أدب

اللغة الشعرية وتناصها في السرد العراقي

قراءة في مجموعة "عندما يسقط الرهان " للدكتور سالم كاظم عباس

حيدر الحجاج| العراق
تعد اللغة مرتكزًا اساسيًا من مهام محتوى السرد القصصي لما تمتلكه من تقنيات لها مردودها وإرثها ومكنونها في استرجاع الاحداث بتراكيبها الزمنية للحاضر والماضي كخط بياني يتصاعد وفق مسبباته،
كما تشكل السردية العراقية وتحديدا في الاونة الاخيرة اختبارا جديدا لمفاتيح لم يعتد القارئ عليها من مثابات وسلاح ذو حدين، إذ تعد منطلقًا أساسيًا في توليف الاحداث الراهنة بحسب مرجعيات الكاتب واستداركه لمناطق اعتماد القارئ، كمناطق جذب ومتعة لماهية ما نقرأ ونكتب طوال هذه العقود التي مرت، والوغول والمسك بخيوط تلك الاحداث التي اعتدناها مع القارئ الحصيف، وفق اشتغالات فنية محكمة تتوائم مع بقية الأحداث الأخرى.


وفي المجموعة القصصية الأولى للكاتب الدكتور سالم كاظم عباس والصادرة عن دار المتن في بغداد حيث ضمت في ثناياها سبع قصص قصيرة، عالجت الراهن والواقع اليومي المستلب، حيث اعتمد الكاتب على الجرأة ووحدة الفكرة والتكثيف الشعري، بعيدًا عن الترهل والانتقاص من وحدة النص السردي.
وكما يبدو أن اختياره لعنونة المجموعة القصصية (عندما يسقط الرهان) كعتبة أولى ومفتتح لمنجزه الادبي الاول، في هذا المضمار الطويل خرجت من نسيج محكم لبوابة افكاره التي احتوت عليها المجموعة القصصية.
إذ راهن الكاتب على محور اللغة بحلتها الشعرية المرموقة كتناص أدبي خال من الزوائد التي ترهق النص، وتبتعد به عن مصاف القص والسردية، وأحكامها في الاسترسال لفحوى المنجز المراد طرحه كمادة ادبية تحاكي واقعنا الملموس والذي عاشه الكاتب في منجزه القصصي، التي حلت كأداة رافضة لمكونات القمع والاستلاب تارة، وتارة أخرى استند مؤلفها على مبدأ التعارض وتغير المزاج في منحنيات اللغة، التي كرسها كطود ثابت افرز جماليته الشعرية واكساءها على الواقع المرفوض.
استند المؤلف في مجمل قصصه على توليفات الاحداث بنهايات وصفت الانكسار انتصارا للذات، التي تعاصر وتصارع الحياة من منحنين مختلفين حيث ارسى قواعد الفكرة والحدث كعنصرين اساسيين والايغال في متون اللغة المكتسبة لديه، كونه متمرس في الأدب الانكليزي من شعرنة الواقع وادلجته في شخصياته القصصية التي طرحها كمادة رصينة توالت على صناعة الحدث، والتمترس في خانة الخجل والبوح بأسرار الصفة الاساس وهي الانكسار المنتصر ولو متأخرا.
وعند العودة إلى عنونة المجموعة التي اتخذت اطارا شاملا لفضح ما هو مستتر ومستشر في المجتمعات الشرقية، لتكون الرسالة الرئيسة في الأحداث، التي نسجت ووصلت ذروتها في اكتشاف مرموزات الكاتب، حملت انعكاسات هامة في تأثيث لغة شعرية توائمت مع مجريات ما حل في المجموعة القصصية، لقد عمد المؤلف على تنشيط مسار الحلم لتجريد وتحصين النهايات، وبأسلوب مغاير دشنها بأيقونته التي استحالت بشفافيتها وعذوبتها في الاسترسال لدى القارئ.
وهنا اعتمد على الخطاب السردي الذي يجعل من قوة السرد اضافة جديدة الى اشتغالاته، وهذا ما اصطلح عليه الشكلانيون الروس (بالمهنية على اختلاف التسمية والنوع)، التي باتت خطابا ناضجا للنقاد والدارسين في حقول اللغة،
ومهما يكن فعند الغور والتأمل في المجموعة القصصية (عندما يسقط الرهان )، سوف يرتبط القارئ بعلاقة وشيجه لمعرفة الخزينة اللغوية لشعرنة الواقعية السحرية، التي ثملت أيما ثمول بين أنامل كاتب المجموعة، إذ حرص على ان تكون العتبة الأولى له في مضمار السرد.
رغم ان الواقعية التي دونها في مجمل قصص المجموعة للكشف عن أبطال مجموعته وما آلت إليه تلك النهايات المرسومة بحرفة تتوخى الدقة، من دون الاسهاب في مجريات الاحداث، إذ تناغمت في وضع بصمة للسردية العراقية الجديدة.
حيث أمسك الكاتب بخيوط النهايات التي تتوفر فيها عناصر الصدمة والتشويق والحبكة والاسترسال في مناطق اللغة الشعرية، التي اعتمدها كجنس محكم غير فائض على محتويات القصص، التي استوطنت كرهان بارز اضاف لعنصر المفاجأة استدلالا واضحا، أضف الى ذلك العنوانات الأخرى للمجموعة (القتل رميا بالعيون والكلمات، تاجر الدم، هكذا يموت النورس الابيض، طباخ السم، حين تموت الرياحيين).
اذ كان توظيفها دقيقا مع سلاسة الاحداث المتوخاة بعيدا عن ما هو متخيل وجاهز، وما ستؤول إليه من وقائع سردية كان للانكسار السمة الواضحة لابطالها الذين تمترسوا في حدائق المثاليات والمدينة الفاضلة ليمتهنوا من بوابة الخجل صفة عامة تشترك في ما واجههم من مطبات الحياة.
ومن هنا حل الاثراء في اللغة التي وظفها الكاتب كخط للشروع في متون مجموعته التي خاطبت الشرقية ومفادها في التعامل كجنس ادبي تفرد لملامسة مخيال القارئ في المداخلات النصية، التي كانت خصائصها الجرأة الواضحة في توظيف الجنس القصصي بالتناص الشعري الذي احكمه الكاتب بعيدا عن الترهل والزوائد التي تبتعد بماهية النص، قد تثقل التقنيات التي اعتادها القارئ لمتابعة الاحداث المروية من الكاتب كجنس أدبي سردي وضع بصمته في خانة السردية العراقية، ملوحا بما هو قادم من اضاءة واضافة جديدة في مناخ القصة العراقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى