أسرى الأفكار
ظهير طريف فالح| العراق
من السهل علينا أن ننظر إلى الماضي و ننتقد عقول من عبدوا الأوثان لأننا نرى في أفعالهم تخلفًا وسخفًا لا يتماشى مع العقلانية التي نفخر بها في عصرنا . وقد تطرق الدكتور علي الوردي في كتابه (حوارات في الطبيعة البشرية) إلى حوار جرى بينه و بين شخص حول المقاومة الشديدة التي ثارت ضد الدعوة الاسلامية عند ظهورها ، فانتقد هذا الشخص و هو مدهوش من عقول القائمين بها قائلاً: و كيف يمكن لعقل اي انسان ان يعبد وثناً يصنعه بيده ويترك عبادة الله الواحد القهار ؟
وفي النهاية قال الدكتور: اني أعرف هذا الشخص معرفة شخصية وأعرف انه من المتعصبين على جميع المعتقدات والطقوس التي نشأ عليها . واستطيع ان أقول أن بعض المعتقدات والطقوس التي يتعصب لها لا تقل سخافةً عن عبادة الأوثان و لكنه بالرغم من ذلك يعتبرها من أفضل المعتقدات و الطقوس في العالم، وهو مستعد ان يأتي بالعديد من الأدلة النقلية و العقلية لتأييد صحتها وانا واثق ان هذا الرجل لو كان يعيش في زمان الدعوة الاسلامية لكان من خصومها .
ألهمني كثيرا تشخيص الدكتور علي الوردي و اثار لدي تساؤلا/ هل نحن حقًا نبحث عن الحقيقة أم أننا نسعى فقط لتأكيد معتقداتنا؟ الأصنام ليست مجرد حجارة بل تتشكل في عقول البشر كموروثات فكرية تكون عادات وتقاليد ، معتقدات راسخة، أو حتى مفاهيم فلسفية قديمة. فمقاومة الدعوات الجديدة سواء كانت دينية أو فكرية تنبع من خوف الاعتراف بأن ما كنا نعتقده طيلة حياتنا قد يكون باطلًا أو مضللًا.
لو عدنا إلى زمن الدعوة الاسلامية لوجدنا أن مقاومة تلك الدعوة لم تكن بسبب الدعوة نفسها بل لأنها جاءت كزلزال يهز و يُعيد صياغة منظومة القيم و يضعها في مواجهة مباشرة مع الماضي . لم تكن الوثنية مجرد عبادة للأصنام بل كانت نظامًا اجتماعيًا وفكريًا و عندما جاء التوحيد ليقلب تلك المعادلة كان من الطبيعي أن يظهر ذلك العناد والتشبث .
لذلك نرى في عصرنا الحالي هنالك الكثير من الدعوات الجديدة تُهاجم بنفس الحجج التي كانت تستخدم للدفاع عن المعتقدات القديمة.. فلا يهم الزمن الذي نعيش فيه فالنفس البشرية تبقى واحدة . عندما نضع الإنسان أمام دعوة جديدة نرى أن الصراع الحقيقي ليس مع الدعوة نفسها بل مع الخوف من التخلي عن ما نشأنا عليه ، فما نحن إلا مجرد أسرى لأفكارنا.