هاوية تجرح الضوء.. جديد للشاعر صلاح بوسريف
عمل شعري جديد للشاعر صلاح بوسريف، صدر عن دار فضاءات بعمان بالأردن، وهو بين ما يعتبره الشاعر كتابا، أو طرسا، أو عملا شعريا يندرج ضمن مشروعه الشعري حداثة الكتابة، لتأكيده على شرط الكتابة، التي هي غير التدوين الحرفي للسان بكل تداعياته الصوتية الشفاهية.
الكتاب في مائتي صفحة، من الحجم المتوسط، وهو نص واحد يستغرق الكتاب كاملا، ببناء فيه عناوين كبرى، وعناوين فرعية أو صغرى، عين واحدة بأكثر من جدول، ودوال العمل تتراوح بين الدال اللغوي، والدال السيميائي، والصفحة في هذا العمل الشعري، هي دال من دوال النص، بكل ما يتمظهر فيها من رسوم وأشكال وفرغات، لا صفحة تشبه الأخرى، كل صفحة هي علامة وإشارة، ودال يتكلم بأكثر من حرف.
لغة الكتاب، وكذلك ما تتقاطع معه من إشارات وعلامات، شديدة الكثافة والرمزية، تركيب الجملة فيها، بأكثر من طبقة، وبأكثر من إيحاء، ما يجعل هذا النوع من الشعر مختلفا في تصوره، وفي كتابته، وفي طبيعة رؤيته، وفي بنائه، عن “القصيدة” بشكل جذري، كما نجد في الكتابات النظرية للشاعر نفسه، التي هي انعكاس لما يشتغل عليه من نصوص، أو أعمال شعرية.
لا يمكن بلوغ دلالات، أو إيحاءات هذا العمل، وغيره من أعمال صلاح بوسريف الشعرية، دون قراءة العمل في وحدته، التي هي وحدة تقوم على التفكك والتشظي، وعلى التشذير والتشطيب، الذي هو أحد صفات الطرس، مثلما تفعل فرشاة الرسام الصيني، ضربات يترتب عنها أفق جمالي يتسم بالتصوير، بقدر ما يستغرقه التجريد، ويكون جزءا من بنائه، أو من ألوانه وظلاله، أو شعريته.
المحتمل، والممكن، وما يبقى هاجسا في استدراج المعنى، هو بين ما نجده في كل الأعمال الشعرية لصلاح بوسريف، وهي أعمال تسير بالشعر نحو أفق مغاير، أو ما يسميه بوسريف بالشعر الآخر، الذي يقطع مع السائد، في الفهم، والبناء، ويتيح للبناء الملحمي أن يكون هو ما تتعدد فيه الضمائر، ويجمع بين السردي والحواري، والتداعيات الحرة، والاستعادة والاسترجاع، وغيرها من الأساليب التي تمنع هيمنة الغنائية والصوت الواحد الذي هو ما نجده في الكتابات الشعرية الراهنة في العالم العربي.
نقرأ في مدخل هذا العمل:
هَاااا إِنَّنِي أَقِفُ فِي جُرْفِ هَااااوِيَةٍ
أسْتَدْرِجُ قَرَارَتِي إِلَى وَقْعِهَا الأخِير.
قَالَ لِي:
ـ لا تَلْتَفِتْ.
مَا ترَاهُ يَكْفِيكَ لِتَرَى الشَّمْسَ ضَوْؤُهَا يَسْقُطُ فِي النَّهَارِ.
الهَاوِيَةُ ظُلْمَةٌ تَجْرَحُ الضَّوْءَ
تُخْفِي وَقْعَ السُّقُوطِ.
لا أَعْرِفُ،
بِأَيِّ الأجْنِحَة سَأُحَلِّقُ فِي هَذَا الفَرَاغِ.
ـ لَسْتَ حُلُماً،
أَنْتَ حَقِيقَة فِي جُرْفِ هَااااوِيَةٍ تَقِفُ.
الصَّدَى أَعْلَى مِنَ الصَّوْتِ
خُطًى على إثْرِها تَحَسَّسْتُ ظِلِّيَ،
لَمْ أَعُدْ أَرَى شَيْئاً،
لا أَسْمَعُ سِوَى صَوْتِيَ
فِي دَاخِلِي أَشْجَانُهُ أَحْزَانِي.
كَأَنَّنِي أَخْرُجُ مِنْ رَحِمٍ،
مَا أَزَالُ أَتَلَمَّسُ الضَّوْءَ الَّذِي سَيأْوِينِي.
الهَاوِيَةُ صَوْتِي،
صَاعِداً مِنْ جُرْحٍ غَوِيطٍ،
مِنْ صَدًى ظَنَنْتُ أنَّهُ النَّبْع الَّذِي مِنْهُ تُولَدُ الأنْهارُ.
مَا يَزَالُ اللَّحْمُ فِي جِسْمِيَ غَضّاً،
خُيُوطُهُ لَمْ تَلْتَئِمْ بَعْدُ،
أَنا الثَّوْبُ انْفَرَطَتْ عُراهُ،
كَأَنَّ الأَرْضَ لَمْ تَلِدْنِي،
بَل مِنْ مَاءٍ خَرَجْتُ.
فِي أُذُنَيَّ صَوْتُ مَحاراتٍ تَتَصَادَى الرِّيحُ فِي أَغْصَانِها،
أَعْلَى مِنَ الغَيْمِ،
أَدْنَى مِنَ الوَتَرِ.