام –*الرومانسية الحالمة في شعر ثامر ناصر العطار رحمه الله- *رثاء الحفيد عبد الله للشاعر حازم رشك -*الدهشة والذات في ديوان مرايا عمر سعدون للشاعر عدنان الفضلي-*رثاء الابن غزوان عاشق زراير الناصرية ل عدنان الفضلي -*المشهد السينمائي في ديوان شط العرب ل منذر عبد الحر -*شعرية التفاصيل في قصيدة الناصرية اميرة الضوء ل منذر عبد الحر -* شعرية التفاصيل في قصيدة اسعد انسان في العالم ل منذر عبد الحر -*رمزية الاخر/ الظل في قصيدة تأوهات للشاعر احمد البياتي -*تمظهرات الحوار الداخلي في قصيدة اعماق الوهم احمد البياتي -*زمكانية العنونة في مسرحية الضحك ممنوع في المدينة للشاعر قيس لفته مراد -* التناص في ديوان ناعية القصب للشاعر حازم رشك التميمي -* شعرية الحدث في مسرحية تموز انشودة الخلاص للشاعر رشيد مجيد -*قراءة سيميوطيقية لقصيدة شفرة للشاعر احمد البياتي -*شعرية القصيدة القصيرة جدا في انتباه غزالة سعد السمرمد -*شكوى الذات في ديوان قرابين العش الذهبي منذر عبد الحر -*قراءة نقدية لقصيدة مولود الامام علي ع منذر عبد الحر -*قصيدة الومضة في ديوان هذا غبار دمي للشاعر حيدر عبد الخضر -*قراءة سيميوطيقيا في ديوان صدى الوحدة ل عبد الرحمن رضا -*الغلاف والعنونة في ديوان بريد الفتى السومري ل عدنان الفضلي -*مديح الاخر في ديوان لوحة لصوت قديم للشاعر حسن الشنون -*قراءة نقدية في قصيدة له في منقبة قدوم , رثاء الاحبة في ديوان يبوح الرباب مدينة الناصرية في شعر رشيد مجيد , الرثاء في شعر رشيد مجيد -*حوار القاصة والصحفية المصرية بسمة يحيى مع المؤلف “احتوى الكتاب على قراءات شعرية وجولات في أرجاء القصيدة الشعرية المعاصرة ,حيث التقنية الفنية المبثوثة في القصيدة/الشاعر معا. وأنت تمضي اليهما .تشعر بشيء من السحر ينتابك بحيث يصعب أن تغفل للحظة عن القول بالعذوبة والدهشة والحنين قصائد باذخة المتعة. لاسيما وان الشعر لا ينفصل عن حيواتنا، بكل تمظهراتها الاجتماعية والنفسية والسياسية.أعتقد أن أهمية الشكل الشعري النسوي ياتي من كونه يحكم موضوع القصيدة بشكل ما من خصوصية مفهوم الجندر ، الحداثة وصراعاتها وهمومها وحساسياتها ، قصائد الشاعرة عهود تنتمي للشعر العامودي ,فان بنية القصيدة وإيقاع المعني فيها، حيث تأخذنا نصوص الشاعرة بتول مسافات في الحلم والالم معل، وكيف استطاعت الشاعرة استحضار هذا الشجن وفق المعالجة الأدبية التي تناسب ذوق المتلقي.الصوت النسائي “عهود عبد الواحد ” في قصيدة المديح للمؤلف الدكتور مصطفى – ورثاء الاب – القصائد نجدها شهية واكثر شفافية ، بالرغم من فيها من القوة والرقة والصدق والبلاغة ما يكفيها لتتربع على عرش القصيدة التراثية ،الشاعرة تمتلك جرأة في البوح ولغة مشاكسة إن جاز التعبير، تفضي إلى العفوية والحب الشفيف والعميق في خصوصية المرأة وشؤونها والتعبير بحرية ورؤية دالة؟
ما يهمنا حقا في الشعر “المديح -الرثاء” ، أن تكون القصيدة من الخفة والانسيابية بحيث لا توقفك في مقاطع أو كلمات لتقول تصريحا تقريريا جافا، ذرة من القصدية تفسد القصيدة وتحولها إلى بيان أو اعتراف أو دعوة لفكرة، أنها مؤشر على شاعرية الشاعرة وإذابة المعنى في الكلمات، يقدّم هذا الكتاب إضاءة على مقوّمات مشروع الباحث الدكتور مصطفى العارف الثقافي من خلال مجموعة من المقالات والافتتاحيات التي نشرها في الكتاب, بالإضافة الى قراءات نقدية لمختارات شعرية من قصائد شعراء مستنبطة من المصير التراجيدي ,تمثل تجربة شعراء في أقصى درجات التحديث في تاريخ الشعرية المعاصرة، بينما تضم مختارات شعرية أشد تعبيرا عن هذه الشعرية وتمثيلا لها, لهذه الاختيارات ما يسوغها ويبررها، وما ينتظمها ويعمق إشكاليتها الجمالية.و يلحظ الكتاب والأدباء حرص الدكتور الباحث على الاحتفاء دوماً بالأدب والأدباء في الوطن هذا هو ما يصبوا له في مشروعه النقدي الذي يعمل عليه ،هو يراها قضية تستحقّ التضحية والعطاء، وجسراً متيناً للتواصل يحقّق أمانيه وطموحاته كونه مشروع قام على العمل والوفاء والإخلاص وكسر النمطية والتقليدية، وقد اتكأ على الجهود المبدعة والرؤى الخلّاقة الكتاب سياحة ذوقية مع شعراء انتصروا، منذ البداية، للقصيدة المغايرة والمعاصر. تحرر من كل تصور سابق على الكتابة ذاتها. على مستوى الرؤى والأساليب. إنما الشعر المعاصر موقف شعري من العالم، وتجاوز للغة باللغة ذاتها. ولعل هذا هو الصراع الفني الذي يكابده الشاعر باستمرار، والتحدي الجمالي الذي يعيشه المتلقي مع الشعر المعاصر.من هنا، تقيم تجربة الدكتور مصطفى عارف حوارا مع الكثير من المدونات الشعرية المتنوعة في كتابه . ما يضعنا أمام فضاء شعري موسع ينتمي إليه الشاعر العراقي في زمن المحنة, هذه الرحلة التراجيدية للشاعر ، والمحفوفة بموج المنايا ، هي الرحلة التي خاضها الشاعر نفسه , هذا الكتاب ليس تجميعا لنصوص شعرية متفرقة وغير مدروسة فنية ، ولا محضَ مقاربة في أزمنة الكتابة وأفضيتها، ولكنه عمل ذوقي جمالي يجمع شعراء تنوعت تجاربهم الابداعية ما بين اغراض شعرية واجناس شعرية ثرية .يقدم في الكتاب المؤلف قراءات نقدية لقصائد شعرية فيها الكثيرة من الدلالات تشكّل علامات سيميائية دالّة ، معرفا إياها بأنها علم “العلامة لتأويل الدلالة والعلامة، مشيرا إلى أن العلامة تتجلى في”.الذي استخدم لغة جميلة عبر المجاز والصورة والاستعارة والكناية، مغنيا الصمت بصمت يؤسس الحضور المباشر للوجود.يتوقف عند القصيدة بوصفها سلسلة من القصائد وبنية من المقاطع المتتالية، مشيرا إلى أن كل قصيدة تكون مستقلة بذاتها وبعنوانها وفكرتها أو الصورة المعبرة أبدع الشاعر في توظيفها توظيفاً فنيّاً مبدعا، فكان بحق عبوراً نحو الضفة الأخرى في اكتناه الشعرية المعبّرة عن حساسية التلقي المعاصر.القصائد الشعرية قيد الدرس تمتلك علاقة متراوحة يكون المتلقي فاعل وشريك رئيس في العملية الإبداعية، من اكتشاف المكامن وجلاء البصيرة وابتكار التناقض..وفي الختام أقول الكتاب موسوعي في تناول دواوين متنوعة الأجناس من العمودي الى الحر الى قصيدة النثر .ولبيان ماهيّة الشعر في ما يفككه نهج السيمياء،الذي ,يهتم بالعلاقة بين العلامة وبين مدلولاتها، فهو يدرس محتوى العلامات والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها. التي يريد الشاعر أن يبثّها إلى المتلقّي، لذا فأغلب قصائد الشعراء تتألّف من قصائد طويلة وقصيرة وهناك ايضا اختيارات من أشطر قليلة مكثّفة، كما نرى ذلك قصائد كتبت بإيجاز فنّي استثمر الشاعر طاقة اللغة الكامنة ليعبرَ من خلالها إلى ضفاف المعنى الآخر. في القصيدة القصيرة تكشف عن قلق الشاعر الوجودي من الحياة تنتهي ، لكنّها تبدأ مع الأثر الذي يتركه الشاعر، لتكون علامة دالة على هذه الرحلة؟ إنها أسئلة مفتوحة بلا نهايات تتشظّى في ذهن المتلقّي ليكمل هو أعادة بناء النص. وإن لغة الشعر شديدة الارتباط بموقف الشاعر من الحياة ورؤيته لها ،وهذا ما نلاحظه في قصائد الشعراء “منذر عبد الحر ,حازم رشك , عدنان الفضلي ,د.مسلم الطعان ، فتجربتهم تصاعدت لترصد ما وراء الحس، وتغيب في ارهاصات المكان يثير عدّة تساؤلات أهمّها، هو هذا الاصرار على تجاوز كلّ ما هو حسّي، والبحث عن المعادل الموضوعي للوجود، وهو ما يُلحظ في أغلب القصائد ما بعد الربيع العربي .قصائد وجدانية، وما يميزها هو الابتعاد عن الزخرفة اللغوية بأسلوب السهل الممتنع والمنغمس في الرؤيا. موضوعات انسانية من الوجدان والعاطفة والوطن بمنظوره الخاص للحياة، ومحاولات تجديد تطفو بلطف على وجه قصيدته باتخاذه الموروث وسيلة للوصول إلى مبتغاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى