ترجمة القرآن الكريم.. دعوة إلى الحوار والتلاقي والانفتاح على الآخر
المترجم ربيع عامر الطربوش بنادي الإخاء التركماني في بغداد
علي جبار عطية | رئيس تحرير جريدة أوروك
دعا المترجم ربيع عامر الطربوش إلى الحوار والتلاقي بين الحضارات والمزيد من الانفتاح على الآخر.. جاء ذلك خلال محاضرةٍ ثريةٍ له عنوانها (ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية.. قضايا ومواقف) وقد ألقاها في قاعة الشاعر فضولي البغدادي بنادي الإخاء التركماني في بغداد ضحى يوم السبت الموافق ٢٠٢٤/٦/٢٩.
طرحت خلال المحاضرة تساؤلات عدة منها : هل يمكن أن يترجم القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، وما دوافع المترجمين ومدى أمانتهم وتدخلهم في نقل النص القرآني، ومساهمتهم في تقريب وجهات النظر لفهم الدين الإسلامي.. تساؤلات ساخنة استطاع أستاذ اللغة الإنكليزية في كلية اللغات بجامعة بغداد ربيع عامر الطربوش بشخصيته الكارمزية وبما عرف عنه من سعة اطلاع وثقافة موسوعية وخبرة في التدريس والترجمة أن يجيب عن صيف تلك الأسئلة بربيع إجاباته الموضوعية.
قدمت الندوة السيدة يلذر سعد الدين رئيس قسم اللغة التركية في كلية اللغات – جامعة بغداد وحضرها نخبة من الشخصيات الأكاديمية والثقافية والإعلامية، واصفةً إياه بالغني عن التعريف في التدريس والترجمة والخبرة والاستشارة والفاعلية في المؤتمرات والندوات البحثية.
طرح المحاضر بدايات ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى في القرن الحادي عشر وكان إلى اللغة اللاتينية بوصفها لغة العلم والأدب والثقافة بينما كانت اللغة الإنجليزية ينظر إليها كلغة للعامة والرعاع!
وبيّن دافع الترجمة إلى اللغة اللاتينية هو للرد على القرآن الكريم وتفنيده ويظهر ذلك جلياً من عنوان الترجمة بنسبة القرآن للرسول ووصفه وصفاً غير لائق. وفي القرن الثاني عشر ترجم القرآن إلى اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية وغيرها. وازدادت الترجمات في العصر الحديث.
ونوَّه إلى استحالة ترجمة إيقاع الآيات القرآنية وإنّما يمكن عد الترجمة محاولة لنقل معاني الآيات وحسب ثقافة المترجم ولغته الأدبية ومعتقده .
مشيراً إلى أحد الأمثلة في ذلك سورة (العاديات) كنموذج لتصوير تحرك الجيش في غزوة (ذات السلاسل) في السنة الثامنة للهجرة بقيادة الإمام علي عليه السلام وانتصارهم فإيقاع الآيات بوصف تحرك الجيش بلغة القرآن الكريم تصعب ترجمته إلى لغة أخرى مهما اجتهد المترجم .
وبين أنَّ هناك ترجمات بالغة الإساءة إلى القرآن ابتداء من العنوان إلى تحريف الآيات التي لا تنسجم َمع معتقد المترجم أو تقسيم القرآن حسب تسلسل نزول السور لا كما هو المشهور بين المسلمين حسب طول السور .
وأورد أمثلةً على بعض الترجمات التي كانت تتوخى السعي إلى إيصال القرآن إلى الشعوب غير الإسلامية للتواصل الحضاري وإقناع الآخر ومنها ترجمة المستشرق الإنجليزي البارز أرثر جون أربري (١٩٠٥ – ١٩٦٩) مع ترجمة مفسرة لمعاني القرآن الكريم، أصدرها عام ١٩٥٥ وهي تعد من أهم ترجمات المستشرقين للقرآن الكريم،وقد لقيت قبولاً واسعاً لدى الغربيين، لما تتميز به من دقة أسلوبها الأدبي وقد صدرت في مجلدين، وسبقها لإصدار ترجمة لمختارات من بعض آيات القرآن مع مقدمة طويلة، وقد قال عنها الدكتور عبدالرحمن بدوي: (إنَّ ترجمة أربري للقرآن لم تكن ترجمةً حرفيةً بل ترجمة مفسرة تعطي المعنى في أسلوب رشيق جميل دون التقيد بحرفية الآيات ولا تسلسل تركيبها اللغوي) ، مؤكداً أنَّها أجمل في القراءة من أية ترجمة أخرى للقرآن إلى أي لغة ولكنها لا تغني عن الترجمات الدقيقة مثل ترجمة رودول الإنجليزية أو ترجمة بلاشير الفرنسية. ثمَّ قرأ المحاضر سورة (الفاتحة) باللغة الإنجليزية.
كذلك أورد المحاضر مثالاً آخر للترجمة وهي ترجمة المحامي الهندي المسلم عبد الله يوسف علي (١٨٧٢ ـ ١٩٥٣) التي بدأها في عام ١٩٣٤، وهي الأكثر شهرةً وطباعةً بين ترجمات القرآن للغة الإنجليزية، القارىء لسيرته يجد أنَّه نشأ في أسرة تنتمي لطائفة البهرة الإسماعيلية، وتعلم القرآن في صباه، ثم سافر إلى إنكلترا إذ درس القانون، وانفتح على الآداب الإنجليزية، قبل أن يعود إلى لاهور ليتم ترجمته للقرآن. وقد ذكر المؤرخون أنَّ المترجم نجح في الانتفاع بجهود من سبقوه، خصوصاً مولانا محمد علي، وحافظ سروار، وبكتال، إلا أنه ارتقى بمستوى البيان الإنجليزي. وتوصف ترجمته بأنَّها ترجمة حرفية ودقيقة، تعتمد على ترجمة الكلمات بشكل فردي ولا تحاول إعادة صياغة العبارات.
وفي نهاية المحاضرة دعا إلى فهم الآخر وعدم فرض المعتقد عليه قسراً لكي لا تتكرر المآسي كما فعل السلطان الأفغاني محمود الغزنوي (٩٧١ ـ ١٠٣٠) فقد قتل سنة ١٠٢٤ في يوم واحد سنة خمسين ألفاً من الهندوس في معبد سومناث مع تحطيم معبدهم.
وضرب المترجم ربيع عامر الطربوش خير مثال للإنصاف والموضوعية وفهم الآخر بالأديب والشاعر الألماني فون غوته (١٧٤٩ ـ ١٨٣٢) الذي كان يفتتح كتاباته ببسم الله الرحمن الرحيم،وله مقولةٌ شهيرةٌ هي: (إذا كان الإسلام معناه الاستسلام لله، فكلنا مسلمون).