عن الكرم العراقي وسلمان الجوهر
![](https://worldofculture2020.com/wp-content/uploads/2021/01/علي-جبار-عطية.jpg)
علي جبار عطية| كاتب عراقي
أسمع وأقرأ الكثير من الحكايات من المسافرين الشغوفين بزيارة البلدان للسياحة أو للدراسة أو للعمل أو للعلاج.بالطبع لكل شخص وجهة نظره في مشاهداته وانطباعاته حسب تجربته، ولكن الغريب في الأمر هو إعمام وجهة النظر، وعدها حقيقةً مطلقةً !
لكن ما رأيك حينَ تتكرر الحكايات عن وقائع معينة تحصل في بلدٍ ما أو عمليات نصب واحتيال تتكرر في مكان واحد ألا يدل ذلك على كونها ظاهرةً، وليست حادثةً استثنائية .
مثال ذلك التعرض في مطارات دول عربية إلى سوء تعامل مع الزائر، وتوجيه استفسار أمني مبالغ فيه مع أنَّ المسافر حاصل على التأشيرة الرسمية للدخول لكنَّه يواجه بمطالبته بالحصول على التصريح الأمني، والكتاب يُقرأ من عنوانه كما يقال !
يروي أحد المسافرين إلى (بلدٍ عربيٍّ ما) كيف تعرض إلى فخٍ أو باللهجة العراقية إلى (تقفيص) بدخوله إلى مطعم متواضع وكيف كانت تكلفة الوجبة البسيطة عشرة أضعاف سعرها الحقيقي، أو يسأل سائقاً عن عنوان فيطوف به سائق السيارة الساحات ويمر به بعدة تقاطعات ليعيده إلى المكان نفسه الذي انطلقا منه، ويكتشف أنَّ الجهة التي يروم الوصول إليها تقع في منطقة الانطلاق أمامه، لكنَّه لتعب السفر لم يرها، وهكذا بدأ رحلته بتسليب! وهناك مَنْ السياح مَنْ تأخذه الرغبة بالتصوير في الأماكن الآثارية فيعطي هاتفه النقال إلى غيره ليصوره فيفاجأ بأنَّ الذي أخذ الهاتف نصاب، ولا يعيد الهاتف إلا بعد أن يدفع مبلغاً باهظاً !
حكايات كثيرة يصطدم بها السائح العراقي؛ لأنَّه معتاد على الكرم والجود والطيب في العراق خاصةً تجاه الشخص الغريب، وهي ظاهرة تستحق الدراسة، وتسليط الأضواء فكرم العراقي متأصل في الجينات، وسأورد هذه الحكاية التي بطلها الفنان الكبير سلمان الجوهر الذي تميز بإجادته التامة للهجة الجنوبية المحببة فضلاً عن تجسيده أدواراً لافتةً برغم قصرها كما في أفلام (إنعيّمة) و(الظامئون)، و(الباحثون)، و(التجربة) وغيرها.
يقول الفنان ضياء البياتي في كتابه (مذكرات مدير إنتاج سينمائي) /٢٠٢٤:(في إحدى المرات وأنا في العمارة.. دعاني سلمان الجوهر إلى غداء بسيط في مطعم كباب العمارة، ومن هنا بدأت علاقتي به وبعد فترة استحصلت موافقات خاصة لغرض إنجاز عقد له بأجور شهرية مقطوعة في بغداد في السينما والمسرح وعندها اختاره المخرج محمد “محمد شكري جميل” لدور رئيس في فيلم “الظامئون” .
ومن الطرف الخاصة عن بساطة هذا الفنان وأخلاقه العالية أنَّه أقام مأدبة إفطار كبيرة لكادر تصوير فلم “مغامرات عنتر وعبلة” /١٩٤٨ من إخراج صلاح أبو سيف عندما قدموا لتصوير بعض مشاهد الفلم في العمارة فكلفته هذه المأدبة بيع داره الذي يسكنه في العمارة لسد نفقات المأدبة) !
تابعتُ هذه المعلومة فعدت إلى مقال للكاتب جمال الخرسان نشره في صحيفة (العالم الجديد) بتاريخ ٢٠١٥/٦/٧ ذكر فيه تفاصيل عن تصوير فلم (مغامرات عنتر وعبلة) لمخرجه صلاح أبو سيف، وبطولة سراج منير، وكوكه، وفريد شوقي،وقد وجدت من المفيد ذكر بعضٍ مما كتبه إذ يقول : ( انَّ فلم مغامرات “عنتر وعبلة” الذي أنتج عام ١٩٤٨ تم تصويره في مدينة المشرح التابعة لمحافظة ميسان جنوبي العراق، وكان ذلك العمل أول فلم عربي يتم تصويره داخل العراق. ولأنَّ العمل ملحمي ويحتاج الى أعداد بشرية كبيرة فقد تمت الاستعانة بالعشائر العراقية التي تقطن في تلك المنطقة وأعطيت أدوار ثانوية “كومبارس” إلى كثير من الأشخاص الذين تحولوا لاحقاً إلى وجوه فنية وأدبية بارزة، على سبيل المثال الناقد الأدبي مالك المطلبي الذي يظهر في الفلم صبياً حاملاً سعفةً بمعية آخرين، وكذلك الفنان توفيق لازم مؤسس فرقة “مجاهد” الريفية، ووالد المذيعة المعروفة عربية توفيق لازم التي أذاعت بيان أحداث ١٩٥٨) .
ويضيف:(إنَّ ذلك العمل لا يمثل منتجاً فنياً فحسب، بل ذاكرة عراقية لمدينة المشرح أو حتى للكثير من الشخصيات العراقية. المثير أيضاً حول ذلك العمل أنَّ تجهيزات الفلم، وبعد أن انتفت الحاجة لها استخدمت لاحقاً من قبل استوديو بغداد بإنتاج فلمٍ عراقيٍّ شهيرٍ، من أوائل الأفلام العراقية التي تم تصويرها داخل العراق، وهو فيلم “عليا وعصام”) .
لعلَّ هذه الحكاية وغيرها تفسر لنا شيئاً من الخصوصية العراقية الفريدة، لذلك حين يُقابل العراقي المسافر بنذالةٍ يتذكر ما قاله المتنبي : (وبضدِها تتبيَّنُ الأشياء) !