منال رضوان | كاتبة وناقدة _ عضو اتحاد كتاب مصر
وفق أسلوب السرد غير المباشر في أغلب فصول الرواية قام الصحفي والروائي محمد شعير بإنجاز روايته الثانية مصنع السكر، والتي لجأ فيها لاستخدام التعددية الصوتية فيما بين بطليه “ورد” و “زياد” فقام من خلالهما بنسج خيوط حبكته بأسلوب يتراوح بين الفصحى والقليل من العامية بلهجتيها المصرية والسورية..
فها هي ورد الفتاة الشامية التي تقع في حب الفنان ومصمم الأغلفة المصري “زياد”، لتسير القصة في اتجاه نحو اكتمال علاقة حبهما بالزواج ولكن الظروف تحول دون إتمام تلك الزيجة، كما تعددت الشخصيات التي تبرز عادات وأعراف المجتمع السوري والمجتمع المصري على طول الخط السردي، فظهرت شخصية “شام” صديقة البطلة التي لا تفضل إتمام ذلك الزواج وعلياء الجمال زوجة زياد التي يصدمها نبأ اقتران زوجها بأخرى، فتتحدث كل شخصية عن ذاتها وتصف مشاعرها بتفاصيل شديدة الدقة تميزها عما عاداها، فبدت الشخصيات وكأنها حقيقية تتحرك بيسر بين الأماكن المختلفة بل والأزمنة المتعددة دون اضطراب في الحكي.
ومن الأمور اللافتة في ذلك العمل، أنه يحمل قراءة على مستويين؛ إذ يمكنك أن تتلقاه على أنه قصة رومانسية لحبيبين حالت الأقدار دون اكتمال حكايتهما، لكن بالتعمق فيما وراء القَص، يمكنك أن تدرك مدى التأزم الذي يعانيه المواطن العربي جراء محاولات التفرقة والتشرذم والانعزال، فورد تتوقع أن يقتلها شقيقها حافظ بمجرد أن يعلم برغبتها في الزواج من شاب مصري، ومع غرابة هذا المنع لجأ الروائي لحيلة تمثلت في ذكره عبارة تكونت من الكلمات ذاتها باختلاف تشكيل الحروف:
– ” شِفتك؟!.. أخيرًا شِفتَك؟!”
-“أخيرًا.. شُفتِك”
إن العبارتين لا يوجد بينهما ثمة إختلاف يذكر عدا (الشكل) للحروف.. وكأن لسان حاله يقول نحن أبناء لغة واحدة كما لجأ شعير لحيلة التكرار؛ فكرر ولأكثر من مرة هذه العبارة المزدوجة المتمثلة في سؤال وجواب بين اثنين توحدا في كل شيء أو هكذا يفترض ..
وهو ما يجعلنا عن طريق الإسقاط نتذكر ما حدث في ٢٨ من سبتمبر (أيلول) عام ١٩٦٢ .. فتلك الرموز التي لجأ الكاتب إليها تبرز إلحاح فكرة الاتحاد ثم الانفصال، وإن لم يتم التصريح بها هنا كما فعل يوسف السباعي على سبيل المثال في روايته “ليل له آخر” وقصة الحب بين الفتاة السورية والشاب المصري والتي انتهت بوقوع الانفصال فكان هو الحدث الرئيس عند السباعي، ربما لسخونة الحدث وقتها ، لكننا نجد بعد مرور خمسة عقود أن الكاتب قام بهضم الفكرة جيدًا واستطاع التعبير من دون ضغط واحتقان للمشاعر أو التحيز إلا لصالح الوحدة التي تستطيع الشعوب مواجهة المخاطر بها.
لنجد في نهاية الأحداث الفكرة وقد اتضحت من خلال شهد والتي تعرف نفسها بشهد الجديدة واقترابها من الفكرة ذاتها، (الوحدة عن طريق الحب)، لتنتهي الأحداث بلعب مباراة ودية بين المنتخب المصري والمنتخب السوري تضمن تأهلهما معا في البطولة الرياضية.
كذلك في رواية مصنع السكر لابد وأن نقف إزاء هذا الكم المثير من العبارات باللهجة السورية والتي تظن بمجرد أن تقع عينك عليها أنها لكاتب سوري يعبر بلهجته في منتهى السلاسة واليسر، وهو ما منح المصداقية للعمل، فضلا عن الحس الصحفي الذي استعان شعير به لتكون جمله صريحة واضحة في وصف المشاعر بين الحبيبين أو بين باقي أبطال الرواية وبعضهم البعض؛ فتظل وحدها الفكرة الرئيسة هي مربط الفرس واللغز الذي نحاول أن نتابعه، لنعلم في النهاية أن الوحدة بين إقليمين قد تستغرق بعض الوقت ومحاولات من النجاح والإخفاق غير أنها تبقى هي الحل وطوق النجاة.
(غمرتني موجة مقاجئة من الفرحة.. رحتُ ألوح بيدي للبشر.. أشير بعلامة النصر.. كذلك فعلت “شام” التي أرى اليوم ضحكتها كما لم أرها من قبل.. بينما شرع السائق في إطلاق الأصوات من بوق السيارة بانتظام.. للاحتفال.. التنبيه.. وإزاحة الجماهير من طريقنا.. حتى نبلغ وجهتنا.)