قراءة في رواية: “على بوابة مطحنة الأعمار” للأسير المحرّر أحمد شويكي
هدى عثمان أبو غوش ناقدة وأديبة
كتاب “على بوابة مطحنة الأعمار” رواية الأسير محرّر، في 160صفحة،2022, هو كتاب سيرة طفل مقدسي غير عادي تحت ظلّ الاحتلال، والمشاهد السياسية الساخنة جدا،هو سيرة الوجع والقهر في حضن الزنازين،هو سيرة مليئة بالقصص المؤلمة، يرويها لنا الأسير المحرّر أحمد شويكي ابن الرابعة عشرة الذي توقف عن ممارسة طفولته في أحياء القدس ليمارس لمدة عشرين عاما دور الأسير في عدّة سجون،سيرة تجعلنا نصرخ أوااه يا أطفالنا أين ذهبتم؟،ما أقسى الغياب!، بحثنا عنكم بين الأوراق والكتب، وكم اشتاقت لكم الحقائب والأقلام،وعيون الأحبة.
في هذا الكتاب،يسجل الأسير المحرّر شويكي مشاهداته منذ دخوله السجن،من عدّة أبواب لصناديق مختلفة،كان صندوق التحرير هو الجميل الوحيد،لقد نجح الأسير من خلال سرد مفعم بالمشاعر والوصف الدقيق، والإسهاب والتفاصيل أن ينقل الصور المختلفة لحياته في الأسر في سجون الاحتلال،كما نقل لنا معاناة الأسرى عامة والعلاقات بين الأسرى،من خلال صور الحوار الجاري بين السّجان والأسير،أو بين الأسرى أنفسهم،صور تمنحك فكرة عن عالم لا يعرف الحرية ولا همس الحنان،رسم لنا بقلمه الذكي شكل الزنزانة المزري الذي لا يليق بالإنسان ،وعدد الأسٖرَّة،وحالة المرض سواء عنده أم عند باقي الأسرى،وصور الفقد والموت.
من خلال كتابه يبرز شويكي مدى مساهمة الاحتلال داخل السجون في محاولته لزعزعة الروابط الأخوية بين السجناء وخلق الفتن والطبقية بينهم،ومدى خلق الأكاذيب للتأثير على الأسرى في الاعتراف،وتجنيد السجناء كعملاء تحت ضغط العذاب،ينتقد بحرقة بعض الخائنين العرب الذين يعملون في سجون الاحتلال كالضباط العرب،برزت صور سوء التغذية عند السجناء،وشح الوجبات التي تقدم لهم،وقد برزت بعض المصطلحات الخاصة التي تتعلّق بحياةالأسرى،مثل:الفورة،العصافير،مسلخ الرملة كناية عن المشفى وغيرها،وقد برزت شخصية شويكي خلال في مكوثه الطويل والمتنقل بين الزنازين والسجون ومخالطته للضباط والأسرى من الأشبال والكبار،فرأينا الأسير شويكي الذي يتميز بشخصية قيادية،وبعزة النفس،الإصرار والعزيمة وخاصة في تعلمه لمعرفة اللغة العبرية،وفي جعله مسؤولا عن قسم الأشبال وفي إعداد الطعام مع العلم في البداية لم يحسن طبخ المقلوبة،برزت حنكته واحتياله على السّجان،كانت هناك بعض التصرفات لم تكن حكيمة في تصرفاته،بسبب عفويته وصغر سنه وجهله لما يحدث، كما وبرزت براعة السّجناء في الحصول على الهواتف النقالة رغم اكتشافهم فيما بعد،رأينا شويكي كممثل مبدع في حَبك القصص ولبس ثوب البلاهة أحيانا لإغاظة السّجان ،برزت روح الفكاهة أيضا عنده من خلال بعض المقالب التي افتعلها هو وبعض السجناء داخل الزنزانة، وقد نجح الأسير في رسم الصورة ليجعلنا نتأثر،بالفعل كانت بعض المقالب تضحكنا ولكن بعضها لم تكن كذلك بل خاصة في الكذبة التي اختلقوها لموت والد أحد الأسرى والذي تأثر من الخبر كقارئة أردت أن أصرخ ماذا فعلت يا أحمد!،وللأسف تتحقق الكذبة لتصبح حقيقة فيما بعد بوفاة والده. برزت العاطفة والاعترافات الصادقة عند شويكي،فالقارىء للسرد يتنفس المشاعر الحزينة،والمؤلمة ويشعر بمدى صدق القلم الذي أثار مشاعرنا،وخاصة في اعترافه بظلم أحد السجناء حين ظنّ أنه خائنا وعميلا.لقد رأيت في كتاب الأسير صرخة الطفولة التي سلبت وقد عبّر عن اشتياقه لسنين عمره التي ضاعت في نهاية الكتاب حين قال بما معناه سأخرج إلى الحياة لأعيش شغف الطفولة والشباب،وأختم مقالي بصورة تصويرية نقلها الأسير بصورة مؤثرة خلال وجوده بإحدى مركبات السجون التي نقلته لإحدى السجون حين صرخ مندهشا “حمااار” واستغراب السائق من ردة فعله،لأنه لم ير حمارا منذ سنين طويلة.هذه الصورة شاهدة على عمق فقد الحرية وسلب الطفولة.
نتمنى للأسير المحرّر أحمد شويكي كلّ التوفيق،والعيش الرغيد،بعيدا عن الجراح والألم،والحرية لجميع الأسرى إن شاءالله