رمزية الحدث في (رحلة الشاطر كلكامش) للقاص علي السباعي

أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

يمثل الحدث الركيزة الأساسية للعناصر السردية الأخرى  في الخطاب الأدبي, والكاتب لا يعنى بواقعية الحدث فهو لدى القاص ليس حدثا واقعيا تماما طبق الأصل, حتى وان انطلق من الواقع باعتباره مرجعية[1] الأمر الذي ينشأ عنه ظهور عدد من التقنيات السردية المختلفة كارتداد المنولوج الداخلي,والمشهد الحواري والتخلص والوصف[2],إن ترتيب الإحداث في القصة وأولوية ذكرها هو جزء أساس من تشكيل القصة ,وبنائها بناء فنيا متماسكا,فتنظيم البنيات السردية في أي نص روائي يعتمد على مهارة الكاتب وقدرته على الربط, [3],أي ربط هذه الملفوظات السردية من خلال العلاقات الدلالية, والإيحائية ,والمعنوية داخل التسلسل السياقي للنص ,وقدراتها على مزاولة الوظائف التأويلية للنص الذي يعبر عن الوحدات الشكلية (الشخصية, الأحداث, مراحل السرد, الموضوعات) ووحدات المعنى من (طبيعة, و زمن, وصيغة, وهيأة) والوحدات النفسانية, والانفعالات العاطفية, والانفعالات الشاعرية,والتعليمية[4],والحدث عند علي السباعي هو عنصر أساسي في القصة إذ تعتمد عليه القصة,وبدونها لا يمكن أن توجد قصة,فالمتن القصصي عبارة عن أحداث متتابعة,أو متذكرة, أو متداخلة, وهي إحداث يكشف حدوثها عن دواخل شخصيات القصة, هناك أحداث بسيطة في بعض القصص, وأحداث كبيرة كما في القصص السياسي0وكانت قصة( وتبقى قطام ) لعلي السباعي  في مجموعته  زليخات يوسف متميزة,واستثنائية,وقد نوه عنها في مسابقة عزيز السيد جاسم للإبداع, ونحن نسأل القاص علي السباعي فمن هي قطام؟وما هي دلالات قصة وتبقى قطام؟ ,[5]قطام هي امرأة عربية رائعة الجمال كانت في بيت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, وقد رعاها الإمام بالعطف, والمودة,كان يطعمها,ويكسوها إلا أنها خانته,وطلبت من عبد الرحمن بن ملجم ألمرادي أن يقتل الإمام عليه السلام,ويكون مهرها دم الإمام,إما عن قصة(وتبقى قطام)ففيها قطام رمز للسلطة,وتقترف جرائمه البشعة يحيطها المنافقون,والجلادون,وقد اظهر تلك الجرائم بالمشاهد القصصية المؤثرة التي رفعت من الشأن الأدبي لهذه القصة التي يعتز بها كثيرا القاص علي السباعي,[6]ولو استنطقنا قصة وتبقى قطام لوجدناها تكثر من الرموز السياسية ,و الرموز الشعبية, فقطام رمزا للسلطة,وسيميا زوجة النبي لوط  هي التي وشت بزوجها ,وبالمؤمنين بالله من إتباعه لحاكم المدينة,ورجل الدين الذي أبقى وسطيه منتصبين بعد موته هو احد رجال الانتفاضة الشعبانية,والشيخ الذي يحاور قطام يمثل الشعب العراقي المظلوم.

وموضوع القصة هو النبوءة الحقيقية,والصادقة بنهاية طاغية العراق وخاصة في المقطع الآتي من القصة:قال الشيخ:يوما اثر آخر,الحلقة تضيق عليك,تصغر,والدائرة الكبيرة أصبحت خرم إبرة,وأنت محاصر وسط الخرم بالضبط في منتصفه يوما بعد أخر,وحدك تلوك افتك,أنت آفة الهوامش لم تكن يوما دودة,كنت تفاحة تتعفن داخل الدودة,والدودة في شجرة لاشرقية ولا غربية بالضبط في مركز الحصار,[7]وقد انتهى صدام حسين في حفرة ينتظر محاكمته على جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب العراقي,إذ أودى بحياة الملايين في حروبه, ومقابره وما احتوت علية القصة من رموز, ونبوءة, ووجهة نظر القاص علي السباعي.

وموضوع القصة أو الوقائع الجزئية التي يحاول الكاتب سردها,أو التي تدور حولها الحكاية,وهي تتشكل من خلال ملاحظات الكاتب, ومشاهداته, وتجاربه اليومية,وانتقاء ما يثير اندهاشه,وما يرى فيه أهمية خاصة تصلح للموضوعات القصصية,[8] والقصاص الجيد هو الذي لم يكتف بالسماع, والقراءة, والمشاهدة, وإنما يعمل على سبر أغوار النفوس الإنسانية,وكشف أعماقها, والتعرف على ما يدور فيها, فهو إذا ما التقط برؤيته الثاقبة الأحداث التي تثير اهتمامه,وكشف بعض الأمور التي تزيد من تجربته اختزنها إلى وقت الحاجة,وساعة النضج, والمخاض,[9] وللإحداث أثر كبير في أهمية القصة,ونجاحها,ولكن بشرط استعمال عنصر التشويق بصورة حسنة,ذلك الذي يعد أبرز وسائل تسيير الأحداث ,وإدارتها,فهو-لو أحسن استعماله- يتمكن من إثارة اهتمام القارئ ,وشده إلى القصة[10], وقد لاحظ فورستر هذا العنصر,وأثره فيما قامت به شهرزاد إزاء زوجها السفاح شهريار فقال وقد نجحت شهرزاد من سوء مصيرها, لأنها عرفت كيف تحسن استعمال سلاح التشويق, تلك الأداة الوحيدة في الأدب التي لها سلطان على الطغاة المتوحشين-فهي لم- تبق على قيد الحياة إلا لأنها استطاعت أن تجعل الملك يتساءل دائما, ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وفي كل مرة تدركها شمس الصباح فتتوقف في منتصف الجملة تاركة إياه يحملق فيها كالمذهول,[11]ولا يختلف نص الطعنة للقاص علي السباعي, وهو يطرح حدثا قد يبدو غريبا,لكن حدوثه قد يأتي أيضا مقبولا في حالة النظر إلى جوهر الحالة,فقتل الابن لأبيه جاء بدافع اللوم القاسي,والعتاب التطرفي, لأن الأب مارس الأنانية مع أبنائه, فلا هو فكر بهم,ولا هم ارتضوا شناعة فعل يرميهم في غياهب شظف العيش,فعندما يغيب التكافل,وتتلاشى المسؤوليات حتى ليغدو المرء لا يفكر إلا بنفسه,تنبجس حالة اجتماعية مرضية تتفشى فايروساتها في جسد المجتمع فيطاح بهيبته,ويعلن تبعثره, ويغدو من العسير تلافيه,وفي حالة سلوكية مدانة تجد بيئتها في حالة غياب العدالة,وانكفاء الحق ,وتسيد السلب,وتقدمه على الإيجاب,[12]: ماذا حصل؟ ضاع سؤالهم,اثر مشاهدتهم: رجلا أسود البشرة,عمره نيف وخمسون,مسجى على الأرض الأسمنتية,والدماء تسيل من عنقه المخروق بخنجر يماني مقبضه من عاج,صرخت العجوز منبهة مستغيثة:أمسكوه… أمسكوا بقاتل أبيه… ي… و… ي…ل… ي…,تقادحت الغيوم,اثر طعنها بصرخة المرأة المدوية,أمسكوا بالشاب ذي البشرة السوداء,عض شفته المتهدلة السفلى بمرارة,تأوه,وعيناه حمراوان تحدقان في عيني أمه العجوز تساءل أحد الشيوخ:ماذا حصل غامت عيناها بسحابة من الدموع,فأمطر لسانها بدل عيونها كلمات مؤلمة لقد 00 وجعا, [13].

استعمل القاص علي السباعي الموروث بشكل جديد,إذ أدمجت الأساطير ,والحكايات الشعبية,وأبطالها في نسيج الإحداث الواقعية  لقصصه,فكان  هذا  أسلوبا جديدا لم تتطرق إليه القصة العراقية إلا نادرا,كما في نصوص المبدع الكبير الراحل جليل القيسي,والراحل الفذ محمود جنداري,كما في نص  رحلة الشاطر كلكامش إلى دار السلام  إن ملحمة كلكامش, قصة فولكلورية سومرية, جميل نصها, ومعانيها, فيها صور, وأجواء من الخيال السامي الخصب للبابليين, وقد نظمت شعرا في نحو ثلاثة آلاف بيت من القرن الثامن عشر ,والقرن الثاني عشر قبل الميلاد, وما يهم القاص علي السباعي من ملحمة كلكامش ما تركته من آثار مباشرة على روايات العهد القديم الدينية,واليك أمثلة:

  • قصة نوح ,والطوفان العظيم, والتشابه واضح بين الرغبة في القضاء على الجنس البشري,الذي اخطأ في حق أسياده الإله , وبين غضب الله على النبي نوح.
  • سقوط الإنسان حينما أغوت شمخة انكيدو الإنسان الأول,وجعلته رجلا عاديا,يعرف الخير من الشر0
  • ثمرة الشجرة المحرمة,ونبتة العودة إلى الشباب في ضياعها,كلاهما يجعلان الإنسان مآله إلى الفناء0
  • الجبروت,والبطولة في شمشون الجبار هي صدى لشخصية كلكامش.

         بعد ذلك تبدأ الشخصية الرئيسة كلكامش بسرد قصته مع التنبيه إلى طريقة سرد القصة سأقص عليكم ما رأيت، وما شعرت به, وتبدأ بالكشف عن طبيعتها المضطهدة,والخائفة,والمستلبة, وما كانت شخصية كلكامش المضطربة في النص الأصلي  تتحرك باتجاه الفعل, فان كلكامش دار السلام يحركه الاضطهاد باتجاه الخمول,وألا فعل :لقد أنفقت جل وقتي وأنا في رد العلل,ولم أكن أبدا فعلا,[14] وبهذه العلاقة المتضادة في استعمال الرمز ,يكشف لنا القاص علي السباعي ما يعانيه الإنسان العراقي البطل المفترض أن يهزم الموت, ويعود بعشبة الخلود,[15] من سلب صفاته الأصلية ,فهو إنسان يعيش تحت وطأة الخوف من قناص الجندي الأمريكي المسددة إلى قلبه,ويدفن رأسه في الرمل كالنعامة,كلكامش المنبوذ,والمتهم بالإرهاب من قبل أبناء وطنه ,نستنج مما تقدم أن كلكامش قد أصبح بطلا تاريخيا في مملكة أورك,أو اريك في التوراة ,وحاليا الوركاء ,انه الملك الخامس من سلالة أوروك الأولى,  بحث عن عشبة الخلود, وقد بين لنا القاص السباعي في قصته آنفة الذكر بان من الواجب على الإنسان العراقي المعاصر أن يبحث عن خلاصه بالمعرفة,فهي عشبته للخلاص من كل ما يحيق به من صراعات على خيراته.

المراجع:

[1] آليات السرد في الشعر العربي المعاصر: د0 عبد الناصر هلال:116 0

[2] تقنيات السرد : آمنة يوسف:7 0

[3] ينظر غائب طعمه فرمان روائيا:61 0

[4] دليل الدراسات الأسلوبية:د0 جوزيف ميشال شريم:1 1 0

[5] حديث شخصي مع القاص علي السباعي بتاريخ:15/6/2008 , إذن بنشره0

[6] جريدة الصباح,في 16 /12/2007 :11 0

[7] زليخات يوسف:9 0

[8] محاضرات في النثر العربي الحديث:د0 حاتم ألساعدي:41 0

[9] المصدر نفسه:41 0

[10] تذوق الأدب:د0 محمود ذهني:145 0

[11] أركان القصة:فورستر,ترجمة حسن محمو:25 0

[12] مقال للأستاذ زيد الشهيد,نشر في جريدة الصباح الجديد,29 /3/2007 :6 0

[13] إيقاعات الزمن الراقص:104 0

[14] جريدة الزمان,ع 2742 ,في 9/7/2007 : 11 0

[15] إيقاعات الزمن الراقص:علي السباعي:22 0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى